F
حمل السلاح
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، لا معبود بحق سواه ، الرحيم بخلقه ، المستوي على عرشه ، يعلم ما في خواطر عبده ، وما أراده وما نواه .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، حمدا به ينال رضاه .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شركاء له ، ولا أضداد ولا أنداد ولا أشباه .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم أن نلقاه .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { و } يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { و } يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
كان الحديث في الجمعة الماضية ، عن كثرة الهرج ، وهو القتل ، كما فسره النبي e ، وذكرنا أن من أسباب هذه الجريمة ، حمل السلاح ، الذي صار ظاهرة في أوساط الشباب ، فلا تكاد تجد شابا إلا وسلاحه معه ، وحمل السلاح على المسلمين ، أمر حذر النبي e منه ، بل تبرأ ممن فعله ، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة t قال e : (( من حمل السلاح علينا فليس منا )) ففي هذا الحديث وعيد ، لمن حمل سلاحا ليقتل فيه مسلما من المسلمين ، لأن اقتتال المسلمين ، أمر لا يجيزه الدين ، بل يحرمه وينهى عنه ، بل عده الدين سببا من أسباب الكفر ، وصفة من صفات الكفار كما في حديث ابن عمر في صحيح البخاري ، يقول e : (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) أي: لا تفعلوا ما هو كفر ، أو ما يسبب عمل الكفار ، من كونكم تتقاتلون ، يقتل بعضكم بعضا ، ويضرب بعضكم رقاب بعض ؛ فإن ذلك لا شك من أعمال الكفار .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولا شك أن حمل السلاح ، وخاصة بين الشباب ، يشجع على القتل ، ويدفع إلى ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة ، وكم من شاب ـ أيها الأخوة ـ تورط بجريمة قتل بسبب ما معه من سلاح ، تأملوا ـ أيها الأخوة ـ ما تسمعون من جرائم القتل ؛ تجدون أن بداية أحداثها سوء تفاهم ، يحدث بين الطرفين ، حول أشياء تافهة لا تستاهل الوصول إلى القتل ، ولكن وجود السلاح وحضور الغضب والشيطان ، يقود أحدهما إلى التهور وارتكاب جريمة القتل ، فكل جرائم القتل ، التي تحدث بين الشباب ، أسبابها وجود السلاح ، حتى ولو كان سكينا أو عصا أو ما يقوم مقامهما ، فحمل السلاح له عواقب وخيمة ، ولو سألت شابا من الشباب ، من هؤلاء الذين سكاكينهم في جيوبهم ، أو في أدراج سياراتهم ، أو في حقائبهم المدرسية ، أو من هؤلاء الذين عصيهم خلف وتحت مراتب سياراتهم ، لو سألت أحدهم ، عن أسباب حمله وحوزته لهذه الأشياء ، لأجابك لسان حاله ، للنيل ممن يحاول أو يتجرأ على مضايقته أو تعكير مزاجه ، إلى درجة ـ أيها الأخوة ـ أن العقلاء من كبار السن يتحاشا الاحتكاك بأمثال هؤلاء الذين لا يبالون بأرواحهم ولا بأرواح غيرهم من المسلمين .
فهم يحملون سلاحهم ، من أجل الإضرار بغيرهم ، فهؤلاء حتى المقتول منهم ، هو على خطر عظيم ، الذي يحمل سلاحه ويشهره على غيره من المسلمين ، حتى وإن كان هو المقتول ، فإنه لا يسلم من عقاب الله تعالى ، ففي الحديث الذي في سنن ابن ماجه ، يقول الرسول e : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار )) قالوا : يا رسول الله ؛ هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ يعني ما هو ذنب المقتول . قال e : (( إنه أراد قتل صاحبه )) فحمل السلاح من أجل ترويع وإصابة مسلما من المسلمين كبيرة من كبائر الذنوب ، وموبقة من الموبقات ، أما إذا كان حامل السلاح مستحلا لدماء المسلمين ، كما يفعل خوارج هذا الزمان ، فإنه على خطر عظيم ، قال العلماء بأنه يكفر ـ والعياذ بالله ـ لأنه استحل امرا معلوما من الدين بالضرورة .
فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ واحذروا أبناءكم من حمل الأسلحة والعصي والسكاكين ، ودعوة لرجال الأمن ، لتفتيش سيارات الشباب خاصة ، ومعاقبة من يحمل أسلحة في سيارته ، حتى وإن كانت سكاكين أو عصي ، وكذلك المسؤلين في المدارس ، فإن مسؤليتهم عظيمة لا سيما في هذا المجال الخطير ، فقد وجد بعض الطلاب في المرحلة الإبتدائية معهم بعض ما اشرنا إليه ، بل ذكر لي أحد مدراء المدارس أنه وجد مع أحد طلابه آلة قاتلة فلما سألوه عن سبب حمله لها قال : أن والده هو من أعطاها أياها طالبا منه أن يدافع عن نفسه ، وعند سؤالهم للوالد ، كان جوابه أقبح من فعلة ولده . فلم ينكر أنه هو من أعطى ولده تلك الآلة ، بحجة أن يدافع عن نفسه . فمسؤلية المدارس مسؤلية عظيمة ،
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ونحن نتحدث عن حمل السلاح وخطورته ، يجدر بنا أن نشير إلى ما يفعله خوارج هذا الزمان في هذه البلاد ، فيكفي في حملهم للأسلحة ، دليل على ضلالهم وانحراف أفكارهم ، وبعدهم عن الدين الصحيح . وللعاقل أن يسأل نفسه : ماذا يريد هؤلاء بهذه الأسلحة ، ولماذا يجمعونها ويخفونها بأوكارهم ؟ فإن كانوا يريدون قتل المسلمين ؛ فهذا أمر من المحرمات في الدين ! وإن كانوا يريدون قتل غير المسلمين ؛ فهذا أيضا من أسباب حرمان الجنة نسأل الله العافية ، وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، قال النبي e يسأل أصحابه في حجة الوداع ، فقال : (( أي شهر هذا )) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال راوي الحديث : فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . قال e : (( أليس ذا الحجة ! )) قالوا : بلى قال : (( فأي بلد هذا )) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال الراوي : فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . قال : (( أليس البلدة !)) قالو : بلى قال e : (( فأي يوم هذا )) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : (( أليس يوم النحر ! )) قالوا : بلى يا رسول الله . قال : (( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فلا ترجعون بعدي كفارا أو ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال ألا هل بلغت )) .
فإن كان هؤلاء الخوارج ، يريدون بهذه الأسلحة قتل المسلمين ، فإن ما يقومون به ليس من الدين ، بل مما ينافي الدين ، وأما إن كانوا يريدون قتل غير المسلمين ، وهم من يعرفون بالمعاهدين ، فإنهم أيضا على خطر عظيم ، لأن النبي e قال في الحديث الصحيح : (( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما )) .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واعلموا بأن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { وفي الحديث الصحيح ، قال e : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا )) . فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك أن تجنبنا سوء الفتن ، ماظهر منها ومابطن ، والزلازل والمحن ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم يا من أودع في الكون روعته ، ونشر في الأرجاء رحمته ، لا تجعلنا من أشقياء الدنيا والآخرة .
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وعاف المبتلين ، واقض الدين عن المدينين ، وفرج كرب المكروبين. اللهم اجعل لنا ولكل مسلم ومسلمة ، من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ومن كل بلاء عافية ،اللهم إنا نعوذ بك من يوم السوء ، ومن ليلة السوء ، ومن ساعة السوء.اللهم اجعلنا في ضمانك وأمانك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نعوذ بك من جَهد البلاء ، ودَرَك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفُجاءة نقمتك ، وجميع سخطك.
اللهم إنا نسألُكَ الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرشد ، ونسألكَ شكرَ نعمتك ، وحُسن عبادتك ، ونسألك قلوبًا سليمة ، وألسنةً صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم.
اللهم } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|