وصية نبوية عظيمة
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيّها المسلمون، من الوصايا النبوية التي تنال بها الولاية ما أرشَدَ به ابن عباس رضي الله عنهما وكان غلاما صغيراً فأعلمه مايكون به الحفظُ والصّيانة في حديثٍ قال عنه بعض العلماء: "تدَّبرتُ هذا الحديثَ فأدهشني وكدتُ أطيش، فوا أسَفا من الجهل به وقِلّة التفهُّم لمعناه"، عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: كنتُ خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: (( يا غلام، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأمّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلام وجفّت الصحف )) رواه الترمذي بسند صحيح، وفي رواية عند الإمام أحمد: (( تعرَّف إلى الله في الرّخاء يعرِفك في الشدّة، واعلم أنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصرَ مع الصبر، وأنّ الفرَج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرًا )) صححه القرطبي.
أيّها المسلمون، تضمَّن هذا الحديث وصايَا عظيمة وقواعدَ كلّية من أهمِّ أمور الدين، والعملُ به تحقيقٌ للتوحيد وامتثال للأمر والنهي وكفايةٌ في أمر الدنيا والآخرة.
قوله: ( ياغلام ) فيه ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال وحسن تعليمهم وتربيتهم لا تأنيبهم والقسوة عليهم كحال بعض الآباء إذا أخطأ بعض الصغار من أبنائه عاتبه وضربه أمام الرجال وأهانه وتأمل حال نبيك صلى الله عليه وسلم لما رأى عمرو بن أبي سلمة تطيش يده في الصحفة لم يعاتبه ولم يؤنبه بل قال ( يا غلام سم الله ) .
وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم : ((احفَظِ الله)) أي: احفَظ حدودَه وحقوقه وأوامره ونواهيَه، فمن فعل ذلك استحقَّ حفظَ الله له وكان من الموعودِين بالجنّة كما قال الحقّ سبحانه: ﴿ وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق:31-33].
ومِن أعظمِ ما يجِب حفظُه والعناية به إخلاصُ العبادةِ لله تعالى وحِفظ النفسِ مِن الوقوع في الشّركِ بشتَّى أنواعِه، فمَن أشرك بالله تعالى فقَد أضاع جهدَه وأحبط عمَلَه، قال الحقّ سبحانه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان:23].
ومِن أعظم ما تجِب المحافظة عليه من أوامرِ الله الصلاةُ التي أمَرَ الله بها بقولِه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة:238]، وجعل الفوزَ والفلاح للمؤمنين الذين هم على صلَواتهم يحافِظون، وجعل مفتاحَ الصلاةِ الطهارةَ التي هي كفّارة للذنوب ماحِيَة للخطايا، وقد ثبت في الحديثِ الصحيح أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يحافِظ على الوضوء إلا مؤمِن )) رواه ابن ماجه في سننه ومالك في الموطأ بسند صحيح
ومما أمر الله تعالى بحِفظه الجوارحُ، خصوصًا الفم والفرج، والتي هي أكثر ما يدخِل الناسَ النار، وقد قال الحقّ سبحانه في مدحِ المؤمنين المفلِحين: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون:5]، وقالَ: ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:35]، بل قد ضَمِن النبيّ صلى الله عليه وسلم الجنّةَ لمن حفِظ ما بين لحيَيه وما بين رجليه؛ وذلك أنّ الفمَ هو طريق أكلِ الحرام، وفيه اللّسان وهو طريقٌ لقولِ الحرَام، والفَرج قد تقع بسبَبه شهوةُ الحرام، فأكثر المعاصِي من هذه الأمور.
عبادَ الله، الجزاءُ مِن جنس العمل، وقد قال سبحانَه: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾[البقرة:152]، وقَال: ﴿ إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾ [محمد:7]، وقال: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة:40]، وكذلك من حفِظ حدودَ الله وحقوقَه والتزم أمرَه واجتنب نهيَه فإنّ الله تعالى يحفَظه ويرعاه ويكلَؤه، والحِفظُ عامّ في أمور الدنيا والآخرة، فمنها أنَّ الله تعالى يحفظ له مصالحَ دنياه، فيحفَظه في بدنِه وولده وأهلِه وماله، قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد:11]، أي: أنَّ هذا الحفظَ مِن أمر الله، والمعقِّباتُ الحافِظة هي الملائكة كما قال ابن عبّاس رضي الله عنهما ، بل إنَّ الحفظَ يسري إلى الذريّة كما حفِظ الله للغلامين كنزَهما فقال سبحانه: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: ]، وقال ابن المنكدر رحمه الله: "إنّ الله ليحفظ بالرجل الصّالح ولده وولدَ ولدِه والدّوَيرات التي حولَه، فما يزالون في حفظ من الله وسِتر" .
