F
شر الوسواس
الحمد لله القائل : } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، خير الناس . صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه أفضل الناس ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
أوصيكم بتقوى الله U ، فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
من الأمراض الخطيرة ، التي يصاب بها بعض الناس ، مرض الوسواس ، وهو سلاح يستخدمه الشيطان ، للإرجاف ببني آدم ، وللنيل منهم وتوريطهم بأمور لا تحمد عواقبها ، ولا تسر نتائجها ، استخدمه ـ أخزاه الله ـ وما زال يستخدمه ، من منطلق عداوته وبغضه ، مع عباد الله المؤمنين ، كما قال تبارك وتعالى ، } فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {
من هما ـ أيها الأخوة ـ اللذان وسوس لهما الشيطان ؟ آدم ـ عليه السلام ـ وزوجته حواء !
فوسوسة الخبيث قديمة ، فهي السلاح الذي يستخدمه ـ أخزاه الله ـ ليصل لشيء يخطط له ، لا يرضي الله U . ولذلك ـ أخوتي في الله ـ أمرنا الله U في كتابه ، أن نستعيذ منه ومن شره ، } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ { يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره } مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ { وهو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا في الخبال ، والمعصوم من عصمه الله .
أيها الأخوة :
و للشيطان أساليب متنوعة في الوسوسة ، فمن الناس من يوسوس له في عقيدته ، وفي إيمانه ، وهذا أخطر أنواع الوسوسة ، ففي مسند الإمام أحمد يقول الرسول e : (( يأتي الشيطان الإنسان فيقول من خلق السموات ؟ فيقول : الله . ثم يقول : من خلق الأرض ؟ فيقول : الله . حتى يقول : من خلق الله ؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل : آمنت بالله ورسوله e ))
ومن الناس ـ أيها الأخوة ـ من يوسوس له الشيطان في مقصده ونيته ، فتجده عند الوضوء ، يتوضأ مرارا ، وعند الصلاة ؛ يكرر كلاما ، أو يقطع صلاته كلما صلى ، ثم يعيد ويعيد ، ويحمل نفسه مشقة وتعبا لا يحمد عليه في الدنيا ولا يؤجر عليه في الآخرة ، وكذلك من الناس من يوسوس له الشيطان في طهارته ، كلما تطهر أعاد ، حتى أن بعضهم يمكث الساعات الطوال ـ أعزكم الله ـ في دورات المياه ، من أجل هذا المرض الخطير ، يحدثني أحد الدعاة عن أحدهم ، يدخل إلى دورة المياه ، من وقت صلاة المغرب ، ولا يخرج إلا عند صلاة العشاء ، فتفوته صلاة المغرب ، وقد تفوته صلاة العشاء ، وهذا ما يريده الشيطان ، نسأل الله السلامة والعافية .
ومن الطرائف ـ أيها الأخوة ـ أن أحد هؤلاء الموسوسين ، جاء إلى الفقيه ابن عقيل ، فلما جلس ، قال للفقيه : إني أنغمس في الماء مرات كثيرة ، ومع ذلك أشك : هل تطهرت أم لا ، فما رأيك في ذلك ؟ فقال ابن عقيل : اذهب ، فقد سقطت عنك الصلاة . فتعجب الرجل وقال له: وكيف ذلك ؟ فقال ابن عقيل : لأن النبي e قال : (( رفع القلم عن ثلاثة : المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ ، والصبي حتى يبلغ )) . ومن ينغمس في الماء مرارا – مثلك - ويشك هل اغتسل أم لا ، فهو بلا شك مجنون .
نعوذ بالله من شر الوسواس ، بعض الناس يشك في ملابسه ، يصور له الشيطان بأنها غير طاهرة ، بل بعضهم يشك بأطهر بقاع الأرض ، يشك بطهارة المسجد ، فإذا أراد أن يسجد وضع طرف غترته ، وهذا من ألأشياء المكروهة ، ذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فالأصل بالأشياء الطهارة إلا إذا ثبتت نجاستها ، بل بعضهم ـ وهذا من الأشياء الخطيرة ـ أيضا ـ من يشك في زوجته وأهل بيته ، لو اتصل ووجد الهاتف مشغولا ، أول ما يتبادر لذهنه خيانة زوجته له ، فلا تسأل عن ما يترتب على ذلك من قذف ، ومن خراب بيوت ، ومن طلاق وغير ذلك .
فالوسواس مرض خطير ـ أيها الأخوة ـ ولذلك ذكر بعض أهل العلم ، أن سببه إما نقص في العقل أو جهل في أمر الشرع .
أحدهم سافر بزوجته إلى مدينة جده ، فلما أسكنها في أحد الفنادق ، نزل واتصل بها من الشارع ، وغير صوته ، شاكا في عفتها ، لينظر هل تخونه أو لا ؟ فهل رأيتم ـ أيها الأخوة ـ اخطر من هذا المرض !
والمشكلة أن المصاب بمرض الوسواس لا يشعر بأنه ضحية لهذا المرض العضال ، فقد يقنعه الشيطان أن ذلك من باب الحرص ، أو من باب النظافة ، أو من باب الغيرة ، أو من باب عدم الثقة العمياء . وما هو إلا من عمل الشيطان الذي حذرنا الله منه وقال : } إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ بأن الشيطان مهما بلغ بالإنسان من الوسوسة ، ومهما تفنن في طرقه وأساليبه ، فإنه لا شيئ ، إنما هو مجرد وسوسة تنتهي بعدم الاستسلام له ، كما أخبر النبي e ، حينما اشتكى إليه الصحابة ، ما يجدون من الوسوسة فقال e : (( أوجدتموه )) قالوا : نعم . فقال e : (( ذاك صريح الإيمان ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة )) وهنا أشارة إلى أن الشيطان تكون وسوسته لأهل الإيمان ، وكما قال بعض أهل العلم : اللص لا يسطوا على البيت الخرب .
أيها الأخوة :
ولا شك أن الوسواس داء ، وفي الحديث : (( ما أنزل الله من داء إلا وله دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله )) وعلاج الوسواس يكون بعدم الألتفات له ، ذكر أن أحد علماء التابعين وهو ابو حازم ، دخل المسجد يوما ليصلي ، فجاءه الشيطان ليوسوس له وقال ، ربما أنك تصلي من غير وضوء ، فماذا فعل ابو حازم ، هل عاد إلى بيته ليتوضأ ، لا ، بل قال للشيطان : ما بلغ بك النصح إلى هذا ، ثم مضى في صلاته ولم يلتفت لوساوس الشيطان .
فعلاج الوسواس ؛ يكون بعدم الإستسلام للشيطان ، وهذا ما أخبر به النبي e ، ففي الحديث الذي رواه الإمام احمد يقول e : (( إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) .
أيها الأخوة :
وأخيرا ليعلم كل موسوس ، نسأل الله له الشفاء ، بأن ما يقوم به من أعمال ، نتيجة الوسوسة ، ما هي إلا أرضاء واتباع للشيطان ، لا يحبه الله U ولا يرضاه ، بل قد يغضبه سبحانه ، ويعاقب عليه ، وعلى سبيل المثال ، الوسواس بالوضوء ، الذي يتوضأ ثم يعيد وضوءه ، أو يغسل عضوا من أعضاء جسمه ، ثم يعيد ويكرر ذلك ، من باب الوسواس ، فهذا يعتبر من التعدي ، والله U لا يحب المعتدين .
النبي e توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : (( هذا الوضوء ، فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم )) .
اسأل الله أن يشفي مرضى المسلمين ، اللهم اشف مرضى المسلمين ، اللهم لا تجعل للشيطان سبيلا على عبادك المؤمنين .
أيها الأخوة :
وبمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للدفاع المدني ، أجدها فرصة بأن أذكركم ، بأهمية اتخاذ الاحتياطات اللازمة ، وعمل الأسباب المناسبة للسلامة ، والتي بمقدور الإنسان من خلالها منع الحوادث والمفاجآت الخطيرة من حرق وغرق ، فعلى المسلم أن يكون كيسا فطنا ، يتفقد وسائل السلامة في بيته ، يتعاون مع الجهات المعنية بسلامته ، يسمع ويطيع لولي أمره وخاصة في هذا المجال المهم .
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى ، إنه سميع مجيب ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم احينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم احفظ لنا ولي أمرنا خادم الحرمين ، ووفقه لهداك ، وانصر به دينك وكتابك وسنة نبيك محمد e ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ن واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون . |