أسباب الهزيمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {102}} آل عمران.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {1}} النساء
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً {71}} الأحزاب .
أما بعد: عباد الله! اتقوا الله, فخير الزاد التقوى .
أيها الناس : يتساءل الناس عند حدوث المحن والفتن, وتسلط الكفرة على المسلمين, وعن الأسباب التي أدت إلى ذلك, مع كثرة المسلمين عَدداً, أو عُدداً , وكثرة ما بأيديهم من الثروات والخيرات, والأماكن التي تجعلهم يتصدرون الأمم, ولا تتحكم بهم.
فيقال: أسباب الهزيمة والضعف والوهن كثيرة, نستعرض شيئاً منها لعلها تحذر، وتراجع الأمة سيرتها, وترجع إلى دينها الذي لا عز لها, ولا نصر إلا بالتمسك به.
أيها الناس: روى أبو داود في سننه عن ثوبان_رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " فقال قائل: أو مِنْ قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن" قال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ". وصدق عليه الصلاة والسلام .
إننا كثير ولكننا غثاء كغثاء السيل, وما أصاب المسلمين فبما كسبت أيديهم.
عباد الله: إن الأسباب التي أدت إلى التخلف, وعدم النصر مع كثرة العدد كثيرة. منها :
الخلل العقدي في كثير من بلدان المسلمين, وضعف التوحيد حيث تدرس العقائد العاطلة, والأقوال المنكرة؛ فينشأ عليها الصغير, ويهرم عليها الكبير, من ذلك إنكار صفات الباري_ سبحانه وتعالى _ حيث لا يوصف بسمع, ولا بصر, ولا وجه, ولا يد, ولا نزول, ولا استواء, إلى غير ذلك من الانحرافات العقدية.
ومن الخلل العقدي بغض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, حيث هم عند قوم كفار مرتدون, لم يسلم منهم إلا ثلاثة أو أربعة, يناصبونهم العداء, يلعنونهم؛ بل ويتقربون إلى الله بلعنهم وبغضهم, ويربون صغارهم على بغضهم وعداوتهم، ويزعمون نصر الإسلام والمسلمين, فهل ننصر أو نتحرى النصر بأمثال هؤلاء ؟
ومن أسباب الضعف والوهن عدم تحكيم شرع الله .
قال تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{50}}المائدة.
ويقول سبحانه:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{44}} المائدة.
ويقول سبحانه:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{45}} المائدة.
ويقول سبحانه:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{47}} المائدة.
ومع ذلك نجد غالب الدول الإسلامية تتحاكم للقوانين الوضعية, المستمدة من قوانين الكفرة والملحدين, فهل ينصر الله من لم يحكم بشرعه؟
تأبى حكمته_ سبحانه وتعالى _ أن ينصر من عصاه مع معرفته له .
ومن أسباب التخلف والضعف والهزيمة, فشو المنكرات في بلدان المسلمين وقويُ الإيمان من ينكر بقلبه, وهذه شعيرة لعن الله بني إسرائيل على تركها, وجعل الخيرية فيمن أقامها ، فغالب دول المسلمين تظهر فيها المنكرات جلية فلا آمر ولا ناهي بل قد يتضرر من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ليس فيه هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا أهل حسبة فهل يرجى النصر لهؤلاء .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{7}}محمد.
ومن أسباب الانحطاط والنكوص, وسائل الإعلام في دول المسلمين, حيث أصبحت معاول هدم لدين الله, ونشر لدين الكفرة والملحدين, صدت عن سبيل الله بكل ما تملك من قوى وقوة, نشرت الرذيلة بين أفرادها وصدت عن الفضيلة, تخلف النصر عن المسلمين في كثير من المرات بسبب معصية يسيرة , أو ترك سنة, في عهود السلف الماضيين فسرعان ما تداركوا النقص فنصرهم الله .
أما أولئك فإعلامهم للشر مُظْهَر, ويرجون النصر المؤزر.
أيها المسلمون: وعد الله بالنصر لمن ينصره, ولمن يقيم دينه.
{ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {41}} الحج .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم ملك بر رؤوف رحيم .
وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
|