خطبة عيد الفطر 1436هـ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن أعظمَ نعمةٍ يُنْعِمُ اللهُ بها على عبدِه في هذه الدنيا: أن يَهديَه للإسلام الذي بَه عِزَّتُه وسعادتُه في الدنيا والآخرة. فَمَنِ ابتغى العزةَ بغيرِهِ ذَلَّ, وخابَ وخَسِرَ والعياذُ بالله.
عباد الله: مَنْ أرادَ العلمَ, فَعَلَيْهِ بما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم. ومَنْ أرادَ طهارةَ القلبِ وسلامتَه, فَعَلَيهِ بما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم. ومَنْ أرادَ صلاحَ العَمَل, فَعَلَيهِ بما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم. ومَنْ أراد الثقافَةَ والأدَبَ وحُسْنَ المُعامَلَةِ والمُرُوءَةَ, فَعَليهِ بما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ).
أي: كانوا في جاهليةٍ جَهْلاء, لكنهم صلَحُوا في أنفسِهِم بِسَبَبِ ما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم. وحصلَ بِسَبَبِهِ وبِسَبَبِهِم لَمّا صَلَحُوا, صلاحُ العالم. ولذلك قال تعالى في الآيةِ الأخرى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ).
ثم إن الله تعالى, سَدَّ إلى الجَنَّةِ جَمِيعَ الطُّرُقِ المُوصِلَةِ إليها, ما لَمْ تَكنْ مِنْ طَريقِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. قال تعالى: ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ). وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلا مَن أبى ), قالوا: يا رسولَ اللهِ, ومَن يأبى؟!! قال: ( مَن أطاعني دخلَ الجنةَ, ومَنْ عصاني فقد أبى ).
فنسألُ اللهَ أن يَجْعَلَنا مِن أتباعِه, وأنْ يَحْشُرَنا في زُمْرتِه, وأنْ يَرْزُقَنا مُرافَقَتَه في الجنة. فإن المؤمنَ لَنْ يَذوقَ طَعْمَ الراحةِ الحقيقي, إلا إذا وَطِئَ بِقَدَمَيهِ أرضَ الجنة.
أيها المسلمون: لقد ذَكَرَ اللهُ تعالى الصبرَ في القرآنِ, في نَحْوٍ مِنْ تسعينَ مَوْضِعاً، وأضافَ إليهِ أكثرَ الخيراتِ والدرجات, وجعلها ثمرةً له.
والصبرُ درجات, أعلاها: الصبرُ على طاعةِ الله, ومُجاهَدَةُ النفسِ عليها, لأنَّ العَبْدَ مُطالَبٌ بالعبادةِ حتى الموت. فالصلاةُ مع الجماعة واجبةٌ في رمضانَ وغيرِه, وكذلك أداءُ الزكاةِ على مَنْ وَجَبَت عَلَيْه, وبِرُّ الوالدين, وصلةُ الرَّحِم, وحُسْنُ الجوار, والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر, وحسنُ الخلق, والحُبُّ في الله والبغضُ في الله, والتحاكمُ إلى كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به المَرْءُ ويَذَرُ من الأعمالِ والأقوال. وغيرُ ذلك مِمَّا أَمَرَ اللهُ به. فلا يجوزُ للعبدِ أَنْ يَمْنَحَ نَفْسَه وقتاً يَتَوَقَّفُ فيهِ عن العبادة, بل يجبُ عليه الاستمرارُ حتى الموت. فإيّاك يا عَبْدَ اللهِ أن تكون ممن لا يَجْتَهِدُ إلا في رمضان, فإن العبادة لا تَنْقَضِي إلا بالموت.
أيها المسلمون: المسلمونَ كالجسدِ الواحد, ورابطةُ الإسلام والإيمان, أعظمُ رابطةٍ أمَرَ اللهُ بها, لا يجوزُ أن تَنْفَكَّ بِحال, بل يجب أن تكونَ كارتباطِ اليدِ بالمِعْصَم, والرِّجْلِ بالساق. فإن ذلك مِنْ علاماتِ كمالِ الإيمان, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهِم وتَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم, مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشتَكى مِنهُ عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالحُمَّى والسَّهَر ).
ورابطةُ الدِّين: هي التي تُزِيلُ النَعَراتِ الجاهلية, والتعصُّبَ للدنيا أو القبيلةِ, أو اللغةِ أو اللَّون.
ورابطةُ الدين: هي التي تُزولُ بِسَبَبِها الأنانيةُ, والحسدُ, والتقاطُعُ, والكِبْرُ والسُّخْرِية.
