خطبة عيد الفطر1432هـ
يوم فوز وفلاح
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) .
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، ألله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً .
اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام ، وعلمتنا القرآن ، وهديتنا للسنة وجعلتنا من خير أمة . اللهم لك الحمد أطعمت ، وأسقيت ، وأحييت ، وأقنيت ، وهديت ، وكفيت ، فلك الحمد على ما أعطيت . اللهم لك الحمد على ما يسرته لنا من صيام رمضان وقيامه ، وبلوغ عيده وإطعامه ، فاللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى . أما بعد:
أيها المسلمون : يومكم هذا يوم فوز وفلاح , وظفر وفرج ونجاح , فافرحوا بفضل ربكم عليكم في يوم فطركم من رمضان , فللصائم فرحتان وهذا أوان أول الفرحتين .
أيها الناس : عيدكم مبارك وجعلني الله وإياكم من العائدين على العيد بخير حالٍ للعبيد , إنه هو المبدئ والمعيد , وكتبني الله وإياكم من الفائزين بأحسن الجوائز للصائمين القائمين الركع السجود .
أيها الناس : لقد كان رمضان ميدان سباق بين العباد , ثلاثون يوماً وهم في سعي وركض إلى الله ومراضيه في ليلهم ونهارهم , صيام وقيان , وذكر ودعاء وقرآن , وجود من قبلُ وإحسان , وتفطير للصوام ، ولقد دعاهم ربهم للسباق إلى مغفرته وجناته فقال : (( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ )) وفي رمضان فتح الكريم الرحمن لهم أبواب الرحمة وأبواب الجنة , وأكثر لعباده فيه من أسابا الغفران / ترغيبا للمتسابقين وشحذا لهمتهم في السباق . فما أروعه من ميدان للسباق على الفوز الأبدي . فحقيق بالعباد أن يستبقوا في رمضان أسرع سباق وربهم جل جلاله يخبرهم أن من أتاه يمشي أتاه جل جلاله هرولة , فكيف بمن أتاه يركض ويهرول .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
عباد الله : من هم الفائزون بالسباق ؟ من الذين نالوا جوائز الجواد الكريم في رمضان . أبشروا يا عباد الله لقد فاز والله بالغفران من صام رمضان إيماناً واحتساباً , وللصائم فرحتان , فرحة عند الفطر بالفوز بإتمام الصيام , وفرحة عند لقاء ربه بالفوز بجوائز الكريم المنان للصوام , والدخول من باب الجنة الريان , ليرتووا من أنهار الجنان , ريّاً لا ظمأ بعده أبداً , فهذا هو الفوز وربنا الرحمن ، وكفى بالغفران وتكفير السيئات فوزاً (( وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا )) .
والخاسر المحروم / من حُرِم خير وفضائل رمضان وليلة القدر .
لقد فاز ورب الكعبة من أثمر له رمضان التقوى والخشية , فالمتقون هم المفلحون الفائزون ، وكثيرا ما علق الله الصلاح والفلاح بالتقوى في كتابه (( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) , (( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا )) .
الفائزون بالعيد من أعتقهم الله من النار ورحمهم فصرف عنهم العذاب يوم الوعيد (( مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ )). الفائزون من قال الله فيهم (( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )), (( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ )) .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها الناس : كلنا يحب الفوز , ويرجو أن يكون من الفائزين , فما أسعد اللحظات عندما تفوز بالسباق ، ولئن انقضى سباق رمضان , فالسباق إلى الرحمة والمغفرة والرضوان والفوز بالدرجات العلى في الجنان لا ينتهي أمده ولا يغلق مضماره طيلة أيام الحياة . فالحياة كلها مضمار سباق , قال ربنا الرحمن : (( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )) أي في كل الأوقات (( إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا )) , وقال : (( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم )) .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها الناس : طريق الفوز واضح ، والذين سيفوزون في السباق لهم أوصاف : أول أوصافهم الإيمان . في الحديث الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أن الله تعالى لما خلق جنة عدن , خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , ثم قال لها : تكلمي , فقالت : قد أفلح المؤمنون ) أخرجه أبو نعيم والطبراني والبيهقي . لقد فازوا وتحقق فلاحهم وظفرهم بهذا النعيم .
فيا أهل الإيمان : أبشروا بالفوز إن ثبتم ومتّم على الإيمان ، وفي زمن يتعرض إيمانكم للفتنة اثبتوا على الإيمان حتى تلقوا ربكم وتلقوا نبيكم عند الحوض المورود ( فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ) قووا إيمانكم واعملوا على زيادته واسألوا الله أن يثبته ويجدده في قلوبكم واعلموا أنه يزيد بالطاعة ، فالثبات الثبات أيها الناس حتى الممات وإياكم والانقلاب على عقيدتكم وأصولكم ومبادئكم وقيمكم فهو والله الخسران المبين في السباق (( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )).
