أفضلُ أيامِ الدنيا
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن أفضلَ أيامِ الدنيا على الإطلاق, أيامُ عَشْرِ ذي الحجة, والتي ينتظرُ المسلمون قُدُومَها, ويَحْرِصُ المؤمِنُ الصادِقُ على إدراكِها واستِغْلالِها. وما ذاكَ إلا لِما أوْدَعَ اللهُ تعالى فيها مِن المِيزاتِ والفضائِلِ ما ليسَ لِغَيرِها من الأيام. فَمِنْ ذلك:
أولاً: أنها الأيامُ المعلوماتُ التي ذَكَرَها اللهُ تعالى في كتابِه, وحَثَّ على ذِكرِه فيها, قال تعالى: ( لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ), قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: " الأيامُ المعلوماتُ, أيامُ العشر ".
الثاني: أنها الليالي العشرُ التي تَمَّمَ الله بها ميقاتَهُ لِنَبِيِّهِ وكَلِيمِه موسى عليه السلام, قال تعالى: ( وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ), فالثلاثون ليلة: هي ذو القِعدة. والعشرُ: هي عشر ذي الحجة.
الثالث: أن الله تعالى أكملَ الدين في يوم عرفة, ونزل في ذلك اليومِ العظيمِ قولُه تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ). قال أهلُ العلم: "نزلت هذه الآيةُ يومَ عرفة، فَلَمْ ينزل بعدها حلالٌ ولا حرام". وثبت في الصحيحين أن رجلاً من اليهود, قال لِعمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ مَعْشَرَ الْيَهُودِ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ) فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِعَرَفَاتٍ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ".
الرابع: أن العملَ الصالحَ فيها, أفضَلُ مِن غيرِه فيما سِواها, كما قالَ رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: ( ما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيام, _ يعني أيامَ العشر _ قالوا: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله, إلا رجلاً خرج بنفسِه ومالِه ثم لَمْ يرجِع من ذلك بشيء ).
الخامس: أن الذِكْرَ فيها, أعْظَمُ وأفضَلُ مِنْ غيرِه فيما سِواها من الأيام, ولِذلِكَ خَصَّه النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بالذِّكْرِ, وجَعَلَهُ مَشْرُوعاً في كُلِّ أوقاتِ عَشْرِ ذي الحجة. قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( ما مِن أيامٍ أعظمُ عند اللهِ سبحانه ولا أحبُّ إليهِ العمل فيهن من هذه الأيامِ العشر, فأكثِروا فيهن من التهليلِ والتحميدِ ). وقال البخاري رحمه الله: " كان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ رضي الله عنهم يخرجان إلى السوقِ في أيامِ العشرِ يُكَبِّرانِ ويُكَبِّرُ الناسُ بِتَكبيرِهِما ".
السادس: أن أفْضَلَ أيامِ السنةِ على الإطلاقِ, هما: يومُ عَرَفةَ, ويومُ النحر, وهُما مِن أيامِ هذه العَشْرِ الْمُباركة.
السابع: أنَّ صيامَ يومِ عَرفَةَ يُكَفِّر السنةَ التي قبلَه والتي بعدَه, كما أخبر بذلك النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم, لكنه مشروعٌ لِغَيرِ الحاج.
الثامن: ما ثبتَ في مُسنّدِ أحمدَ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه, أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( إن اللهَ عز وجل يُباهِي ملائكتَه عَشِيَّةَ عرفةَ بأهلِ عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شُعْثاً غُبْراً ).
التاسع: ذَبْحُ الهديِ والأضاحي, والتَقَرُّبُ إلى الله تعالى بِإراقَةِ الدماء, تعظيماً لله, وذكْرِ اسمِ اللهِ عليها, فإن الذبحَ مِن أعظَمِ شعائِرِ الله الظاهرة, قال تعالى: ( فَصَلِّ لِربِّكَ والنْحَرْ ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: وَمِمَّا تَمَيَّزَت به عَشْرُ ذي الحجة: أن اللهَ خّصَها بِرُكْنٍ مِن أركانِ الإسلام الخمسة, ألا وهو الحج. وهو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام, وهو واجب على الفور على كل مسلم حُرٍّ بالغ عاقل مستطيع. فمن لم يحج من المسلمين البالغين القادرين فهو على خطر عظيم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تعجّلوا إلى الحج فإن أحدَكم لا يدري ما يَعْرِضُ له ). وورد في فضل الحج نصوص كثيرة, منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ حَج فلم يَرْفُث ولم يفْسُق رَجَعَ من ذنوبِه كيومَ ولدته أمه ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تابِعُوا بين الحج والعمرة فإنهما يَنْفِيان الفقرَ والذنوبَ كما يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضة ).
اللهم استعملنا في طاعتك, وثبتنا على دينك, وارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، وخلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم يسر للحجيج حجهم, واحفظهم من كل مكروه، وردهم إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين، اللهم اجعل حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، وأعذها من شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة عن استقبال موسم عشر ذي الحجة تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/play.php?catsmktba=1454
|