المسح على الخفين
الحمد لله الذي وفَّق من شاءَ لعبادته، أحمده سبحانه وأشكره على جزيلِ فضلِه ونِعمتِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له في ألوهيّته وربوبيّته، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آلِه وصحبِه ومَن سار على نهجِ دَعوته وتمسّك بسنّته، أما بعد:-
فاتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه، واعلموا أيها الناس أن ديننا الإسلامي دين الرحمة فأوامره كلها خير وبركة ونواهيه كلها خير وبركة قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ومن رحمة الله بنا: الرخصة في المسح على الخفين خصوصا في أيام الشتاء فإن الناس يشق عليهم غسل الرجلين مع شدة البرد فإذا كان على الرِّجلين خفٌّ - وهو ما صُنع من جلد - أو جورب -، وهو ما صُنع من قماش كالشُرّاب فامسحوا عليه سواء كان من القطن أو الصوف أو الجلود أو غيرها مادام يسمى شُرّابا حتى لو كان فيه شقوق يسيرة.
واعلموا عباد الله أن للمسح على الخفين شروطاً منها :
الشرط الأول: أن يكون الملبوس – سواء كان خفاً أو جورباً- طاهرًا فإن كان نجسًا بأن كان مصنوعا من جلد خنزير أو كلب لم يَجُز المسح عليه.
الشرط الثاني: أن يلبس ذلك على طهارة فإن لبسه على غير طهارة لم يَجُز المسح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - حين أراد أن ينزع خفَّي النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» . وفي هذا الحديث نصٌّ صريح على أن مَن عليه جوارب أو خفّان فإن السنَّة أن يمسح وأن لا يخلعهما ليغسل القدمين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمغيرة: «دعهما» .
الشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر من بول أو غائط أو نوم أما الحدث الأكبر وهي الجنابة أو غيرها فلا بد من غسل الرجل.
الشرط الرابع: أن يكون في المدة المحدودة شرعًا وهي: يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنَّا سفرًا - أي: مسافرين - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم». وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم».
واليوم والليلة تقدر بأربعة وعشرين ساعة لا كما يفهمه بعض الناس أن المسح خاص بالصلوات الخمس فقط، بل الصواب أن المسح يكون بأربعة وعشرين بفرائضها ونوافلها.
وهذه المدة تبتدئ من أول مرّة مسَحَ بعد الحدث على القول الراجح من أقوال العلماء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّت المسح ولا يكون المسح واقعًا حقيقة إلا إذا مسح فعلاً؛ وعلى هذا فما مضى من المدة قبل المسح أول مرّة فإنه لا يُحتسب من المدة، فإذا تطهّر الرَّجل لصلاة الفجر مثلاً ولبس خفَّيه ونقضَ وضوءه في الضحى ثم توضأ لصلاة الظهر عند الساعة الثانية عشرة فإنه لا تبتدئ مدة المسح إلا من الساعة الثانية عشرة وما قبل ذلك لا يُحسب من المدة؛ وعلى هذا فيمسح المقيم إلى اليوم الثاني في الساعة الثانية عشرة والمسافر إلى تمام ثلاثة أيام من ابتداء المسح إلا إذا حصلت جنابة فإنه يجب الخلع وغسل الرِّجلين مع سائر الجسد , وإذا تَمَّت المدة والإنسان على طهارة لم تنتقض طهارته بتمام المدة إلا أن يحصل ناقضٌ للوضوء من بول أو غيره، ومَن مسح على شيء ثم خلعه بعد مسحه فطهارته باقية لا تنتقض بذلك على الراجح أما المدة فقد انتهت .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
أيها الإخوة، فقد سمعتم كثيرًا من أحكام المسح على الخفَّين والجوربين وهنا مسائل متعددة لا يمكن أن نسوقها في هذا المكان ولكن نذكر شيئًا منها، من ذلك: أن الإنسان إذا لبس شرّابًا ومسح عليها ثم أراد أن يُضيف إليها شرابًا أخرى فلا بأس بذلك، مثاله: رجلٌ لبس شرابًا لصلاة الفجر بعد استكمال الطهارة ثم مسح عليها لصلاة الظهر وفي آخر النهار اشتد البرد وأراد أن يلبس عليها شرابًا أخرى فلبس الشرّاب الأخرى وهو على طهارة فإنه يمسح على الشراب الأخرى ولكنّ ابتداء المدة من المسح على الشراب الأولى، هذه مسألة.
المسألة الثانية: إذا لبس الإنسان شرّابًا ثم مسح عليها ثم خلعها بعد المسح فإنه لا يُعيد المسح عليها مرَّة ثانية لكنّه باقٍ على طهارته حتى تنتقض، فإذا أراد أن يتوضأ فإنه لا بُدَّ أن يغسل قدميه حتى لو فُرض أنه قد لبس شرّابتين ثم مسح على الأولى ثم خلعها لِخِفَّة البرد فإنه لا يمسح على الثانية؛ لأنه متى خُلِعَ الممسوح فإنه لا تمكن إعادة المسح إلا بعد غسل القدمين في الوضوء.
ومن المسائل أن المشروع مسح ظاهر الخف أو الجورب لقول علي رضي الله عنه (لو كان الدين بالرأي بالعقل لكا مسح أسفل الخف أولى من أعلاه ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما) وسواء بدأ بالقدم اليمنى أم باليسرى أم بهما جميعا مرة واحدة فكله جائز.
أيها الإخوة، إن المهم كل المهم أن تعبدوا الله تعالى على بصيرة ولا يمكن أن تعبدوا الله على بصيرة إلا بالعلم الشرعي الذي تتلقّونه من الكتب إن كنتم من ذوي الأفهام أو من العلماء الموثوق بهم إذا كنتم لا تعلمون، لقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾، أما أن يكون الإنسان إمَّعة يفعل ما يفعل الناس بلا دليل أو يقول ما يقول الناس بلا دليل فإن هذا نقص بلا شك؛ لأن بعض أفعال الناس ليس على الشريعة ولكنّه على العادات؛ ولهذا نرى كثيرًا من الأمور التي فيها إخلال بالقول أو بالفعل بل وربما في العقيدة؛ لأن الناس اعتادوها ولم يجدوا من ينَبِّههم عليها.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا عليم، اللهم فقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وجماعتنا يا أرحم الراحمين .
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |