ثَوابُ الصَّومِ وَفَضْلُ شَهْرِ رَمَضان
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وراقبوه, واعلموا أنكم لم تُخْلَقوا عبثا, ولن تُتْرَكوا سُدى, واعلموا أن العبدَ إذا تَقَرَّبَ إلى اللهِ بعَمَل, وَتَوَفَرَتْ فيهِ شُروطُ القَبول - وهِيَ الإخلاصُ لله, ومُوافَقَةُ السُّنَّة - فإنَّ الله تعالى بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِه, لا يُجازِي هذا العَبْدَ بِمِثْلِ ما عَمِلْ, وإِنَّما يُجازي الحَسَنةَ بِعَشْرِ أمثالِها, وقَدْ تَزيدُ مُضاعَفَةُ الأجْرِ إلى أكْثَرَ مِنْ ذلك. فَتَكْتُبُ المَلائِكَةُ المُوَكَّلُونَ بِكِتابَةِ الحَسَناتِ في كِتابِ العَبْدِ ما يَأْمُرُهُم اللهُ بِهِ, مِنَ الحَسَناتِ والثوابِ الذي يَتَفَضَّلُ بِهِ على عَبْدِهِ. وَهذا الفَضْلُ يَتَناوَلُ جَميعَ الأعمال, إِلا عَمَلاً واحِداً لا يَعْلَمُهُ أَحَد, حتى المَلائِكَةُ الكَتَبَة, لا تَسْتَطِيعُ كِتابَةَ مِقْدارِ أَجْرِه, وإِنّما جَعَلَه اللهُ لِنَفْسِه, وادَّخَرَه يَومَ القيامةِ لِعَبْدِه حِينَ يَلْقاه فيَرَى ما لا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مِنَ الثَّوابِ العظيم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ لَهُ يُضَاعفُ الحَسَنَة بعَشرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائِة ضِعْفٍ، قَالَ الله تعالى: إِلاَّ الصَومَ فإِنه لِي وأَنَا أجْزي به يَدَعُ شهْوَتَهُ وطعامَهُ مِنْ أَجْلِي ).
هذا هو كَلامُ اللهِ في شأْنِ ثَوابِ الصَّوْم, يقول: " فإنه لي " قدْ أخْفَيْتُ قَدْرَ ثوابِه حتى عَنِ الملائِكَةِ المُوَكَّلين بكتابَةِ الحَسَنات. ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ السَّبَبَ العَظيمَ الذي جَعَلَ الصَّائِمَ يَنالُ هذِهِ المَنْزِلَةَ وهذا التَخْصِّيصَ فقال: " يَدَعُ شَهْوَتَهُ وطَعامَهُ مِنْ أَجْلي ". فلَيْسَ العَجَبُ أنْ يَدَعَ الحَرام, وإِنّما العَجَبُ أَنْ يَدَعَ ما أباحَهُ الله لَه, مِنَ الطَعامِ الطَّيِّبِ, والشَّرَابِ المُباحِ الطَّيِّب. وهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ وَمِنْ تَناوُلِه. ويّدَعُ جِماعَ زَوْجَتِه وَهِيَ مَعَه في بَيْتِهِ وعَلَى فِراشِه, لا يَحْجُزُهُ عَنْها إلا مَخافَةُ اللهِ وَتَلَبُّسُهُ بِهذِهِ العِبادَةِ العَظيمَة.
ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ تعالى سَبَبَ تَرْكِه لِهذِه المُباحات, وذلِكَ بِقَوْلِه: " مِنْ أَجْلِي ". وهذا يَدُلُّ عَلَى الإخلاص, وعلى أنَّ الصِّيامَ سِرٌّ بين العبدِ وبين ربِّه. وبإمكان الشخص أَنْ يَتَظَاهَرَ بِالصِّيامِ وهو مُفْطِر, لأنه لا يستطيع أحدٌ أَنْ يَكْشِفَ صِدْقَه في هذا الصيام مِنْ كَذِبِه, ومع ذلك تَرَكَ المُفَطِّراتِ والشهواتِ والمَلَذَّاتِ مِن أَجْلِ الله. ويَدُلُّ ذلك أيضاً على الإحسان وتحقيقِ عِبادةِ المراقبة.
عباد الله: وَلِعِظَمِ شَأْنِ الصيام, جَعَلَ اللهُ لَهُ شَهْراً يَخُصُّه, هو أفضلُ الشُّهورِ وأكْثَرُها بَرَكة - شهْرُ رمضانَ - الذي أُنْزِلَ فيهِ القرآن. والمُسْلِمونَ اليومَ يَقِفونَ على آخِرِ أعْتابِ شَعبانَ مُنْتَظرينَ شهرَ رمَضانَ, مُسْتَبشِرينَ بِقُرْبِه, فَهُوَ مَنْ أعظَمِ المناسباتِ الشرعيةِ التي يفرحُ بِها المؤمنون. وإِدْراكُهُ والاجتهادُ فيه خَيْرٌ مِنَ مَتاع الدنيا كُلِّها. والمُؤمنونَ الصادقون, يَفْرَحون بِقُدُومِه ويَسْتَبْشِرون وَيَتَباشَرُون بذلك. يَسْتَبْشِرُون بِقُدُومِه وَيْفَرَحون لِأنَّه أَفْضَلُ الشُّهُور وأكثرُها بَرَكة, وَيَفْرَحُونَ لأن اللهَ مَدَّ بِأَعْمارِهِم حتى أدْرَكُوه, وخَيْرُ المؤمنينَ مَنْ طالَ عُمُرُه وَحَسُنَ عَمَلُه, ولأنه سَيُضافُ إلى سِجِلِّ حَسَناتِهِم. مَنْ صامَهُ وقامَهُ إيماناً واحتِسابا غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه, وفيهِ ليلةٌ خَيْرٌ مِن ألفِ شَهْر, وَهُوَ شَهْرٌ تُصَفَّدُ فِيهِ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الجِّن, وَتُفْتَحُ أبوابُ الجنة, وتُغْلَقُ أبوابُ النار, والعُتَقاءُ فيه من النارِ كَثِير. فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرا, وَعَظِّمُوا هذا الشهرَ الكريمَ, واسْتَقْبِلوهُ بِما يِلِيُقُ به. واجْعَلُوه فُرْصَةً لإصْلاحِ أحوالِكُم, والتوبَةِ من جميعِ ذنوبِكم, والتَّخَلُّصِ مِن حُقوقِ العباد, فَإنها لا تُتْرَك. واحْرِصُوا على التَفَقُّهِ في أحكامِ الصيام، فإن العباداتِ مَبْناها على الأدلةِ مِنَ الكتابِ والسنة. وَكُلُّ عِبادةٍ لا تَقُومُ على ذلك فإنها مَردودةٌ على صاحِبها، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمْرُنا فهو رد )، والتَفَقُّهُ في أحكامِ الصومِ سَهْلٌ يسيرٌ ولِله الحَمْدِ, خصوصاً في هذا الزمان الذي تَوَفَّرَت فيه جميعُ سُبُلِ العلمِ مِنْ مَقْروءٍ ومَسْموعٍ ومَرْئِي.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
أيها المسلمون: مَنْ كان عليهِ أيامٌ مِنْ رمضانَ الماضي, فَليَتَّقِ الله تعالى ولْيَقْضِها قَبْلَ دخولِ شَهْرِ رمَضان, فإنه لا يَجوزُ التأخيرُ في ذلك إلا مِنْ عُذْر.
ويجب على المسلم أن يعلم بأن الأعمال التي حرَّمها الله في غيرِ الصيام, فإنه يتضاعف إثمها حال الصيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ والجَهْل, فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طعامَه وشَرابَه ). فكما أَنَّ البَطنَ يَصومُ عَنِ الطعامِ والشرَابِ، والفرْجَ يصومُ عن الاستِمتاع، فَكَذلكَ العَيْنُ تَصومُ عن النظرِ الحرام، والأُذُنُ تصومُ عن السماعِ المُحَرَّمِ كَسَماعِ الموسيقى والأغاني وكُلِّ ما يُسْخِطُ اللهَ، وهكذا اللسانُ يصومُ عن الغِيبَةِ والكَذِبِ وسائرِ الكلامِ المُحَرَّمِ.
أيُّها المُؤَذِّنون: تَذَكَّروا أنَّكُم أُمَناءُ المسلمينَ على صلاتِهِم وسُحُورِهِم, فاتقوا الله في العِنايَةِ بِوَقْتِ الأذان, خصوصاً الفَجْرَ والمَغْرب, واعْلَموا أَنَّ الصائِمَ قَدْ يُفْطِرُ قبلَ الغُروبِ بِسبَبِكُم, وَقَدْ يُحْرَمُ مِن السَّحُورِ بِسَبَبِ الإستعجالِ في الأذانِ قبْلَ الوَقْت, وقَدْ يُحْكَمُ على صَوْمِه بالفسادِ بِسَبَبِ ذلك.
اللهم بلغنا رمضان وارزقنا صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا فيه من الفائزين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسّرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، اللهم اربط على قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وخالف بين كلمتهم وشتت شملهم وفرق جمعهم ومكّن المؤمنين منهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html
وللمزيد من الخطب السابقة عن شهر رمضان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-132.html |