الحمد لله المنعم على العباد ، الهادي من شاء منهم إلى سبيل الرشاد ,أحمده حمد المعترف له بالنعم ، المستجير به من النقم وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله: اتقوا الله حق التقوى . أيها المسلمون ان النعم التي يمن الله بها على من يشاء من عباده نعم عظيمة وآلاء جسيمة , (وما بكم من نعمة فمن الله) , (وان تعدو نعمة الله لا تحصوها) , (الم تر أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبع عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) . (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) {3}
فنعم الله علينا تترى على مر الأيام ، وأعظم نعمه هي نعمة الإسلام فاحمدوا ربكم على ما يرام واسألوه المزيد من الخير والأنعام . أيها المسلمون : كيف حال الناس مع هذه النعم ؟ أهو الكفر أم الشكر ؟ أهو الاعتراف أم الجحود أهو الحفظ أم الإضاعة ؟ أهو الإحسان أم الإساءة ؟ إن هذا ما تنطوي عليه السريرة ، ويعرف بما يظهر على السيرة . فالشكر يكون بالقلب ويكون باللسان ,ويكون بالجوارح ، فأما الشكر بالقلب فهو الاعتراف مع الإقرار بأن النعم من الله يمن بها على من يشاء فضلا ويبتلي بها من يشاء عدلا والشكر باللسان النطق بها والتحدث (وأما بنعمة ربك فحدث) وأما الشكر بالجوارح فهو باستعمالها في العبادة , والحذر من الاستعانة بها على معصيته ، فالعين نعمة , والشكرها حفظها عن نظر الحرام ، والأذن نعمة , وشكرها حفظها عن سماع الحرام ، وهكذا الجوارح كلها
أيها الإخوة : إن الله قص علينا في كتابه أحوال الأمم السابقة وكيف كان حالهم مع النعم فمنهم شقي أو سعيد ، وما حل بالأمم التي كفرت بأنعم الله من قصم الأعمار ، وخراب الديار ، ما تقشعر منها الجلود ففيه عبرة لمعتبر وموعظة لأولي النظر ، من ذلك ما قصه الله عن قبيلة سبأ التي أنعم الله عليها بالجنتين فقال تعالى (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) .
فهل عرفوا قدر هذه النعم ؟ إنهم كفرو ولم يشكروا (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم (فهو المطر الغزير) وبدلناهم بجنتيهم جنتين وذواتي أكل خمط أثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور).
ومما ضرب الله لنا مثلا ايضا اصحاب القرية التي أنعم الله عليهم برغد العيش والأمن في الأوطان (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) {112}
فلما لم يشكرو هذه النعم تحولت إلى أضدادها فبدلوا بالرزق الرغيد جوعا وبالأمن خوفا وقلقاً ,فاعتبروا بهذا أيها المسلمون ، وأحفظوا النعم ألا وان مما أنعم الله به علينا في هذه الأيام إنزال الغيث من السماء فبالأمس حبس عنا القطر فتضرع المسلمون إلى ربهم بطلب السقيا فاستجاب الله دعاءهم وأنزل الغيث عليهم , (وما بكم من نعمة فمن الله) فحدّثوا عباد الله لهذه النعمة الشكر , واحذروا النقمة من التكبر والكفر ,واعرفوا قدرالنعم واسعوا ببذل أسباب بقاءها ، وتأسوا بأنبياء الله ورسله ، فهم القدوة الكاملة للخلق ، وهم أكمل الناس شكرا لله عز وجل عليهم الصلاة والسلام ، فقد أثنى الله على نوح عليه السلام بأنه كان عبدا شكورا , وذكر سبحانه نبيه داود وسليمان أنه آتاهما علما فقالا عند ذلك اعترافا بنعمة الله عليهما , (الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) وأخبر سبحانه عن سليمان عليه السلام أنه أثنى على ربه واعترف بفضله حينما أورثه النبوة عن أبيه وعلمه منطق الطير وأعطاه من كل شيء يحتاجه الملوك , قال سبحانه (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء أن هذا لهو الفضل المبين) ولما سمع كلام النملة حينما مر بها (قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) ولما تم له مطلبه من إحضار عرش بلقيس عنده في أسرع وقت اعترف أن هذا من فضل الله قال : (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم)
وهذا نبي الله يوسف بن يعقوب عليه السلام حينما من الله عليه بالملك والعلم وجمع الشمل وبوالديه وإخوته رأى أنها قد تمت عليه النعمة فشكر لربه وسأله حسن الخاتمة وقال ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) {101}
وهذا خاتم النبيين وسيد المرسلين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ,قام على قدميه في الصلاة حتى تورمت قدماه من طول القيام فقالت لهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما يا رسول الله لم تفعل هذا فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا . وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ والله إني لأحبك ,فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة :اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . أيها المسلمون : النعم تدوم وتزداد بشكرها ، وتتبدل وتزول بكفرها ، قال تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) {7} وقال ايضا : (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) {211} وقال : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ {28} جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) {29} وقال تعالى: (نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ) {35}
ألا فاتقوا الله عباد الله واعرفوا ما أنتم فيه من النعم فاشكروها ، واحذروا من كفرها وجحودها . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم الدين . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله .
أيها الأخوة المسلمون : إن الناظر إلى واقعنا وما فيه من النعم وتعامل بعض الناس معها ليخشى والله من العقوبة بسلبها ، فهذه نعمة المسكن , قصور شامخات كلفة الأموال الطائلة وقد كان يستغنى عنها بمأوى يحمي من الحر والقر فقد قابل كثير من الناس هذه النعمة بما أورد في البيوت من آلات اللهو والدمار والخراب والفساد , أبهذا تقابل النعم ؟ أم بهذا تدفع النقم ؟ والله المستعان , نعمة المراكب من السيارات وغيرها , تدفع فيها الأموال وتعطى لشاب لا يعرف قدرها , فيتهور فيها ويسيء استعمالها , يجوب الشوارع فيها ويؤذي العباد والبلاد , ولربما أتلفها فيعطى غيرها ، إن هذا لنذير شر , فان لله وإنا إليه راجعون , نعمة المآكل والمشارب كم أسرف الناس فيها , والله سبحانه يقول (كلوا وشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) , فالله أكبر كم وجد من الأطعمة في صناديق النفايات , قد وضعت بكمالها , فلم يؤكل منها إلا قدر يسير , وان الناظر إلى حال المطاعم كيف يعملون بما يتبقى من الطعام ليخشى والله من حلول العذاب ، فيا عباد الله أشكروا نعم الله عليكم أدوا ما أوجب الله عليكم ، واجتنبا ما حرم الله عليكم ، حافظوا على الصلوات واحضروا الجمع والجماعات. أدوا زكاة أموالكم تجنبوا المكاسب المحرمة , طهروا بيوتكم من آلات اللهو والغناء ومن الصور وسائر المحرمات , خذوا على أيدي سفهاءكم ، امنعوا نساءكم من التبرج والسفور واتخاذ الملابس التي تغضب الله ورسوله ، ربوا أولادكم بتربية الإسلام ، وعلموهم القرآن , وجنبوهم الفساد وقرناء السوء , كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فان هذا من شكر النعم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ,
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم الله الرحمن الرحيم
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}
اللهم أصلح أحوالنا في هذا المكان وأحوال المسلمين في كل مكان .... إلى آخر الدعاء .
|