كثرة الهرج
الحمد لله واسع الفضل والإحسان ، الرحيم الرحمن ، يعلم ما يخفيه الجنان ، وما تكنه الخواطر والأذهان ، } يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، يفوق العد والحِسْبان .
فسبحان من كل الورى سبحوا له
إذا سبحوا وكبروه وهللوا
قريب مجيب يستجيب لمن دعا
جواد إذا أعطى العطا يتجزل
له الحمد ، حمدا طيبا ومباركا
كثيرا فضيلا حاصلا متحصل
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أي مكان .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، ارسله للأنس والجان ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
تقوى الله ، وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ اعملوا بوصية ربكم ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { و } يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { و } يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
من الأمور الغيبية التي أخبر بها النبي e ، ولابد من وقوعها ، ووجودها في هذه الأمة ؛ كثرة القتل وانتشاره ، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، يقول e : (( لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج )) قال الصحابة رضي الله عنهم : وما الهرج يا رسول الله ؟ قال ـ صلوات ربي وسلامه عليه : (( القتل ، القتل )) .
وفي حديث آخر ، صححه الألباني ـ رحمه الله ـ ، يقول e : (( إن بين يدي الساعة الهرج )) . قالوا : وما الهرج ؟ قال : (( القتل ، إنه ليس بقتلكم المشركين ولكن قتل بعضكم بعضا ، حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه (( قالوا : ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال e : (( إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء))
أيها الأخوة المؤمنون :
ولا شك أن القتل بغير حق ، جريمة عظيمة ، توعد الله U من فعلها بغضبه ولعنته وعذابه ، بل في نار جهنم خالدا فيها ، يقول تبارك وتعالى : } وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً { تأمل أخي المسلم ، عقوبة هذه الجريمة النكراء ، جزاؤه جهنم ، ثم خالدا فيها ، ثم غضب الله عليه ، ثم لعنه ، ثم أعد له عذابا عظيما . هل رأيت أخي المسلم عقوبة مثل هذه العقوبة ! لذلك يقول الرسول e كما في حديث عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ الذي في صحيح البخاري ، يقول e : (( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، مالم يصب دما حراما )) يعني إذا أصاب دما حراما ، قتل نفسا لا يجوز قتلها ، فإنه ليس في فسحة من دينه ، أي يصير في ضيق من ذنبه ، تضيق عليه أعماله الصالحة لأنها لا تفي بوزره ، بل من العلماء من قال لا تقبل توبته ، وهو قول قال به عبدالله بن عمر t .
أيها الأخوة المؤمنون :
ونحن نتحدث عن هذه الجريمة الخطيرة ، يجدر بنا أن نوجه الحديث لبعض الشباب ، فهم أكثر الناس وقوعا بها في هذه الأيام ، فما تمر فترة من الزمن ، إلا ونسمع بجريمة قتل يندى لها الجبين ، وقد تكون بين أبناء الجيران أو الزملاء أو الأقارب أحيانا ، ولو بحثت عن الأسباب ، لوجدتها أسبابا تافهة ، لا تستدعي إراقة دم شاب مسلم ، إما من أجل تعصب رياضي ، أو من مضايقة في طريق ، أو من أجل كلمة نابية ، غير مبالين بحرمة دم ، ولا بإقامة حد ، وفي الحديث الحسن يقول النبي e : (( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم )) . وفي الحديث الحسن أيضا ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول النبي e : (( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ، ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دما يقول : يا رب قتلني هذا حتى يُدْنِيَهُ من العرش )) ، فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا هذه الكبيرة الخطيرة ، التي عدها النبي e من أكبر الكبائر ، وذكرها مع الشرك الذي لا يغفره الله U ففي الحديث الصحيح ، سال النبي e عن أكبر الكبائر فقال : (( أكبر الكبائر ؛ الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وعقوقُ الوالدين ، وقول الزور )) أو قال : (( وشهادة الزور )) أسأل الله لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وسلامة دائمه إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ظاهرة القتل في أوساط الشباب ، ظاهرة كل يحس بخطورتها ، ويدرك ضررها ، ولا شك أن لها أسباب ، من أبرزها وأهمها وأخطرها ، حمل السلاح ، فلا تكاد تجد شابا إلا ومعه نوع من الأسلحة ، حتى أن أكثرهم يحمل سلاحه استعدادا لاستعماله فيمن يخطئ عليه ، مهما كان خطأه ، وهذا يدل على جهله ، وخفة عقوله ، وقلة وعيه . والرسول e يقول في الحديث : (( من حمل علينا السلاح فليس منا ))
وإن تعجب أخي فاعجب من أب يرى ابنه معه بعض الأسلحة ، ولا يحرك ساكنا ، لا أدري ما ذا ينتظر ، هل ينتظر تورط ابنه بجريمة قتل ؟ أم ماذا ؟
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال شبابنا ، اللهم اجعلهم هداة مهتدين ، ولا تجعلهم ضالين مضلين ، اللهم احفظ أرواحهم ، واحفظ دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، اللهم وفقهم لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم أيد إمامنا خادم الحرمين الشريفين بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك محمد r ، اللهم وفقه لهداك ، واجعل عمله برضاك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك ، لا غنى بنا عن فضلك ، أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا غدقا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار ، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك على بلدك الميت ، اللهم أغثنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم } وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ { .
|