وعَكس هذا من ضيَّعَ أمرَ الله أضاعَه الله، فضاع بين خلقِه حتى يدخلَ عليه الضررُ والأذى ممّن كان يرجو نفعَه من أهله وغيرِهم.
وكما يحفظ الله تعالى عبدَه من شرِّ طوارِقِ الليلِ والنهار ومن الدوابِّ والهوام والإنس والجانّ فإنّ الله تعالى يحفظه أيضًا ويعصِمه في دينه وإيمانه، فيحفَظه من الشّبُهات المضِلّة والشهواتِ المحرَّمة، ويحفَظ عليه دينَه، فيتوفَّاه على الإيمان، وقد قال الله عزّ وجلّ عن يوسفَ عليه السلام: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف:24]، وذلك أنّه حفِظ أمرَ الله في الغيبِ، وقال: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ [يوسف:23] في موطنٍ لا يراه فيه إلاّ الله، وهرب من المعصيةِ، ودعا الله أن يصرفَ عنه كيدَ النّسوة، كلُّ ذلك مما استحقَّ به أن يدفَعَ الله عنه البلاءَ ويصرِفَ عنه السوءَ والفحشاء، ثمّ آتاه الله الملكَ.
وفي قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعرَّف إلى الله في الرّخاء يعرِفك في الشدّة)) حثٌّ على تقوَى الله وحِفظ حدوده في حال الرّخاء والصحّة والعافية والأمن، حتى إذا جاءَتِ الشدة وجدَ لُطفَ الله ورحمته وحفظَه ونصرَه أقربَ ما يكون.
ولما اشتدَّ الكرب بيونسَ عليه السلام في بطنِ الحوت نادَى في الظلمات أن لا إلهَ إلا أنتَ سبحانك إني كنتُ من الظالمين، فاستجاب الله دعاءَه ونجّاه من كربِه وأنقذَه من غمِّه، قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات:143، 144]. ولما ذكر الله في سورةِ الأنبياء إجابتَه أيوبَ حين مسَّه الضرّ وذا النون وزكريّا قال سبحانه: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء:90]، وعند الترمذيّ بسندٍ حسن أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من سرَّه أن يستجيبَ الله له عند الشدائد فليكثِرِ الدّعاءَ في الرّخاءِ)) ومِصداقُ ذلك من كتاب ربِّنا قوله سبحانَه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق:2]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق:4].
فيا من تكالَبَت عليه الخطوبُ وتكاثَرَت عليه الكروب، أين أنت من علاّم الغيوب؟! إذا سألتَ فاسأَلِ الله، وإذا استَعَنت فاستعن بالله، فهو الذي يعطي ويمنَع، ويخفِض ويرفع، ويضرّ وينفع، ما النّاس إلا عبيده، والأمر أمرُه، فكيف يُرجَى غيره؟! أم كيف يؤمَّل سواه؟! ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس:107]. من الذي نجَّى نبيَّنا محمّدًا صلى الله عليه وسلم وصاحبَه في الغار؟! من الذي نجَّى إبراهيم الخليل عليه السلام حين قُذِف في النار؟! من الذي فلَق البحرَ لموسى عليه السلام؟! من الذي رفَعَ عيسى عليه السلام؟! من المرَجَّى لكلِّ كربَة؟! من المؤمَّل لكلّ نازلة؟! إنّه الله القدير.
أيها المسلمون، وفي زمنٍ تكالَب فيه الأعداء على المسلِمين وتداعَوا عليهم كما تداعَى الأكلةُ على قصعَتِها لسنا نخشى - والله - من عدوِّنا بقدر ما نخشَى من ذنوبنا، فمن كان الله معَه فمن يخاف؟! ومن كان عَليه فمن يرجو؟!
إنَّ المتحتِّمَ علينا أن نحفظَ الله في أنفسنا وفي ديننا، وأن نتنادَى بالعودة إليه، فإن صدقنا مع الله ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الأنفال:40].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنّة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدَ من لم يزل لفضله ساعيًا ولعفوه راجيًا، أحمده وهو الرحيم سبحانه، يغفر ذنبًا، ويكشف كربًا، ويجيب داعيًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا. أمّا بعد:
فإنّ مِِن أركان الإيمان الإيمانُ بالقضاءِ والقدر، وأنّه لا يقع في هذا الكونِ حادثٌ صغيرٌ ولا كبير إلا بقَدَر سابقٍ سطَّره القلم في اللوحِ المحفوظ بأمرِ الله تعالى وعِلمه وتقديره قبلَ خلقِ السماوات والأرض، فلا يكون شيءٌ إلاّ بمقتضى ذلك، علِمَ العبد أو جهل، ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك:14]، ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام:59].