وابشروا بتحقق الوعد بالفوز (( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) .
ومن صفات الفائزين السابقين: تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك صغيره وكبيره ، والخشية من الله المثمرة للقيام بأمره واجتناب محارمه والوجل الدائم من عاقبة الذنوب , والوجل من عدم قبول الطاعات ، كل ذلك من صفات الفائزين : (( إِنّ الّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مّشْفِقُونَ * وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَالّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنّهُمْ إِلَىَ رَبّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَـَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )) وهم السابقون الفائزون لأنهم كانوا مسرعين في السباق على الخيرات ، خشية وإشفاق ووجل وإيمان وبراءة من الشرك وكلها راجعة إلى التوحيد , فحققوا توحيدكم لتكونوا من الفائزين السابقين في الدنيا والآخرة .
ألا فلتعلموا يا عباد الله أن تحقيق التوحيد ورسوخ الإيمان هما السبب الرئيس للفوز بالأمن في الأوطان والاستخلاف والتمكين في البلدان بل في الأرض كلها , يقول العظيم المنان : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )) إلى أن قال (( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )) .
فما قامت الدول وما قويت بمثل الاستمساك بالتوحيد ونصرته وأهله مع الإيمان والعمل الصالح . وما قامت دولتنا المباركة ( الدولة السعودية ) إلا على هذا الأساس , وتستمد قوتها من ربها بتمسكها بهذا الركن الركين , ويعلن قادتها ذلك في كل حين .
الشرك سبيل الخاسرين في السباق (( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) والسحر شرك (( وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )) ولا من أتى ساحرا ليسحر له ولا من أتى كاهنا ليسأله فيصدقه أو لا يصدقه . فعلقوا قلوبكم بالله واسلكوا سبيل الأسباب المشروعة تفلحوا .
المتبعون للسنة سيفوزون لأنهم على صراط مستقيم (( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .
والمبتدعة سيخسرون : (( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )) , ( قال علي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : لا أظن إلا أن الخوارج منهم ) . المتبعون لنهج السلف الصالح هم الفائزون (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) .
يسأل الفائزون الخاسرين يوم الدين (( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)) ما سبب خسارتكم فيجيب الخاسرون : (( لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ** وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ )) فيا أهل الإسلام عظّموا شأن الصلاة والزكاة ركني الإسلام , فهما القرينتان في القرآن . حافظوا على الصلوات حيث ينادى بهن تهتدوا فإنهن من سنن الهدى , وجاهدوا أنفسكم والشيطان على حضور القلب فهو روحها وميزان ثوابها . جودوا بحق الله عليكم في أموالكم , واخرجوا الزكاة طيبة بها نفوسكم ، فالقوم الذين لا يخرجون زكاة أموالهم لا يستحقون جود وكرم أكرم الأكرمين بنزول المطر عليهم ، سيحرمون غيث الله ورحمته (( جَزَاء وِفَاقًا )) , لذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء , ولولا البهائم لم يمطروا ) , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : ( هم الأخسرون ورب الكعبة يوم القيامة قال : فقلت : من هم فداك أبي وأمي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ) .
فيا أهل الغنى والمال ، البلاد تعيش أياماً يُرجى فيها نزول الأمطار فلا تكونوا شؤماً على البلاد والعباد بمنعكم الزكاة , فاللهم تحرمنا من فضلك وغيثك ورحمتك بشؤم معصيتهم .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم جماع البر والخير : (( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) , لقد رأيتم يا عباد الله ثمرة من ثمرات طاعتكم لله وطاعتكم لرسوله صلى الله عليه وسلم لما أطعتم ولاة أمركم من الأمراء والعلماء , حيث إنكم يا عباد الله لم تستجيبوا لدعاة الفتنة الذين أرادوا ببلادكم شراً ، دعوا للمظاهرات فلم تستجيبوا لهم , فاندرأت الفتنة عنكم وعن بلادكم ، وغبطكم على ذلك عدُوكم وصديقكم , وشكر لكم ولاتكم , ففزتم بعطاياه السخية , وهذا هو حال أهل الإيمان (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )).
تمسكوا بهذا الأصل الأصيل من أصول عقيدتكم وعضّو عليه بالنواجذ فاسمعوا وأطيعوا في عسركم ويسركم ومنشطكم مكرهكم , هذا هو المنهج السلفي الأصيل في التعامل مع الولاة , فللإمام في أعناقكم بيعة , وله عليكم السمع والطاعة , ويحرم عليكم منازعته الأمر والخروج عليه , ومن حقه عليكم النصح والدعاء له , واجتماع الكلمة عليه فهو من أسباب الفوز في الدنيا والآخرة , قال عليه الصلاة والسلام : ( السلطان ظل الله في الأرض من أكرمه أكرمه الله , ومن أهانه أهانه الله ) , وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ) .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيها من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ، ووسع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً ، أحمده بجميع محامده حمداً كثيراً ، وأشكره على أفضاله وإنعامه بكرة وأصيلا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يزل علياً كبيراً ، سميعاً بصيراً ، لطيفاً خبيراً ، شكوراً حليماً ، عفواً غفورا ، رؤوفا رحيماً ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، بعثه ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها المسلمون : الصبر تاج ومعصم يلبسه الفائزون , فالصابرون هم الفائزون , يقول العليم الحكيم : (( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ )) اصبروا على الطاعة واصبروا عن المعصية واصبروا على أقدار الله , فمن يتصبر يصبره , ومع القهر والظلم وطغيان الولاة على العباد , يكون الصبر هو العبودية لله والسبيل الذي يحصل به الفوز والظفر (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) , لما استضعف فرعون بني إسرائيل قال موسى لقومه: ((اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا )) , فصبروا فما كانت النتيجة ؟ (( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ )) , (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )) .
أيها الناس : تذكروا دائماً أنكم في سباق إلى الله والدار الآخرة . لما ذكر الله بعض نعيم الجنة قال : (( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )) فتنافسوا وتسابقوا واحذروا خسران السباق .
عباد الله : الخاسرون في السباق هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين (( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ )) , (( وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا )) .
الظالمون المجرمون لا يفلحون وان تمادوا في ظلمهم وطغيانهم لا يفوزون (( إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )) , والقتلة خاسرون (( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) خسر بقتل نفس واحدة فكيف بمن قتلوا العشرات والمئات من الأنفس الزكية (( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)) , (( وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ )) .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
يا نساء المسلمين : خصكن ربكن بالدعوة للفوز والفلاح , فاستمعن وأنصتن لمعالم طريق النجاح : (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) , عشر صفات امتثلنها و تمسكن بها .
يا أيها المسلمات : النساء المفتونات الكاسيات العاريات المائلات لا يفزن بل لا يجدن رائحة الفوز وإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة كذا وكذا , هكذا أخبركن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستحق أن تكون من الفائزات من كانت تكثر من اللعن والغيبة والنميمة , لن تفوز من ضيعت رعاية وتربية أبنائها وبناتها , ستفوز من أطاعت وأرضت زوجها بدون معصية لربها .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها المسلمون : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يذكروا بعضهم بعضاً بهذا السباق دائماً . فقد صحت الرواية عنهم أنهم إذا التقى الرجلان منهما لم يفترقا حتى يقرأ احدهما على الآخر سورة العصر , وذلك لأنها اختصرت طريق الفوز والفلاح , فتدبروا معي بسم الله الرحمن الرحيم : (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) فاقتفوا سنة الأصحاب لتذكروا دائماً السباق . فلو لم ينزل ربكم عليكم إلا هذه السورة لكفتكم في بيان مجمل الطريق .
اللهم اجعلنا من الفائزين , اللهم اكتبنا في السابقين إلى الخيرات يا رب العالمين .
تقبل الله طاعتكم ، وصالح أعمالكم وضاعف حسناتكم ، وجعل عيدكم مباركاً اللهم تقبل منا الصيام والقيام . واعف عنا يا عفو يا كريم . اللهم اجعلنا ممن نال الرحمة والرضوان والغفران في رمضان. اللهم اكتبنا فيه من المقبولين المرحومين .
اللهم أعز المسلمين بالعودة إلى التزام الإسلام .. اللهم أخذل وأذل أهل الكفر وعبدة الأوثان. وادحر النصارى والمحتلين أهل الصلبان. وعليك باليهود المعتدين أهل الغدر والخوان يا قوي يا متين. اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق .. اللهم أخرجهم من بلاد المسلمين أذلة صاغرين . اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك ويسعون في إطفاء نورك، وأنت المتم لنورك ولو كره الكافرون، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام ، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم تغمدنا ووالدينا برحمتك إنك أنت أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك رحمة تصلح بها قلوبنا وتفرج بها كروبنا وتيسر بها أمورنا وتشفي بها مرضانا ، وترحم بها موتانا يا أرحم الراحمين . اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا أنفسنا طرفة عين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
اللهم اغفر للمسلمين الميتين وجازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً .
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
|