ورابطةُ الدين: هي أعظمُ رابطةٍ تُغِيضُ الأعداء, وتُخيفُهُم, وتَقْضِي على كَيْدِهِم وخِداعِهِم.
ولكن هذه الرابطة يستحيلُ أن تَتَحققَ مَعَ وُجُودِ الهَوى, وفسادِ النوايا, والبُعْدِ عن المَصْدَرِ الذي يَتَلَقَّى المسلمون منه دينَهم. ألا وهو الكتابُ والسنة, وما كان عليه أصحابُ القرونِ الثلاثةِ الأولى. لأنه إذا انتشرَ الهوى وفَسَدَت النوايا, تَفَرَّقَت القلوب. وإذا تَنَوَّعَت المُصادرُ: اختلفت المناهجُ والتَوَجُّهات. وهذا أمرٌ مهمٌّ جداً, يجبُ على المسلمين عُمُوماً أن يَعُوه. ويَجِبُ على الحُكَّامِ والعلماءِ والدعاةِ على وَجْهِ الخُصُوصِ أنْ يُدْرِكوه. فقد مَنَّ اللهُ تعالى على الصحابةِ بذلك, وذَكَّرَهُم بِحالِهِم قَبل الإسلام, وما كانوا فيه من فرقةٍ واختلافٍ, وعداواتٍ وحروبٍ غاراتٍ وعَدَاواتٍ. ثُمَّ إِنَّهم لما اعتَصَمُوا بِحَبلِ الله, واجتمعُوا عليه, جمعَ اللهُ كَلِمَتَهم, وأَلَّفَ بين قلوبِهِم, وأغاظَ بهم الأعداء, ونَصَرَهُم ومَكَّنَ لهم, ولَمْ يَجْعَل لِعَدُوِّهِم مَدْخَلاً عليهم. ولَنْ يَصْلُحَ أَمْرُ هذه الأمةِ إلا بِمِثْلِ ما صَلَحَ بِهِ أوَّلُها.
أيها الآباء: إن مسؤوليتَكُم في بيوتِكُم وتُجاه أولادِكم عظيمة, فلا تتساهلوا في شأنها, ولا تَتَنَصَّلُوا عنها. فإن أمانَتَهم عظيمة, وقد استرعاكُم اللهُ إياها, فقوموا بها أتمَّ قيام. لا سيما ونحنُ في زمنٍٍ قد اشتدّت فيه الفتنُ والأمور المُنْكَرة, التي تُؤَثِّرُ في عقائدِ النَشْءِ وسُلُوكياتِهم, وهذا مما يجَعل المسؤوليةَ أشدَّ وأعظَم.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً وسبحان الله بُكرةً وأصيلا
يا نساء المسلمين: اتقينَ الله, وتذكَّرنَ قولَ الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلتِ المرأةُ خَمْسِها وصامت شهرَها, وحصَّنت فَرْجَها, وأطاعت زوجَها, قِيلَ لها ادخلي الجنةَ من أيِّ أبوابِ الجنةِ شئتِ ). وَتَذَكَّرْنَ أيضاً سُنَّةً مهجورةً قد غَفَلَ عنها كثيرٌ من نساءِ المسلمين في العيد, ألا وهي الصدقة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم خَصَّ النساءَ في آخِرِ خُطْبتِهِ يومَ العيدِ بذلك, فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما, أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( خَرَجَ وَمَعَهُ بِلالٌ يَوْمَ عِيدٍ ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ، وَبِلَالٌ يَأْخُذُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ ). أي يجمع الصدقةَ من النساء في طرف ثوبه. وما ذاك إلا لِعِظَمِ شأنِ الصدقةِ, وأنها من أعظَمِ أسباب الوقايةِ من النار.
الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, الله أكبر ولله الحمد.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه وغفرت له تقصيره وإجرامه، اللهم كما بلغتنا رمضان ويسرت لنا الصيام والقيام فتقبل منا, واغفر لنا ذنوبنا, وأعتقنا من النار يا ذا الجلال والإكرام اللهم اعتقنا من النار، اللهم اعتقنا من النار، اللهم اعتقنا من النار، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداءَ ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اهزم الحوثيين وأعوانهم وحلفائهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ لبلادنا عقيدتها وسيادتها واستقرارها وأمنها، اللهم احفظها ممن يكيد لها، ويتربص بها الدوائر يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك اللهم وفّقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
وللمزيد من الخطب السابقة لعيد الفطر تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=127 |