ومِن هنا كان كمالُ توحيدِ المؤمنين، فأخبتت قلوبهم لأحكامِ القضاء، وهان عليهم الصّبر على البلاء والشّكرُ في السراء، وفوّضوا أمرَهم إلى الله، وسألوه المغفرة والرحمة واللطفَ والنّصرة، ولهذا خصَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ابنَ عبّاس رضي الله عنهما كما عمَّ الأمّةَ بهذه الوصيّة الجامعة، وهي الإيمانُ بالقضاء والصّبرُ على البلاءِ واليَقين على ربِّ الأرض والسّماء.
وعندَ استحضار هذه المعاني تطمئنّ النفوس الرضِيّة وتعيش حياةً هنيّة، بل إن جاءها الموتُ ماتت مِيتة سويّة، وفي صحيح مسلم أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((عجبًا لأمرِ المؤمن، إنّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاءُ صبَر فكان خيرًا له)) .
ثم خُتِم الحديث بقولِه صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أنَّ في الصبر على ما تكرَه خيرًا كثيرا، وأنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرَج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)). يَا لله، يا لَها من كلماتٍ عظيمة لمن عقَلها والتزَمها، ومِصداقُ ذلك في كتابِ الله: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح:5، 6]، ولن يغلِبَ عسرٌ يُسرَين، ولكن أين المؤمِنون الموقِنون؟! وكم في أعطافِ البلايا من ألطافٍ، ولقد رأى الناس في لطفِ الله وتيسيره عَجبًا.
وتأمَّل في لطيف المعنى في هذه الآية: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن:11]، أي: عندَ المصيبةِ إذا استحضر المبتَلَى أن المصيبةَ من عند الله هُدِيَ للصبر والرضا والثباتِ على الإيمان، فهدَى الله قلبَه لكلِّ خير، فهل سمِعَ بهذا المبتلَون الصابرون؟! وقد قال بعض السلف: "الحياةُ الطيّبة هي الرّضا والقناعة"، وقال ابن زَيد: "الرّضا بابُ الله الأعظَم وجَنّة الدّنيا ومُستَراح العابدين
ومِن لطائِف أسرارِ اقتران الفرَج بالكرب واليسر بالعسرِ أنّ الكرب إذا اشتدَّ وعظُم وتناهى حصَل للعَبد اليأسُ من كشفِه من جِهَة المخلوقين، فتعَلَّق قلبُه باللهِ وحدَه وانقَطَع الرّجاءُ إلاّ إليه، وهذا هو حقيقةُ التوكّل على الله، وهو مِن أعظم الأسباب التي تُطلَب بها الحوائِج، فإنَّ الله يكفِي من توكَّل عليه كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق:3].
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم اغفر لنا خطئنا وجهلنا وإسرافنا في أمورنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا خطئنا وعمدنا وهزلنا وجدنا وكل ذلك عندنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلننا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير .
اللّهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهمّ أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغثنا، غثيًا هنيئًا مَريئًا غَدَقًا طبَقًا مجلِّلاً سحًّا عامًّا نافعًا غيرَ ضار عاجلاً غير آجل، اللّهمّ تحيي به البلادَ وتسقِي به العبادَ وتجعله بلاغًا للحاضِر والباد، اللهم اسقِ عبادك وبهائمَك وأحيِ بلدَك الميت، اللهمّ سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللّهمّ إنَّ بالعباد والبلادِ مِنَ اللواء والجَهد والضّنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبِت لنا الزرع وأدِرَّ لنا الضّرع وأنزِل علينا من بركاتك، اللّهمّ ارفَع عنا الجهدَ والجوعَ والعُري، واكشِف عنا من البلاءِ ما لا يكشفه غيرك.
اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. اللّهمّ إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنّا بذنوبِنا فضلك. اللهم أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوّةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين. اللّهمّ أسقِنا الغيثَ وآمِنّا من الخوف ولا تجعلنا آيسين ولا تهلِكنا بالسنين واغفِر لنا أجمعين واكشِف ما بالمسلمين من بلايا يا أرحم الراحمين. ربَّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
|