خطر التكفير
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أمََّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أيها المؤمنون: إن من أول الفتن والبدع التي مزقت جسد الأمة فتنةَ التكفير, فهي منبعٌ لِكثيرٍ من الإنحرافات في العقيدة والأخلاق والسلوك. والتي عانت منها الأُمَّةُ على مدى أربعةَ عشر قرنا.
إن للتكفير يا عباد الله آثاراً سيئة, منها:
(1) أننا إذا أخرجنا الشخص من الإيمان, بدون بيِّنَة يحكم بها العلماء الراسخون وأهل القضاء, والتي لا بد وأن تتوفر فيها الشروط وتنتفي فيها الموانع, فإنه: لا يجوز له أن يبقى مع زوجته, لأنه كافر والله تعالى يقول: ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾.
(2) ومن آثاره أيضاً: أنه لا يُوَلّى على أولاده لأنه كافر لقوله تعالى: ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾.
(3) ومن آثاره: أنه لا يُعْطَى حقَّ المُوالاةِ والنُّصْرَة في البلد المسلم لأنه خرج من دائرة الإسلام .
(4) ومن آثاره: أنه لا بد أن يُوْقَفَ أمام القضاء ويُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل.
(5) ومن آثاره: أنه إذا مات لا يُغسّل ولا يُصلّى عليه ولا يقبر في مقابر المسلمين.
(6) ومن آثاره: أنه لا يُدْعى له بالمغفرة والرحمة لأن الله تعالى قال: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾.
(7) ومن آثاره: أن الشخص المُكَفَّرَ إذا كان حاكماً فإنه يَجْعلُ أهلَ الغُلو يُسَوِّغُونَ لِأنفُسِهِمُ الخروجَ على هذا الحاكم. فَهُمْ أمامَ أمرَين: إما أنهم يَخْرُجوا عليه مباشرة إذا كان عندهم قوة وَمنَعَة، أو يَسْلُكوا مَسْلَكاً آخر, ألا وهو الإنزواءُ في مكانٍ مُعَيَّن, والتَجَمُّعُ فيه حتى تحصلَ لهم القوةُ, ثم يخرجون, كما هو الحاصل الآن, وهذا مَنْشَؤهُ مِن الخوارج, عندما كَفَّرُوا عَلِياً رضي الله عنه, انْزَوَوا وَحْدَهُم وحرصوا على تجميع الناس وقالوا: " من لم يهاجر إلينا فهو ضال ". وبعضهم قال: " من لم يهاجر إلينا فهو كافر".
روى ابن أبي عاصم في السنة: ( أن غلاماً لِعبدِ الله بن أبي أوفى اسمه: " فيروز" تأثر بمذهب الخوارج فذهب إليهم, وأَبَقَ من سيده, فأصبح عبد الله رضي الله عنه يسأل عنه، فذهب رجل إلى فيروز فقال: إن ابن أبي أوفى يُناديك. فقال فيروز: نِعْمَ الرجل عبد الله لو أنه هاجر ). انظروا يا عباد الله كيف أوجبوا الهجرة على غيرهم, لاعتقادهم أنهم على الحق وعلى الإسلام, وغيرهم على الكفر والباطل. كما هو حال ورثتهم اليوم حيث يقولون: " لا توجد دولة إسلامية " ولا يرون أن هناك دُوَلاً إسلاميةً على وجه الأرض, فيعتزلون بلدانهم وأراضيهم وأهليهم, ويوجبون الهجرة إليهم من أجل التجمع والخروج على الحاكم المسلم. - الله أكبر -!!! ما أشبه الليلة بالبارحة, قال تعالى: ﴿ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾. كفى الله المسلمين شرهم وشتت شملهم وأعان ولاة أمرنا على القضاء عليهم.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: إن مِنْ لَوازِمِ تَكفيرِ الحكام مِنْ قِبَلِ مَن ابْتُلِي بِفِكرِ الخوارج, تكفيرَ مَنْ يَعمَلُ في أجهِزَة الدولة لَدَى هؤلاءِ الحُكَّام, مِن وُزراءَ ومسؤولين, وتكفيرَ مَنْ يَرى السمعَ والطاعةَ بالمعروفِ مِن العلماءِ لهؤلاء الحكام.
وقد ذاقت هذه الدولةُ مِن بعضِ أبنائِها الذين ابتُلُوا بِهذا الفِكْرِ شرّاً كبيرا, وحرجاً كثيرا, مِنْ قَتْلِ رِجالِ الأمن وغيرِهم, وتفجيرِ المُنْشَآت, ومحاولةِ اغتيالات, وقَتْلِ وَخَطْفِ دُبْلُماسِيِّيها لدى الدول. في الوقت الذي يَنْتَقِدُ فيه العالمُ بِأسْرِه الأنظمةَ القَمْعِيَّة التي تَحْكُمُ شُعُوبَها بالحديدِ والنار, يُطِلُّ هؤلاء بَيْنَ الفَيْنَةِ والأُخرى بِمِثْلِ هذه الأفعال المَشِينَة لِيُثْبِتُوا لِلْعالَمِ أَنهم مِنْ أَخطَرِ الأعداء على الأمة.
فَأينَ مَن يَتكلم عن الأنظمةِ القَمْعِيَّة مِن هؤلاء؟!! الذين بدؤوا بإخوانهم وأهليهم المسلمين قبل غيرهم. فقد تجرعت دولة التوحيد منهم الأَمَرَّيْن, وَأَعلَنوا الحربَ عليها باسم الجهاد, وَسَمُّوا ما فعلوه في السنوات الأخيرة من جرائمَ داخِلَها: بالغزوات, مما يدل على عظيم خطرهم وسوء نواياهم.
نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين, وأن يحفظ لهم عقيدتهم وأخلاقهم, وأن يأخذ بأيديهم إلى الهدى والصلاح، اللهم أرِهِمُ الحقَّ حقّاً وارزُقهم اتّباعه وأرِهِمُ الباطلَ باطلاً وارزُقهم اجتنابه ولا تلبسه عليهم فيَضِلُّوا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم مَنْ أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره له يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها، اللهم احفظها مما يكيد لها، اللهم احفظها من شر الأشرار وكيد الفجار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
|