اَلْيَقِيْنُ بِمَكْرِ رَبِّ اَلْعَاْلَمِيْن
الْحَمْدُ للهِ ، ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ ﴿شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، وَوَصِيَّةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ -عَزَّ وَجَلَّ - قَوْلَهُ فِي كِتَابِهِ : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ . أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : زِلْزَالٌ أَوْ هَزَّةٌ أَرْضِيَّةٌ ، لَمْ تَتَجَاوَزِ الدَّقِيقَتَيْنِ ، بَلَغَ قَتْلاَهَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَمُصَابُوهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ أَلْفًا ، وَالْمَفْقُودُونَ لَا يَعْلَمُ بِعَدَدِهِمْ إِلَّا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ : ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ ، ﴿ عَذَابًا مِن فَوْقِكُمْ ﴾ كَالصَّيْحَةِ وَالْحِجَارَةِ وَالْمَاءِ ، ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ كَالْخَسْفِ وَالزَّلْزَلَةِ . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَعُوذُ بِوَجْهِكَ » . فَلَمَّا نَزَلَتْ ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَعُوذُ بِوَجْهِكَ » ، فَلَمَّا نَزَلَتْ ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : « هَذِهِ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ » . وَالشَّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذَرٍ ، وَأَنْ لَا يَغْفُلَ عَنْ خَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ تَامٍّ لِمَا قَدْ يَحِلُّ بِهِ أَوْ يُصِيبُهُ ، وَأَنْ يَحْذَرَ عَوَاقِبَ مَعَاصِيهِ وَذُنُوبِهِ ، وَأَنْ لَا يَأْمَنَ مَكْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِقَابَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَمِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ ، يَقُولُ ابْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ وَأَسْكَنَهُ وَوَالِدِينَا فَسِيحَ جَنَّاتِهِ- : الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَحْذِيرُ الْعِبَادِ مِنَ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِهِ بِالْإِقَامَةِ عَلَى مَعَاصِيهِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ مَكْرِ اللهِ بِهِمْ ؛ كَوْنُهُ يُمْلِي لَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى مَعَاصِيهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ، فَهُمْ جَدِيرُونَ بِأَنْ يُؤْخَذُوا عَلَى غَفْلَتِهِمْ وَيُعَاقَبُوا عَلَى غِرَّتِهِمْ بِسَبَبِ إِقَامَتِهِمْ عَلَى مَعَاصِيهِ وَأَمْنِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ وَغَضَبِهِ . انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ . فَالَّذِي يُقِيمُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وْالْآثَامِ ، وَيَسْتَرْسِلُ بِمَا يُغْضِبُ الرَّحْمَنَ ، وَتَطْمَئِنُّ نَفْسُهُ لِذَلِكَ ، دُونَ خَوْفٍ وَلَا وَجَلٍ ، وَمِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَلَا إِنَابَةٍ ، فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ ، يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ : هَذَا تَخْوِيفٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَأَنْوَاعِ الْمَعَاصِي، مِنْ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالْعَذَابِ عَلَى غِرَّةٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ مَكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَسْأَلُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا ، وَسَلَامَةً دَائِمَةً إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ ، أَيِ الْهَالِكُونَ . فَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ذَنْبٌ عَظِيمٌ يُنَافِي كَمَالَ التَّوْحِيدِ ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ : قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ ؟ قَالَتْ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ : « يَا مُقلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ » . قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ! قَالَ : « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ » . فَتَلَا مُعَاذٌ : ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ . فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَإِيَّايَ وَإِيَّاكُمُ ؛ الْغَفْلَةَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ ؛ الْجَهْلُ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِكِتَابِهِ وَمَا جَاءَ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ . أَسْأَلُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ؛ أَنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَنَا جَمِيعًا عَلَى دِينِهِ ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ إِنَّهُ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِي عَلْيَائِكَ ، أَنْ تَغْفِرَ ذُنُوبَنَا ، وَأَنْ تَهْدِيَ قُلُوبَنَا ، وَأَنْ تُصْلِحَ أَحْوَالَنَا ، وَتَشْفِيَ مَرْضَانَا ، وَتَرْحَمَ مَوْتَانَا ، وَتُعَافِيَ مَنِ ابْتَلْيَتَهُ مِنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|