F
الإشارة إلى أخطار السيارة
الحمد لله مغير الأحوال } عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ { الرحيم بخلقه ، المستوي على عرشه ، الآمر بحفظ النفس والمال .
أحمده حمدا لا يعد ولا يحد ، حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، وأشكره على نعمه التي لا تنفد ، وأعوذ به من كفر نعمه ، فإنه شديد المِحَال .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
تقوى الله ، وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ اعملوا بوصية ربكم ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { و } يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { و } يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
حفظ النفس ، مقصد من مقاصد الدين ، ومطلب من مطالب شرع رب العالمين ، فالإسلام بأمره ونهيه ، يعمل على حماية نفس المسلم ، ويسعى إلى حفظها وصيانة كرامتها ، ويحرم الاعتداء عليها إلا بحق شرعي ، والأدلة التي توجب حفظ النفس كثيرة ، منها على سبيل المثال ؛ قول الله تعالى : } وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ { ومنها قول النبي r : (( لزوال الدنيا ، أهون عند الله من قتل رجل مسلم )) . تأمل ـ أخي رعاك الله ـ زوال الدنيا بأسرها ، عند الله U ؛ أهون من قتل رجل مسلم بغير حق . فنفس المسلم ، ليست بالرخيصة ، إنما هي ذات قيمة عظيمة ، ومكانة سامية .
أيها الأخوة :
وعندما نتأمل في واقعنا اليوم ، ونتذكر بعض الأخطار التي تهدد هذه النفس ، وتشكل ضررا عظيما عليها ، نجد أن حوادث السيارات ، في الدرجة الأولى من سلم الأخطار . فيا لله ؛ كم تسببت حوادث السيارات ، في إزهاق نفوس بريئة ، وكم قضت على أرواح طاهرة ، وكم أفنت من أجساد سليمة ، كم قطعت ـ أيها الأخوة ـ حوادث السيارات من آمال ، وكم أدنت من آجال .
خلال الثلاثة الأشهر الماضية ، بلغت الحوادث في مدينة حائل ؛ أكثر من ألف وتسعمائة حادث ، حسب إحصائية الجهات الرسمية ، هذا فقط في المدينة ، غير حوادث المحافظات والمدن والقرى والطرق الطويلة . نسبة خطيرة ـ أيها الأخوة .
ولا شك ؛ السيارة بحد ذاتها ، نعمة من أعظم النعم التي يتفضل بها الله U على عباده ، وهذا أمر لا ينكره عاقل ، فكم قربت السيارات من بعيد ، وكم قضي عليها من حاجات ، ولكنها عندما يساء استخدامها ، ويخطأ في استعمالها ، تكون ـ والله ـ نقمة ! تكون وبالا على أصحابها ، بل وعلى غيرهم ، وهل الحوادث ـ أيها الأخوة ـ إلا من هذا الباب ؟ إلا من سوء استخدام السيارات !
أيها الأخوة :
إن خطر السيارات بحوادثها المؤلمة ، لأمر مشاهد محسوس ، بل لم يسلم من فجيعته أحد يوما من الأيام ، إما في قريب ، وإما في صديق ، وإما في جار ، بل في أسر بأكملها ، بيوت ـ أيها الأخوة ـ أقفلت أبوابها لموت سكانها بسبب الحوادث .
يحدثني رئيس قسم الحوادث في مرور حائل ؛ يقول : باشرت حادثا ، من أسبابه ؛ مخالفة أنظمة المرور ، كانت نتيجته وفاة أربعة عشر شخصا من أسرة واحده ، أهل بيت واحد ، وفي حادث آخر ؛ للأسباب نفسها ، توفي أربعة أخوة أشقاء في زهرة شبابهم ، تشوهت مناظرهم ، وتغيرت ملامحهم ، يقول لم يعرفهم إلا خالهم ، تعرف على أحدهم بكية في يده !
هذا ـ أيها الأخوة ـ بعض ما تفعله الحوادث ، بسبب السرعة الزائدة ، والإهمال المفرط ، ومخالفة أنظمة المرور ، وهذه الأمور في مثل هذا المجال ، من المحرمات في الدين ، فالذي يسرع ويقود سيارته كالمجنون كما يفعل بعض الشباب المتهور ، فيؤذي الناس في طرقاتهم ، ويهدد حياتهم ، هذا يعتبر مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ، الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، لما سألوا النبي r عن حق الطريق قال r : (( غض البصر وكف الأذى )) فالذي يؤذي المسلمين في طرقاتهم ، بالسرعة الزائدة لم يعط الطريق حقه ويعتبر مرتكب لمخالفة يسأل عنها يوم القيامة .
إذا كان ـ أيها الأخوة ـ الدين يحرم حمل السيف خارجا من غمده في أسواق المسلمين ، أو خنجرا مظهرا ، كما قال النبي r : (( إذا مر أحدكم في مسجد أو سوق أو مجلس وبيده نبال فليأخذ بنصالها )) فكيف ـ أيها الأخوة ـ بسيارة قد تنحرف بسبب تهور قائدها فتقضي على ما لايقضي عليه عشرات السيوف ومئات الخناجر ، لاشك أن السيارة أشد خطرا وأعظم ضررا من الخنجر والسيف .
أيها الأخوة :
بعضهم لا يبالي وهو يقود سيارته ، فتجده يكلم بهاتفه الجوال ، أو يكتب رسائل ، أو يلعب بسبحته والله رأيت أحدهم ـ أيها الأخوة ـ يده اليسرى فيها الجوال ، واليمنى ـ أعزكم الله ـ فيها الدخان ، وهو في وضع الاسترخاء على مقعد السيارة ، بل والله رأينا بعضهم بلغ به الإهمال وعدم المبالات ، إلى أن يحمل طفله في حضنه يلاعبه وهو يقود سيارته ! فأي إهمال أعظم من هذا !!! أي استهتار أخطر من هذا ؟ أما بعض الشباب ، فحدث ولا حرج ، فهم يقودون سياراتهم بتهور تام ، وعدم مبالاة قاتلة ، ليت القضية قضية تفحيط فقط ، بل وصل ببعضهم الاستهتار في روحه وأرواح المسلمين ، إلى قطع الإشارات ، وعكس الطرق ، بل إلى أكثر وأشنع من هذا ، يجعل بعضهم سيارته تسير على جهة واحدة ، وقد تكون مملؤة بالسذج أمثاله ، إذا كان الذي يمشي على أربع لم يسلم من الحوادث ، فكيف بسيارة تمشي على ثنتين ، لذلك هاهي الإحصائيات بين أيديكم ، وفيات بأعداد هائلة ، مصابون بأوضاع مذهلة ، نسأل الله السلامة والعافية .
فاتقوا الله يا عباد الله ، حافظوا على أرواحكم وأرواح أبنائكم وأرواح المسلمين.
اسأل الله U أن يهدي شبابنا ، وأن يحفظ أرواحنا إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
يتهاون بعض الناس في أنظمة المرور ، كقطع الإشارات الضوئية ، وتجاوز السرعات المقررة ، والقيادة من دون رخصة ونحوها ، ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن مخالفة مثل هذه الأنظمة يعتبر معصية ، لأنها أنظمة وضعها الإمام لتنظيم سير الناس ، وحفظ أرواحهم من الهلاك ، وليس فيها مخالفة لنص من كتاب أو سنة ، ولذلك لا يجوز أبدا لمسلم مخالفتها .
يقول سماحة الشيخ ، عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : لا يجوز لأي مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره ، والدولة ـ وفقها الله ـ إنما وضعت ذلك حرصا منها على مصلحة الجميع ، ورفع الضرر عن المسلمين ، فلا يجوز لأي أحد أن يخالف ذلك ، وللمسؤولين عقوبة من فعل ذلك بما يردعه وأمثاله .
أيها الأخوة :
فلنتق الله في أرواحنا ، وفي أرواح غيرنا ، ولنتعاون على سلامتنا في طرقاتنا ، وليتق الله بعض الآباء وبعض الأمهات ، في تربية أبنائهم ، وعدم إعانة المتهورين منهم على باطلهم ، ودعوة لرجال المرور ، أن يضربوا بيد من حديد على يد كل سفيه ومتهور جاهل .
وأخيرا ـ أيها الأخوة ـ وقد أدركنا شيئا من خطر السيارات ، علينا أن نكون على حذر شديد ، ونحن نقود سياراتنا ، ونحن نمشي على أرجلنا في طرقاتنا ، فكم من مسلم يسير آمنا ، فيفاجأ بمتهور ، يكون سببا في إنهاء حياته ، كم ـ أيها الأخوة ـ من مسلم دهس عند بيته ، أو وهو خارج من مسجده ، بسبب ما أشرنا إليه من أخطاء الآخرين ، فلنحذر ذلك ـ أيها الأخوة ـ
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وذرية صالحة نافعة ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن صحابة نبيك والتابعين ، وتابعي التابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم أيد إمامنا خادم الحرمين الشريفين بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك محمد r ، اللهم وفقه لهداك ، واجعل عمله برضاك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك ، لا غنى بنا عن فضلك ، أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا غدقا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار ، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك على بلدك الميت ، اللهم أغثنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم } وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ { .
|