العدل وفوائده وعوائده
الحمد لله الذي جعل الأخلاق من الدين، وأعلى بها شأن المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:-
فاتقوا الله ربكم فإن أسعد الناس من اتقاه .
عباد الله: اعلموا أن أوامر الله جل في علاه فيها الخير والبركة والفوز في الدنيا والآخرة , ومن تلكم الأوامر والأخلاق (خلق العدل)، العدل أمر الله به في مواضع كثيرة من كتابه، وأمر بالعدل بين الناس في المقالات والمذاهب والدماء والأموال والأعراض وسائر الحقوق، ونهى عن الظلم في كل شيء وذم الظالمين وذكر عقوباتهم في الدنيا والآخرة في آيات متعددة قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل)، وقال: (قل أمر ربي بالقسط)، وقال: (والله لا يحب الظالمين).
وفي صحيح مسلم فيما يرويه نبينا عليه الصلاة والسلام عن ربه جل وعلا أن الله تعالى يقول: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)
والشريعة المحمدية كلها عدل وقسط ورحمة لا جور فيها بوجه من الوجوه لا في أصولها ولا في فروعها، فالتوحيد أصل العدل والشرك ضده أصل الظلم، قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) فالعدل وضع الشيء موضعه وأداؤء الحقوق كاملة .
فأعظم الحقوق على الإطلاق حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه وحده ويخلصوا له الدين (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) وفي حديث معاذ المتفق عليه لما سأله الرسول عليه الصلاة والسلام : أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ قال : قلت الله ورسوله أعلم. قال حق العباد على الله : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . فمن قام بهذا الحق فعبد الله وحده وأدى هذا الحق وقام بحقوقه مخلصا له فقد قام بأعظم العدل ومن جعل هذا الحق لغير مستحقه بأن عبد غير الله وتعلق بغيره رغبة ورهبة فقد ظلم وعدل عن العدل، قال تعالى: (ثم الذين كفروا برهم يعدلون).
وفي الحديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم إمام عادل..) متفق عليه.فذكر أولهم الإمام العادل وهو صاحب الولاية العظمى , ويلتحق به كل من ولي شيئاً من أمور المسلمين فعدل فيه .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا) رواه مسلم
فعلى الإمام الأعظم أن يقيم العدل في جميع رعيته قريبهم وبعيدهم, غنيهم وفقيرهم, وأن يكونوا عنده سواء. وأن يستنيب لكل عمل الكفء الأمين ويوصيهم على إقامة العدل ويحذرهم الظلم والجور وظلم العباد في الدماء والأموال والأعراض. فلا يصلح الدين إلا بالعدل ولا تصلح الدنيا إلا بالعدل , ويوم واحد من إمام عادل خير للعباد من أن يمطروا أربعين صباحا لأن الراعي يسعد به الراعي والرعية.
وبالعدل تُعمر الأسباب الدنيوية ويحصل التعاون على المصالح الكلية والجزئية وبالظلم خراب الديار وفساد الأحوال.
والعدل أيضا واجب في جميع المعاملات بين الناس وهو أن تؤدي ما عليك كاملا كما تطلب حقك كاملا وهذا يؤكد عليه في الوظائف الحكومية فكما أنك تأخذ مرتباً نهاية كل شهر عِوضا عما بذلته فيجب أن تؤدي هذه الأمانة على أكمل وجه قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فمتى بنيت المعاملات على هذا الأصل تحسنت المعاملات وتمت الثقة والتبادل العادل بين المتعاملين.
ومتى كان الأمر بالعكس فبخس الحق الذي عليه وغش وطفف فمنع ما عليه وأخذ ماله (ويل للمطففين..) وويل لهم مما يترتب على البخس والتطفيف من العقوبات الدنيوية التي أولها : نزع البركة ومحق الرزق وسوء المعاملة وتوقف كثير من المعاملات والأسباب النافعة .
كل معاملة فقدت روحها-وهو العدل- فهي معاملة ضارة غير نافعة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) وفي الحديث الصحيح (من غشنا فليس منا)
فالغش والمعاملات الجائرة الظالمة ليست من الدين , وصاحبها متعرض لعقوبة الله العاجلة والآجلة, ولا يكن أحدكم كالإمعة إن أحسن الناس أحسن , وإن أساءوا أساء فهذا ظلم وسفه وحماقة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
أيها المؤمنون: والعدل يكون في الحقوق الزوجية فعلى كل واحد من الزوجين من الحقوق الشرعية العاجلة وللآخر ما يناسبه فمتى قام كل منهما بما عليه التأمت الزوجية وتم للزوجين حياة سعيدة طيبة, ومن لم يقم كل منهما بالحق الذي عليه تكدرت الحياة وتنغصت اللذات وطال الخصام واختلت التربية النافعة وتضرر كل منهما في دينه ودنياه كما قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرِك مؤمنٌ مُؤِمْنِةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم وهذا الإرشاد من النبي صلّى الله عليه وسلم، للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته. والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها؛ فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها، رآه شيئاً واحداً أو اثنين مثلاً، وما فيها مما يحب أكثر. فإذا كان منصفاً غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها وهذا هو العدل المطلوب بين الزوجين .
وكذلك العدل في القيام بحقوق الأولاد والأقارب على اختلاف مراتبهم والقيام بصلتهم الواجبة والمستحبة به تتم الصلة بين الأقارب والمنافع الدينية والدنيوية المتبادلة, وبذلك يكتسبون الشرف عند الله وعند الخلق.
والقطيعة بعكس ذلك كله وذلك راجع إلى العدل وجوداً وعدماً قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته) رواه مسلم، فذكر الولايات كلها كبارها وصغارها وأن كل من تولى أي ولاية يكون مسئولا عن رعيته وعليه سلوك العدل المتعلق بتلك الولاية.
العدل به تقوم الولايات وتصلح الأفراد والجماعات وتمشي الأمور على الاستقامة في كل الحالات.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم؛ وأصلح ذات بينهم؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم؛ واهدهم سبل السلام؛ وأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم ما أبقيتهم. واجعلهم شاكرين لنعمك مثنين بها عليك؛ قابليها وأتممها عليهم يا رب العالمين. اللهم انصر كتابك ودينك وعبادك المؤمنين؛ وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على الدين كله. اللهم عذب الكفار والمنافقين الذين يصدون عن سبيلك ويبدلون دينك ويعادون المؤمنين. اللهم خالف كلمتهم وشتت بين قلوبهم؛ واجعل تدميرهم في تدبيرهم؛ وأدر عليهم دائرة السوء. اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم مجري السحاب ومنزل الكتاب وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم. ربنا أعنا ولا تعن علينا. وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا؛ واهدنا ويسر الهدى لنا؛ وانصرنا على من بغى علينا. ربنا اجعلنا لك شاكرين مطاوعين مخبتين؛ أواهين منيبين. ربنا تقبل توبتنا؛ واغسل حوبتنا وثبت حجتنا؛ واهد قلوبنا؛ وسدد ألسنتنا واسلل سخائم صدورنا.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سَحًّا غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |