F
حماية المستهلك
الحمد لله الرحيم الرحمن ، الكريم المنان ، القوي السلطان ، أوجب العدل والإحسان ، وحرم البغي والعدوان ، } يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { .
سبحانه من إله ، يعلم ما يكون وما كان ، وما لم يكن في قادم الأزمان .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، الملك الديان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله للإنس والجان ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { و } يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { و } يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين
أيها الأخوة المؤمنون :
رغب ولاة أمرنا ـ وفقهم الله إلى هداه ، وأعانهم على ما يحبه ويرضاه ـ أن يكون حديثنا في هذا اليوم ، عن حماية المستهلك ، ولا يخفى على عاقل ـ أيها الأخوة ـ حاجة الناس وتوعيتهم في هذا الموضوع المهم ، وخاصة أن أكثر التجار ، تداعوا عليهم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ، والنتيجة هو ما تعيشونه واقعا ملموسا ، من غلاء في الأسعار ، ورداءة في بعض المنتجات ، وغش وتدليس وغير ذلك .
أيها الأخوة :
إن هذه الدولة ، التي وفقنا الله U ، إلى العيش فوق أرضها ، من منطلق الدين والمسؤولية ، لم تألوا جهدا ، في وضع الأنظمة والتعليمات ، التي تحفظ حق كل إنسان ينتمي إليها ، أو يعيش على أرضها ، بل ـ أيها الأخوة ـ عملت على حماية الحيوانات في برها وجوها وبحرها ، ومن ذلك : تكليف بعض الجهات ، للعمل على حماية المستهلك ، ومتابعة الأسواق ، وصرفت المبالغ الطائلة ، ولكن ويا للأسف ، لم يجد المستهلك حماية ، إنما أكلت أمواله بالباطل ، وسرق ما في جيبه بالتدليس والغش والاحتيال ، من قبل أناس همهم الدرهم والدينار ، والحلال عندهم ما حل بأيديهم ، فاتبعوا السبل المتنوعة ، واستخدموا الأساليب الماكرة ، لنهب ما في جيب المستهلك ، وما هذه الديون المتراكمة في ذمم الناس ، والهموم اللازمة ، بل والأمراض الخطيرة ، إلا بسبب ظلم المستهلك واستغلاله ، فالويل لمن كان سببا في ذلك ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، يقول النبي e : (( من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة )) فليتق الله التجار ، فإن القضية خطيرة ، وتبعاتها سيئة ، وثمارها مرة . يقول النبي e في الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه : (( إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذا الدين العظيم ، الذي ننتمي إليه ، اعتنى بالمستهلك ، وعمل على حمايته ، حماه من نفسه ، فحرم عليه التبذير والإسراف ، وشراء المحرمات والخبائث ، وحماه ممن يبيعون عليه ، التجار ، فحرم غشه وبخس حقه ، وجميع المعاملات التي تؤدي إلى ضرره ، ولا أتي المستهلك إلا من قبل بعده عن تعاليم دينه ، والإعراض الواضح ، من قبل بعض التجار عن هذا الدين العظيم ، ولذلك لو ألتزم المستهلك بتوجيهات الشرع ، وعمل التجار بالقواعد الشرعية للمعاملات في الأسواق ، لتحقق الأمن للمستهلك ، وحفظ ماله ، ولبارك الله للتجار في مكاسبهم وأرزاقهم ، ولكنهم ـ ويا للأسف ـ أعمت الدنيا بصائرهم ، فزاغت أبصارهم ، فأكل الربا ، والله U يقول : } الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { وفي الحديث الذي رواه الإمام احمد يقول النبي e : (( لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه )) ووجد الغش ـ أيها الأخوة ـ بل انتشر وصار عند بعضهم من الأشياء المسلمة ، والرسول e يقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: (( ليس منا من غشنا )) أما الاحتكار فحدث ولا حرج ، صار أكثر التجار ، وخاصة الكبار منهم ـ يحتكرون بعض السلع ، ويضعون لها ما يريدون من أسعار ، وهذا من الأشياء المضرة بالمستهلك ، ولا أدل على ذلك من وكالات السيارات ، وقطع الغيار ، وبعض الأطعمة ، والاحتكار ـ أيها الأخوة ـ من الأشياء المحرمة في الدين ، يقول النبي e في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : (( لا يحتكر إلا خاطئ )) وفي الحديث الصحيح عن عمر ابن الخطاب t قال : سمعت رسول الله e يقول : (( من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس )) ، نسأل الله السلامة والعافية .
فليتق الله تجارنا ، وليربئوا بأنفسهم عن الدناءة ، وليحذروا هذا الوعيد وليراجعوا إيمانهم ، ففي الحديث يقول النبي e : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن حماية المستهلك ، قضية يتمناها كل الناس ، وهي قضية اجتماعية مهمة ، المجتمع بأسره يعاني منها ومن عدم تفعيلها على الوجه المطلوب ، ولكن ينبغي للمستهلك نفسه أن يكون كيسا فطنا ، وخاصة أن الثقة في بعض التجار تكاد أن تكون معدومة ، لاسيما مع بعد الناس عن تعاليم الدين ، وقلة التقوى ، وانعدام النصح والورع ، ووجود أناس لا هم لهم ـ كما أشرت ـ إلا جمع الدراهم ، ورفع أرصدتهم في البنوك ، بل أناس يشبهون الغزاة الناهبين من بعض الوافدين ، وخاصة الكفرة منهم وأهل الإجرام ، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، وها نحن نقرأ عن جرائمهم باستمرار ، فقد أقاموا مصانع للغش ، وزوروا بعض المنتجات ، وسوقوا المواد المنتهية صلاحياتها ، وباعوا ما حرم الله وغير ذلك .
فعلى المستهلك أن يكون حذرا وينتبه للآتي :
أولا : التأكد من جودة المنتجات التي يريد شرائها ، لأنه يوجد بعض المنتجات المزورة ، وقد تكون مضرة بالصحة ، بل قد تؤدي للأمراض الخطيرة بل الوفاة ، ومن ذلك بعض الأدوية ، وبعض الأطعمة والمشروبات .
ثانيا : على المستهلك ـ ليحمي نفسه من جشع المتاجر ـ أن يسأل ويتأكد من قيمة السلع التي يريد شراءها ، فلا يكتفي بمحل واحد ، وأنا أقول ذلك لتفاوت الأسعار وتمايزها لسلعة واحدة في محلات متقاربة .
ثالثا : المفاصلة في السعر ، أمر ينبغي وخاصة وحال تجارنا كما أشرت ، فبعض الناس ، يرضى بالسعر من أول وهلة ، وهذا أمر يستغل من بعض الباعة ، فلا بد من المفاصلة بالسعر ، إذا رضي وإلا أذهب إلى غيره ، وهنا أشير إلى قضية خطيرة ، وهي استغلال الباعة للنساء ، فالمرأة في بعض أسواقنا مستغلة لضعفها ، وعدم خبرتها لكونها امرأة ، فعند بعضهم مبدأ ، أن المرأة لا تشتري بالسعر القليل ، فيرفعون عليها أسعار سلعهم الرديئة ، لتشتري هذه السلع ، لتتحدث عند صويحباتها مفتخرة بأنها اشترته بمبلغ كذا وكذا ، وهي الضحية .
رابعا : التعاون مع الجهات المسئولة ، والتبليغ عن من يريد الإضرار بالمستهلك ، ولو وصل الأمر إلى الرفع إلى الجهات العليا بالدولة ، لأننا في حكومة تحرص على مواطنيها ، وننتمي لدين من مهامه الحفاظ على أموالنا .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة .
اللهم إنا نسألك أن تحفظ لنا أموالنا ودماءنا وأعراضنا ، اللهم أصلح تجارنا ، وأغنهم بحلالك عن حرامك ، اللهم وفقهم لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، اللهم من أرادنا بسوء ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم أنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم احفظ لنا ولي أمرنا خادم الحرمين ، ووفقه لهداك ، وانصر به دينك وكتابك وسنة نبيك محمد e ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ن واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون .
|