أَخْطَارُ زَوَاجِ الْمِسْيَارِ
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، الَّذِي خَلَقَ
فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ، أَحْصَى عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ وَقَدَّرَ
آجَالَهُمْ ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ، أَحْمَدُ
رَبِّي وَأَشْكُرُهُ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ ، لَهُ الْفَضْلُ وَالثَّنَاءُ
وَالنِّعَمُ الَّتِي لَا تُحْصَى ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى . اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى
عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَتْقِيَاءِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ
فِي كِتَابِهِ: ] وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[
، فَاتَّقُوا
اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ ؛ بِأَنَّ الزَّوَاجَ مِنَ الْأُمُورِ
الْمُقَدَّسَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ عِنْدَ أَهْلِ التَّقْوَى
وَالْإِيمَانِ ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ؛ مِنْ تَسْمِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
لِعَقْدِهِ بِالْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ] وَكَيْفَ
تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ
مِيثَاقًا غَلِيظًا [، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ ؛ كَلِمَةُ
النِّكَاحِ الْمَعْقُودَةُ عَلَى الصَّدَاقِ ، وَتِلْكَ الْكَلِمَةُ كَلِمَةٌ تُسْتَحَلُّ
بِهَا فُرُوجُ النِّسَاءِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ
بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ )) .
فَالزَّوَاجُ الشَّرْعِيُّ؛ هُوَ الَّذِي تُسْتَحَلُّ بِهِ الْفُرُوجُ، وَبِدُونِهِ
يَقَعُ مَنْ فَعَلَهُ فِي الْمَحْظُورِ، وَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُرْجَمَ بِالْحِجَارَةِ
حَتَّى يَمُوتَ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، أَوِ الْجِلدُ وَالنَّفْيُ إِنْ كَانَ غَيْرَ
ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا
مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ[، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( خُذُوا عَنِّي ، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ،
الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ ))، وَيَقُولُ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ((
لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : رَجُلٌ زَنَى
بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ ، أَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ
الْقَوَدُ ، أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ )) ، فَشَأْنُ
الزَّوَاجِ شَأْنٌ عَظِيمٌ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ
يَجِبُ تَوَفُّرُهَا ، مِنْ أَهَمِّهَا وُجُودُ وَلِيٍّ شَرْعِيٍّ وَشُهُودٍ، يَقُولُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ))
، أَيْ : لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحٌ إِلَّا بِوَلِيٍّ لِلْمَرْأَةِ ، فَلَوْ
زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا، أَوْ وَكَّلَتْ غَيْرَ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا
؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ، وَالْمُرادُ بِالْوَلِيِّ : عَصَبَتُهَا مِنَ الرِّجَالِ
، وَوَلِيُّهَا مِنْهُمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، يَقُولُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ
اللهُ-: فَلَوْ زَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ سَوَاءً بَاشَرَتِ
الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا أَمْ وَكَّلَتْ فِيهِ. وَالْوَلِيُّ: هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ
الرَّشِيدُ مِنْ عَصَبَاتِهَا، مِثْلُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ،
وَالِابْنِ، وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ، وَالْأَخِ الشَّقِيقِ، وَالْأَخِ مِنَ
الْأَبِ، وَالْعَمِّ الشَّقِيقِ، وَالْعَمِّ مِنَ الْأَبِ، وَأَبْنَائِهِمُ الْأَقْرَبِ
فَالْأَقْرَبِ. وَلَا وِلَايَةَ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَلَا لِأَبْنَائِهِمْ
، وَلَا لِأَبِي الْأُمِّ وَالْأَخْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ عَصَبَةٍ. انْتَهَى
كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ .
فَعَدَمُ وُجُودِ الْوَلِيِّ الشَّرْعِيِّ يُبْطِلُ الزَّوَاجَ ، وَعَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ
وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ))
. وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الزَّوَاجِ رَجُلَانِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا
الْعَدَالَةُ ، أَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَمَا
يُسَمُّونَهُ بِزَوَاجِ الْمِسْيَارِ، وَبِالتَّحْدِيدِ الزَّوَاجُ الَّذِي يَتِمُّ
عَنْ طَرِيقِ بَعْضِ مَنْ يُسَمُّونَهُنَّ بِالْخَطَّابَاتِ ، دُونَ عِلْمِ وَوُجُودِ
الْوَلِيِّ، وَالشُّهُودُ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْفَزْعَةِ ، وَالنَّظْرَةُ
الشَّرْعِيَّةُ مَدْفُوعَةُ الثَّمَنِ، وَفِي كَافِيهٍ مِنَ الْكَافِيهَاتِ، وَالسَّكَنُ
بَعْدَ الزَّوَاجِ؛ فِي شَقَّةٍ مَفْرُوشَةٍ بِاسْمِ الزَّوْجَةِ الْقَدِيمَةِ، فَهَذَا
لَا يُسَمَّى زَوَاجًا شَرْعِيًّا، إِنَّمَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى زَوَاجِ الْمُتْعَةِ،
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ في
نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) .
لِلزَّوَاجِ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- أَهْدَافٌ سَامِيَةٌ غَيْرُ قَضَاءِ الْوَطَرِ،
شَرَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِهَا، أَوَّلُهَا : امْتِثَالُ أَمْرِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَحْقِيقُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم، وَوُجُودُ النَّسْلِ وَتَكْوِينُ الْأُسْرَةِ ، وَالْقِوَامَةُ وَالْقَرَارُ
وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ ، وَالْإِعْفَافُ وَالنَّفَقَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ مِنَ
الْأَهْدَافِ النَّبِيلَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الدِّينُ، وَشَرَعَ الزَّوَاجَ مِنْ
أَجْلِهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ .
أَيْنَ كَرَامَةُ الْمَرْأَةِ ؟! وَأَيْنَ عِزَّةُ الرَّجُلِ ؟! اللَّذَانِ لَا
يَعْرِفَانِ بَعْضَهُمَا إِلَّا عِنْدَ الْغَرِيزَةِ الْجِنْسِيَّةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِلتَّخَلِّي مِنَ الْمَسْؤُولِيَّاتِ،
وَالسَّلَامَةِ مِنْ بَعْضِ التَّبَعِيَّاتِ، وَالسَّعْيِ إِلَى مَا يَزْعُمُونَ مِنَ
الْحُرِّيَّاتِ الْمُنَافِيَةِ لِلشَّرَفِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ ، الْمَرْأَةُ لَا
تُرِيدُ زَوْجًا يَأْمُرُهَا وَيَنْهَاهَا، وَالزَّوْجُ لَا يُرِيدُ امْرَأَةً تُقَيِّدُهُ
، وَهُنَاكَ أَمْرٌ خَطِيرٌ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- فِي الزَّوَاجَاتِ الْمُحْدَثَةِ
الْمُخَالِفَةِ لِمَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَالدِّينُ، وَلَا يُبَالِي فِيهِ أَصْحَابُ
الْغَرَائِزِ الْحَيَوَانِيَّةِ ، أَلَا وَهُوَ الْمِيرَاثُ ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ
الزَّوْجَيْنِ لَالْتَبَسَتِ الْأُمُورُ ، مَنْ يَرِثُ وَمَنْ لَا يَرِثُ ، وَهَلِ
الزَّوَاجُ شَرْعِيٌّ صَحِيحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي فِي غِنًى
عَنْهَا .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْرِصُوا عَلَى مَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْ ذَلِكَ الزَّوَاجُ ، امْتَثِلُوا فِيهِ قَوْلَ اللهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[، طَاعَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِتَوَفُّرِ شُرُوطِ الزَّوَاجِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ ، وَطَاعَةُ
وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ بِتَعْلِيمَاتِهِ وَضَوَابِطِ إِجْرَاءَاتِهِ .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ
خَالِصًا وَسَلَامَةً دَائِمَةً إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَمِنْ أَخْطَارِ زَوَاجِ الْمِسْيَار، الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ وَالدِّينِ: اسْتِحْلَالُهُ
وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَذَلِكَ بِحَدِّ ذَاتِهِ جَرِيمَةٌ ، يَقُولُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ]وَلَا
تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ
لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[
، يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : وَيَدْخُلُ فِي هَذَا
كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَيْسَ فِيهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ ، أَوْ حَلَّلَ
شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ ، أَوْ حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا أَبَاحَ اللهُ بِمُجَرَّدِ
رَأْيِهِ وَتَشَهِّيهِ .
فَيُوجَدُ مَنْ لَا يَرَى بَأْسًا فِي زَوَاجِ الْمِسْيَارِ ، عَلَى الْهَيْئَةِ
الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا، وَلَكِنَّهُمْ مِنَ الْجَهَلَةِ وَنَاقِصَاتِ الْعَقْلِ
وَالدِّينِ ، اَلَّذِيْنَ يَجْرُوْنَ خَلْفَ كُلِّ نَاْعِقٍ ، وَيُؤَثِّرُ بِهِمْ
كُلُّ فَاْجِرٍ وَفَاْسِقٍ وَمُنَاْفِقٍ ، صَارَ الْعَالَمُ كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ،
بِسَبَبِ وَسَائِلِ الِاتِّصَالِ وَسُهُوْلَةِ اَلْسَّفَرِ ، فَنُقِلَ إِلَيْنَا زَوَاجُ
الْمِسْيَارِ، وَالْعَقْدُ دُونَ وَلِيٍّ ، وَتَزْوُيْجُ اَلْمَرَّأَةِ نَفْسَهَاْ
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْمُخَاْلِفَةِ لِلْعَقْلِ وَاَلْنَّقْلِ وَاَلْدِّيْنِ
، فَاَتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاحْذَرُوا مَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ ،] وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا[ .
أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ،
فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [، فَاللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا
أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ
حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ
الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا إِيمَانَنَا وَأَمْنَنَا ، وَعُلَمَاءَنَا
وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، وَعَقِيدَتَنَا وَوَحْدَتَنَا ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ
الرَّاحِمِينَ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ بِسُوْءٍ،
أَوْ أَرَاْدَ تَمَرُّدَ شَبَاْبِنَاْ، وَفَسَاْدَ نِسَاْئِنَاْ ، وَاَنْحِرَاْفَ
مُجْتَمَعَاْتَنَاْ، اَلْلَّهُمَّ فَاَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ
نَحْرِهِ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ وَتَخْطِيْطَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ وَاَلْقَضَاْءَ
عَلَيْهِ، اَلْلَّهُمَّ أَرِنَاْ فِيْهِ عَجَاْئِبَ قُدْرَتِكَ وَفُجَاْءَةَ نِقْمَتِكَ، وَأَلِيْمَ أَخْذِكَ وَعُقُوْبَتِكَ،
اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَاْءِ دِيْنِكَ، وَأَعْدَاْءِ بِلَاْدِ اَلْإِسْلَاْمِ
وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلُّهُمَّ لَاْ تَرْفَعْ لَهُمْ رَأْيَةً وَلَاْ تُحَقِقْ
لَهُمْ غَاْيَةً وَاَجْعَلْهُمْ لِغَيْرِهِمْ عِبْرَةً وَآيَةً إِنَّكَ عَلَىْ كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيْر .
}رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |