اَلْخَلِيْلُ وَاَلْرُّكْنُ اَلْجَلِيْلِ
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْكَرِيْمِ اَلْجَوَاْدِ، اَلْلَّطِيْفِ بِاَلْعِبَاْدِ، اَلْمُتَفَرِّدِ بِاَلْخَلْقِ وَاَلْإِيْجَاْدِ. أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، تَوَحَّدَ فِيْ تَدَاْبِيْرِ أُمُوْرِ اَلْعِبَاْدِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَه. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، اَلْهَاْدِيْ إِلَىْ سَبِيْلِ اَلْرَّشَاْدِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْتَّنَاْدِ، } يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ، مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ { .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لَكُمْ وِلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، فَهُوَ اَلْقَاْئِلُ U مِنْ قَاْئِلٍ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَاَتَّقُوْا اَللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ - جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
أَيَّاْمٌ وَتَحُلُّ بِنَاْ مُنَاْسَبَةٌ عَظِيْمَةٌ جَلِيْلَةٌ كَرِيْمَةٌ، جَعَلَهَاْ اَللهُ U رُكْنَاً مِنْ أَرْكَاْنِ دِيْنِهِ ، وَشَعِيْرَةً مِنْ شَعَاْئِرِهْ ، حَجُّ بَيْتِهِ اَلْحَرَاْمِ، وَلِهَذِهِ اَلْشَّعِيْرَةِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ تَاْرِيْخٌ قَدِيْمٌ ، بِدَاْيَتُهُ حِيْنَمَاْ كَاْنَ نَبِيُ اَللهِ اَلْخَلِيْلُ إِبْرَاْهِيْمُ ـ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ـ فِيْ اَلْعِرَاْق ، فَضَاْقَتْ بِهِ اَلْحَيَاْةُ مَعَ قَوْمِهِ اَلْوَثَنِيِّيْنَ اَلْجَاْحِدِيْنَ ، فَرَحَلَ إِلَىْ فِلِسْطِيْنَ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ سَاْرَّةُ وَاِبْنُ أَخِيْهِ لُوْط ـ عَلَيْهِمُ اَلْسَّلَاْمُ ـ كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ : } فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ، وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { وَمِنْ فِلِسْطَيْنَ إِلَىْ مِصْرَ ، وَفِيْ مِصْرَ تَحْدُثُ قِصَّةُ اَلْاِبْتِلَاْءِ لِزَوْجَتِهِ سَاْرَّةَ ، مِنْ قِبَلِ مَلِكِ مِصْرَ اَلْظَّاْلِمِ .
رَوَىْ اَلْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ، كُلُّ ذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ قَوْلُهُ: } إِنِّي سَقِيمٌ { وَقَوْلُهُ : } بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا { وَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ ، فِي أَرْضِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، إِذْ نَزَلَ مَنْزِلًا، فَأُتِيَ الْجَبَّارُ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ هَاهُنَا رَجُلٌ، مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا! فَقَالَ إِنَّهَا أُخْتِي . فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهَا قَالَ : إِنَّ هَذَا سَأَلَنِي عَنْكِ ، فَقُلْتُ إِنَّكِ أُخْتِي ، وَإِنَّهُ لَيْسَ الْيَوْمَ مُسْلِمٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ ، وَإِنَّكِ أُخْتِي ، فَلَا تُكَذِّبِينِي عِنْدَهُ .
فَانْطُلِقَ بِهَا ـ أَيْ إِلَىْ اَلْجَبَّاْرِ ـ فَلَمَّا ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا أُخِذَ ، فَقَالَ: اِدْعِيِ اَللهَ لِيْ وَلَاْ أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ لَهُ فَأُرْسِلَ، فَذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا، فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ مِنْهَا، فَقَالَ اِدْعِيِ اَللَّهَ لِيْ وَلَاْ أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ فَأرْسَلَ ، ثَلَاْثَ مَرَّاْتٍ ، فَدَعَاْ أَدْنَىْ حَشَمِهِ فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ، وَلَكِنْ أَتَيْتَنِي بِشَيْطَان، أَخْرِجْهَاْ وَأَعْطِهَا هَاجَرَ. فَجَاءَتْ وَإِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهَا، اِنْصَرَفَ فَقَالَ: مَهْيَمْ ـ أَيْ مَاْ حَاْلُكِ وَمَاْ شَأْنُكِ ، أَوْ مَاْ وَرَاْءَكِ؟ أَوْ أَحَدَثَ لَكِ شَيْءٌ؟. فَقَالَتْ كَفَى اللَّهُ كَيْدَ الظَّالِمِ وَأَخْدَمَنِي هَاجَرَ .
بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إِبْرَاْهِيْمُ، وَمَعَهُ سَاْرَّةُ وَخَاْدِمَتُهَاْ هَاْجَر ، رَجَعُوْا إِلَىْ فِلِسْطِيْنَ، وَكَاْنَتْ سَاْرَّةُ اِمْرَأْةً عَاْقِرَاً لَاْ تَلِدُ ، فَأَشَاْرَتْ عَلَىْ إِبْرَاْهِيْمَ ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَ هَاْجَرَ ، فَفَعَلَ.
فَوَلَدَتْ لَهُ اِسْمَاْعِيْلَ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ، وَشَاْءَ اَللهُ U أَنْ حَمَلَتْ سَاْرَّةُ، وَوَلَدَتْ إِسْحَاْقَ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ. وَمَعَ اَلْبَقَاْءِ وَطَبِيْعَةِ اَلْنِّسَاْءِ، غَاْرَتْ سَاْرَّةُ مِنْ هَاْجَرَ، وَلَمْ تُطِقْ رُؤْيَتَهَاْ ، وَصَاْرَحَتْ إِبْرَاْهِيْمَ بِمَاْ تَجِدُ فِيْ نَفْسِهَاْ، فَكَاْنَ ذَلِكَ ، سَبَبَاً فِيْ هِجْرَتِهِ بِهَاْجَرَ ، وَإِسْمَاْعِيْلَ إِلَىْ مَكَّةَ .
وَفِيْ صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : أَوَّلُ مَاْ اِتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ ، مِنْ قِبَلِ أُمِّ إسماعيل ـ واَلْمِنْطَقُ هُوَ مَاْيُشَدُّ بِهِ اَلْوَسَطُ ـ اِتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِيُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَّةَ ـ أَيْ يُخْفِيْه ـ ثُمَّ جَاْءَ بِهَاْ إِبْرَاْهِيْمُ وَبَاِبْنِهَاْ إِسْمَاْعِيْلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّىْ وَضَعَهَاْ عِنْدَ اَلْبَيْتِ ، عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ، فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيْهِ تَمْرٌ، وَسِقَاْءً فَيْهِ مَاْءٌ ، ثُمَّ قَفَّاْ إِبْرَاْهِيْمُ مُنْطَلِقًا ، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ ! أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَاْ بِهَذَاْ اَلْوَاْدِيْ، لَيْسَ فِيْهِ أَنِيْسٌ؟ وَلَا شَيْءَ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَاْ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَاْ ، فَقَاْلَتْ : آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَاْ؟ قَالَ : نَعَمْ : قَالَتْ : إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ .
فَاَنْطَلَقَ إِبْرَاْهِيْمُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ ، حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ ، اِسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ اَلْبَيْتَ ، ثُمَّ دَعَاْ بِهَذِهِ اَلْدَّعَوَاْت، وَرَفَعَ يَدِيْهِ فَقَالَ: } رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ، عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاْعِيْلَ ، تُرْضِعُ إِسْمَاْعِيْلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ اَلْمَاْءِ، حَتَّىْ إِذَاْ نَفَذَ مَاْ فِيْ اَلْسِّقَاْءِ ، عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابنُّها ، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى - أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ - فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِي تَنْظُرُ، هَلْ تَرَى أَحَدًا ! فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِي رَفَعَتْ طَرْفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِي، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَاْمَتْ عَلَيْهَاْ ، فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَىْ أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ النَّبِيُّ e: (( فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا )) ، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ ، سَمِعَتْ صَوْتَاً، فَقَاْلَتْ: صَهٍ - تُرِيدُ نَفْسَهَا - ثُمَّ تسمَّعت فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غُوَاثٌ ، فَإِذَا هِيَ بالمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ - أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ - حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ ، وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ اَلْمَاْءِ فِيْ سِقَاْئِهَاْ ، وَهُوَ يَفُوْرُ بَعْدَمَاْ تَغْرِفُ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ النَّبِيُّ e : (( يَرْحَمُ اللَّهُ أَمَّ إِسْمَاعِيلَ ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ - لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا )) .
قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا ، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ : لَاْ تَخَاْفِيْ اَلْضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَهُنَاْ بَيْتَاً للهِ يَبْنِيْه هَذَاْ اَلْغُلَاْمُ وَأَبُوْهُ ، وَأَنَّ اَللهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَاْلِهِ ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ، أَوْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ ، مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءَ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا ، اَلْطَّاْئِرُ اَلْعَاْئِفُ: هُوَ اَلَّذِيْ يَتَرَدَدُ عَلَىْ اَلْمَاْءِ ، وَيَحُوْمُ وَلَاْ يَمْضِيْ عَنْهُ. فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُوْرُ عَلَىْ مَاْءٍ، لَعَهْدُنَاْ بِهَذَاْ اَلْوَاْدِي، وَمَاْ فِيْهِ مَاْءٌ ، فَأَرْسَلُوْا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ ، فَأَقْبَلُوا ، قَالَ: وأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ ، فَقَالُوا : أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ e : فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ، فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ ، وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ .
جَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْه قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بَابِهِ ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا ، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ : ذَاكِ أَبِي ، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الحَقِي بِأَهْلِكِ ، فَطَلَّقَهَا ، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ : كَيْفَ أَنْتُمْ ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ ؟ قَالَتِ اللَّحْمُ ، قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ ؟ قَالَتِ المَاءُ . قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ ، قَالَ النَّبِيُّ e : (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ )). قَالَ إِبْرَاْهِيْمُ : فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ، قَالَتْ : نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ ، قَالَ : ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ العَتَبَةُ ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ .
أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَأَنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلْرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
ثُمَّ لَبِثَ إِبْرَاْهِيْمُ ـ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ـ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ، تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ ، وَالوَلَدُ بِالوَالِدِ ، ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ : وَتُعِينُنِي ؟ قَالَ : وَأُعِينُكَ ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا ، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ البِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ: }رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ { ، قَالَ : فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ البَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ : } رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ { .
هَذِهِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ قِصَّةُ اَلْخَلِيْلِ وَاَلْرُّكْنِ اَلْجَلِيْلِ ، عَسَىْ اَللهُ أَنْ يَنْفَعَنَاْ بِهَاْ، وَأَنْ يَكُوْنَ حَجُّنَاْ، مَبْنِيَّاً عَلَىْ إِيْمَاْنٍ بِاَللهِ U ، وَاَسْتِشْعَاْرٍ لِعَظِيْمِ أَوَاْمِرِهِ ، إِنَّهُ وَلِيُ ذَلِكَ وَاَلْقَاْدِرُ عَلَيْهِ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ يَاْ مُنْزَلَ اَلْكِتَاْب، وَيَاْ مُجْرِيَ اَلْسَّحَاْبَ ، وَيَاْ سَرِيْعَ اَلْحِسَاْب ، وَيَاْ هَاْزِمَ اَلْأَحْزَاْب، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ حَاْرَبَ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَلْمُسْلِمِيْن ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْبُغَاْةِ اَلْمُجْرِمِيْن ، وَاَلْطُّغَاْةِ اَلْمُعْتَدِيْن ، وَاَلْحَاْقِدِيْنَ وَاَلْحَاْسِدِيْنَ عَلَىْ بِلَدِ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْن .
اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْحُوْثِيِّيْنَ وَمَنْ نَاْصَرَهُمْ، وَبِاَلْخَوَاْرِجِ وَمَنِ اِسْتَعْمَلَهُمْ ، وَبِاَلْصَّفَوُيِّيْنَ وَمَنْ أَيَّدَهُمْ. اَلْلَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدَاً ، وَأَهْلِكْهُمْ بَدَدَاً ، وَلَاْ تُغَاْدِرْ مِنْهُمْ أَحَدَاً, اَلْلَّهُمَّ اِكْفِنَاْهُمْ بِمَاْ شِئْتْ ,إِنَّكَ عَلَىْ مَاْ تَشَاْءُ قَدِيْر . اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ بِسُوْءٍ، اَلْلَّهُمَّ اَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ، وَاَجْعَلْ تَخْطِيْطَهُ وَتَدْبِيْرَهُ تَدْمِيْرَاً عَلَيْه. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ جُنُوْدِنَاْ عَلَىْ حُدُوْدِنَاْ، اَلْلَّهُمَّ اُنْصُرْهُمْ نَصْرَاً مُؤَزَّرَاْ. اَلْلَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عُوْنَاً وَظَهِيْرَاً، وَوَلِيَّاً وَنَصِيْرَاً. اَلْلَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَاَرْبِطْ عَلَىْ قُلُوْبِهِمْ ، وَقَوِّيْ عَزَاْئِمَهُمْ، وَاَحْفَظْ اَرْوَاْحَهُمْ، وَعَجِّلْ بِنَصْرِهِمْ ، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ أَهْلِيْهِمْ رَدَّاً جَمِيْلَاً ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِل ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة عن موسم الحج تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=130
|