مِنْ أَخْطَاْرِ وُجُوْدِ كِلَاْبِ اَلْنَّاْرِ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، وَجَعَلَ فِي ذَلِكَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَقُدْوَةً لِلسَّالِكِينَ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ : ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ- بِأَنَّ وُجُودَ الْخَوَارِجِ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ آفَةٌ خَطِيرَةٌ عَلَى الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَمَأْسَاةٌ كَبِيرَةٌ مُضِرَّةٌ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْخَوَارِجُ كَلِمَةٌ جَمْعٌ مُفْرَدُهَا خَارِجِيٌّ ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ زَمَانِهِ ، بِعَدَمِ الْإِقْرَارِ بِإِمَامَتِهِ ، أَوْ بِعَدَمِ الاِعْتِرَافِ وَالِالْتِزَامِ بِبَيْعَتِهِ ، أَوْ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُ وَتَأْلِيبِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ طَاعَتِهِ، أَوْ بِحَمْلِ السِّلَاحِ وَمُقَاتَلَتِهِ، مَهْمَا كَانَ هَذَا الْإِمَامُ، عَادِلًا فَاسِقًا جَائِرًا مَا لَمْ يَرْتَكِبْ كُفْرًا ظَاهِرًا يَجْهَرُ ويُصَرِّحُ بِهِ، وَعَلَيْهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ ، أَوْ خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ: الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». فَوُجُودُ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، أَمْرٌ لَا يُسْتَهَانُ بِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي السُّكُوتُ عَنْهُ ، بَلْ يَجِبُ بَيَانُ أَضْرَارِهِ وَأَخْطَارِهِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : خَطَرُهُمْ عَلَى أَرْوَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَدِمَائِهِمْ ، إِزْهَاقُ رُوحِ الْمُسْلِمِ وَسَفْكُ دَمِهِ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ لَا بَأْسَ بِهِ ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِمَّا لِتَكْفِيرِهِ وَإِمَّا لِلتَّضْحِيَةِ بِهِ ، كَمَا يَقُولُونَ : ضَرِيبَةٌ ، لِمَا يُرِيدُونَ الْوُصُولَ إِلَيْهِ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « زَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ » أَيْ : قَتْلُهُ دُونَ حَقٍّ ، وَلَيْسَ مِنَ الْحَقِّ الْوُصُولُ إِلَى الْكَرَاسِي وَالْمَنَاصِبِ وَالْمَرَاتِبِ وَالْأَمْوَالِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْعَى الْخَوَارِجُ لَهُ، وَيُقَاتِلُونَ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى وُلَاةِ أَمْرِهِمْ بِسَبَبِهِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلَامِ ويَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ » تَخَيَّلْ أَخِي الْمُسْلِمُ لِتُدْرِكَ خَطَرَ الْقَوْمِ وَعَجَائِبَ أَفْعَالِهِمْ؛ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ وَيَقْتُلُونَ أَهْلَهُ، وَيَدَّعُونَ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَلَا يُقَاتِلُونَهُمْ، بَلْ يُوَالُونَهُمْ وَيَسْكُنُونَ بَيْنَهُمْ وَيُمَجِّدُونَهُمْ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِمْ ، وَلَعَلَّكَ أَخِي الْمُسْلِمُ تَتَسَاءَلُ ؛ لِمَاذَا ؟ الْجَوَابُ؛ اسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ » أَيْ: لَا يَصِلُ كِتَابُ اللهِ إِلَى قُلُوبِهِمْ ، وَلَمْ يَرْسَخِ الْإِيمَانُ فِي نُفُوسِهِمْ ، فَقَطْ أَلْسِنَةٌ وَأَشْكَالٌ ، فَلَا غَرَابَةَ أَنْ يَكُونُوا مَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ أَخِي الْمُسْلِمُ اسْمَعِ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى : يَقُولُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ » ، مِنْ كَثْرَةِ عِبَادَتِهِمْ يَحْتَقِرُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، وَهُمْ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ » . فَالِاسْتِهَانَةُ بِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِمْ ، وَعَلَى رَأْسِهِمْ وُلَاةُ أَمْرِهِمْ ؛ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ وَقِتَالَهُمْ وَسَفْكَ دِمَائِهِمْ وَهُمْ مُسْلِمُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَهُمْ كُفَّارًا لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَا تَسْتَغْرِبْ أَخِي الْمُسْلِمُ ، فَقَدْ قَتَلَ أَسْلَافُهُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلِيفَةَ الرَّاشِدَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَتْلُو كِتَابَ اللهِ تَعَالَى ، وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ بُعْدُهُمْ عَنْ كِتَابِ اللهِ الَّذِي لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ . أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ قَالَ : دَخَلُوا قَرْيَةً فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ ذَعِرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَقَالُوا : لَمْ تُرَع ! قَالَ : وَاللهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي ! قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُنَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي . قَالَ : « فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ » . قَالُوا : أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِراكُ نَعْلٍ مَا ابْذَقَرَّ ـ أَيْ لَمْ يَتَفَرَّقْ ـ وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا . وَيُرْوَى أَنَّ هَؤُلَاءِ أَنْفُسَهُمْ ؛ سَاوَمُوا رَجُلاً نَصْرَانِيًّا عَلَى نَخْلَةٍ لَهُ ، فَقَالَ: هِيَ لَكُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَأْخُذَهَا إِلَّا بِثَمَنٍ . قَالَ: مَا أَعْجَبَ هَذَا! أَتَقْتُلُونَ مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ وَلَا تَقْبَلُونَ مِنَّا نَخْلَةً إِلَّا بِثَمَنٍ! فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاحْذَرُوا الْخَوَارِجَ بَيْنَكُمْ ، وَفِي مُجْتَمَعَاتِكُمْ ، وَمِنْ تَوْفِيقِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ جَعَلَ وُلَاةَ أَمْرِكُمْ مَعَكُمْ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : وَمِنَ الْأَضْرَارِ الْأَكِيدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى وُجُودِ الْخَوَارِجِ فِي الْمُجْتَمَعِ : الْإِضْرَارُ بِعَقِيدَةِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ ، وَخَاصَّةً الْجَهَلَةَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ فِي أُمُورِ الدِّينِ ، وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْعُلَمَاءِ الْمَوْثُوقِينَ ، وَيُؤْثِرُونَ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا عَلَى الْآخِرَةِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الْخَوَارِجُ يَجْعَلُونَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةَ يَكْرَهُونَ وَيُبْغِضُونَ وُلَاةَ أَمْرِهِمْ ، بِسَبَبِ مَا يَبُثُّونَهُ فِي الْمُجْتَمَعِ مِنْ شُبَهِهِمْ ، وَمَا يُثِيرُونَهُ فِي مَجَالِسِهِمْ مِنْ بَاطِلِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ ، وَمَا يُزَيِّنُونَهُ مِنْ بَاطِلٍ بِذَرَبِ أَلْسِنَتِهِمْ ، وَفِي الْحَدِيثِ صَحِيحِ الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيِّ ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ » . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ ؟ قَالَ : « لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » . وَمِنْ ضَرَرِهِمْ فِي الْمُجْتَمَعِ : تَوْرِيطُ الْجَهَلَةِ وَالْعَامَّةِ بِمَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ ، مِنْ قَتْلٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَتَكْفِيرٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَسَجْنٍ لِلْمُتَهَوِرِينَ ، وَتَرْوِيعٍ لِلْآمِنِينَ ، وَتَخْوِينٍ لِلْآمِنِينَ ، وَتَأْمِينٍ لِلْخَائِنِينَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي جَعَلَتِ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الرَّؤُوفَ بِأُمَّتِهِ وَالرَّحِيمَ بِخَلْقِ رَبِّهِ يَقُولُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ » ، أَيْ : إِبَادَةً جَمَاعِيَّةً ، أَيْ : لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِحَيْثُ لَا أُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا كَمَا اسْتُؤْصِلَتْ عَادٌ . وَذَلِكَ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ لِخَطَرِهِمْ وَشَرِّهِمْ وَضَرَرِهِمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . أَسْأَلُ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يُفَقِّهَنَا جَمِيعًا فِي هَذَا الدِّينِ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ ، إِنَّهُ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ : « إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ » ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَكَيفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ - فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ » ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ ، اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ بِأَمْوَالِنَا وَبِأَوْلَادِنَا وَبِأَزْوَاجِنَا وَبِأَقَارِبِنَا ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَغَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|