كفالة اليتيم
الحمد لله الرحمن الرحيم ، ذي الفضل العظيم ، أمر بالإحسان إلى اليتيم ، ووعد من أحسن إليه جنات النعيم ، وتوعد من أساء إليه بالعذاب الأليم .
أحمده سبحانه من إله ، خبير عليم عظيم كريم ، } يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، } فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد أمركم سبحانه بذلك ، فقال : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الإحسان إلى اليتيم ، ورعايته والاعتناء به وكفالته ، من أعظم القربات إلى الله تعالى ، يقول U : } فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ، فَكُّ رَقَبَةٍ ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ { يقول ابن كثير في تفسيره : } فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ { أي أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير .
فالإحسان إلى اليتيم ، طريق للنجاة والخير للإنسان ، ولذلك يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار بأصبعيه التي تلي الإبهام والوسطى ، وفرج بينهما ، وفي موطأ الإمام مالك ، يقول النبي r : (( أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى )) ، وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام .
فالذي يكفل اليتيم ، ويحسن إليه ، ويعتني به ، على خير عظيم ـ أيها الأخوة ـ سواء كان له أو لغيره ، سواء كان قريبا من أقاربه ، أو بعيدا عنه لا تربطه معه أي صلة قرابة .
أيها الأخوة المؤمنون :
هل رأيتم دينا أجمل وأكمل من هذا الدين ، الذي يرعى أطفالك حتى بعد موتك ، ويأمر بالإحسان إليهم ، والاعتناء بهم ورعايتهم ، يعوضهم ذلك الحنان الذي فقدوه بفقدك ، يعوضهم تلك المحبة ، التي انتهت بنهايتك ، يجعل من حولهم ومن يحتك بهم ، يتعامل معهم بكل ما يسعدهم ، وينسيهم يتمهم ، تحفظ أموالهم لأنهم صغارا لا يدركون مصالحهم ، تطعم جوعتهم ، تكسى عورتهم ، لا يعبس في وجوههم ، جعل الله ذلك وسيلة وطريقا للجنة لمن أراد الجنة ، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، يقول النبي r : (( من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله ، كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين )) .
فهل رأيت أخي أجمل وأفضل وأكمل من الإسلام ، سل نفسك ـ أخي ـ تأمل في وضع أبنائك ، لو كانوا أيتاما ، من يحفظ لهم كرامتهم ؟ من يعتني بهم ؟ من يرعى مصالحهم ؟ من يحسن إليهم ؟
فاحمد الله ، على هذا الدين العظيم ، وتمسك به ، وعض عليه بالنواجذ ، وأبشر بحفظ ذريتك في حياتك وبعد وفاتك ، فقد حفظ الله كنز اليتيمين ، بسبب صلاح أبيهما ، تأمل قول الله تعالى : } وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا { فبسبب صلاح أبيهما ، قيظ الله من يبني الجدار ، الذي تحته الكنز ، ليبقى لهما كنزهما حتى يبلغا أشدهما ويستخرجاه كما قال تبارك وتعالى .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومما جاء به الدين ، التحذير من الإساءة إلى الأيتام ، فالذي يستغل ضعف الأيتام ، ويتعدى على حقوقهم ، فإنه على خطر عظيم ، يقول تبارك وتعالى : } وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا { ويقول أيضا : } إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا { وفي الحديث الذي رواه النسائي عن أبي شريح t أن النبي r قال : (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين ، اليتيم والمرأة )) ومعنى أحرج أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأحسنوا لأيتامكم وأيتام غيركم ، لتحضوا بصحبة نبيكم r بالجنة .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا صالحا وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ومما جاء به الدين ، وحذر منه رب العالمين: التعرض لليتيم بالأذى ، مهما كان نوعه ، سواء كان ضربا أو شتما أو إهانة أو إذلالا أو تسلطا، فلينتبه بعض الناس لهذا الأمر المحرم ، وليحذروا هذه الكبيرة العظيمة ، يقول تبارك وتعالى : } فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ {
ومما لا شك فيه أن اليتيمَ يَحتاج إلى تربية وتأديب ، وعلى كافله أن يحرِص على توجيهه ونفعِه من غير عقاب حسِّي أو معنوي ، لكن لو رأى كافلُ اليتيم أنَّ من المصْلحة معاقبة اليتيم معاقبةً بدنيَّة ليكفَّ عن سلوك غير مرْضي ، أو ليدرِّبه على طاعة ، فيجوز في حدود الأدَب من غير ضررٍ؛ لعموم قولِه تعالى : } وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ { ، فيصنع معه ما هو صانع مع ولدِه ، وكذلك المعلِّم له ضرْب اليتيم للمصلحة ، وقد أمر النَّبيُّ r بتأديب الصِّغار بالضَّرب على ترْك الصَّلاة ، فيدخل فيهم اليتيم .
اللهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم ارزقنا طاعتك ومحبتك وكل عمل يقربنا لرضاك برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك جنتك ونعوذ بك من نارك ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .
اللهم منّ علينا بصلاح أبنائنا ، اللهم أقر عيوننا بهدايتهم وصلاحهم واستقامتهم ، اللهم اجعلهم هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، اللهم وفقهم لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا ، هنيئًا مرئيًا ، سحًا مجللاً ، عامًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل ، اللهم تُسقي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق ، اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|