لِلْمِحْتَاْرِ ، بَيَاْنُ مَنْهَجِ اَلْأَخْيَاْرِ
اَلْحَمْدُ للهِ ، مُنْزِلُ اَلْكِتَاْبِ
وَمُسَبِّبُ اَلْأَسْبَاْبِ ، قَاْلَ فِيْ كِتَاْبِهِ : } إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ، وَمَا اخْتَلَفَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ
بَغْيًا بَيْنَهُمْ ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ
سَرِيعُ الْحِسَابِ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ
وَجْهِهِ، وَبِعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، يَقْبَلُ اَلْتَّوْبَةَ مِنْ عِبَاْدِهِ وَهُوَ
اَلْتَّوَّاْبُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ
لَهُ ، } أَنَّمَا
هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ، أَرْسَلَهُ بِاَلْهُدَىْ وَدِيْنِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَىْ اَلْدِّيْنِ كُلِّهِ
، وَلَوْ كَرِهَ كُلُّ مُبْتَدِعٍ كَذَّاْبٍ . صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىْ اَلْآلِ
وَاَلْأَصْحَاْبِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْبَعْثِ
وَاَلْحِسَاْبِ .
أَمَّاْ
بَعْدُ ، عِبَاْدَ اَللهِ :
اِتَّقُوْا اَللهَ U ، وَاَعْمَلُوْا
بِمَاْ وَصَّاْكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَاَتَّقُوْا اَللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ - جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ
مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ
حَدِيْثٍ رَوَاْهُ أَبُوْ دَاْوُدَ وَاَلْتِّرْمِذِيُّ وَقَاْلَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ
صَحِيْحٌ؛ (( إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ
مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ
وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ))، وَقَدْ يُشْكِلُ
أَوْ يَلْتَبِسُ عَلَىْ بَعْضِ اَلْنَّاْسِ، أَمْرُ مَنْ وَقَعَ بِاِلْاِخْتِلَاْفِ
اَلْكَثِيْرِ وَاَلْخَطِيْرِ، اَلَّذِيْ حَذَّرَ مِنْهُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ، وَخَاْصَةً ـ أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّنَاْ فِيْ زَمَنٍ فِيْهِ خَفَّ مِيْزَاْنُ اَلْفِقْهِ فِيْ
اَلْدِّيْنِ، وَقَلَّ طَلَبُ اَلْعِلْمِ فِيْ شَرْعِ رَبِّ اَلْعَاْلَمِيْنَ، فَاَنْتَشَرَتْ
اَلْبِدَعُ، وَكَثُرَ أَهْلُهَاْ فِيْ مُجْتَمَعَاْتِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، حَتَّىْ
صَاْرَتْ -وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ- بَعْضُ اَلْبِدَعِ سُنَنَاً وَعِبَاْدَةً
يُتَقَرَّبُ بِهَاْ إِلَىْ اَللهِ U، وَاَلْنَّتِيْجَةُ -أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ- اِنْسِيَاْقُ اَلْجَهَلَةِ وَرَاْءَ اَلْبِدَعِ وَأَهْلِهَاْ،
وَاَلْوُقُوْعُ بِمَاْ خَشِيَ مِنْهُ اَلْنَّبِيُّ e عَلَىْ أُمَّتِهِ .
أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ :
لَقَدْ بَيَّنَ لَنَاْ اَلْنَّبِيُّ
e فِيْ
اَلْحَدِيْثِ، طَرِيْقَ اَلْسَّلَاْمَةِ وَاَلْنَّجَاْةِ مِنْ اَلْاِخْتِلَاْفِ
اَلْكَثِيْرِ وَقَاْلَ: (( فَعَلَيْكُمْ
بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا
عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ))، وَاَلْكَاْرِثَةُ أَنَّ اَلْمُخَاْلِفِيْنَ
لِسُنَّتِهِ e وَسُنَّةِ خُلَفَاْئِهِ -رَضِيَ اَللهُ
عَنْهُمْ- لَاْ يَعْتَرِفُوْنَ بِمُخَاْلَفَتِهِمْ، بَلْ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ
هُمُ أَتْبَاْعُ اَلْنَّبِيِّ e، اَلْعَاْضِيْنَ بِاَلْنَّوَاْجِذِ عَلَىْ
سُنَّتِهِ وَسُنَّةِ خُلَفَاْئِهِ، بَلْ يَذْهَبُوْنَ إِلَىْ أَبْعَدَ مِنْ
ذَلِكَ، فَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ هُمُ اَلَّذِيْنَ عَلَىْ مَاْ كَاْنَ عَلَيْهِ
اَلْنَّبِيُّ e وَأَصْحَاْبُهُ، فَهَاْهُمْ -أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- بَعْضُ اَلْمُسْلِمِيْنَ يَجْلِدُوْنَ أَنْفُسَهُمْ بِاَلْسَّلَاْسِلِ حَتَّىْ تَسِيْلَ
دِمَاْؤُهُمْ، وَيَتَقَرَّبُوْنَ إِلَىْ اَللهِ بِذَلِكَ، وَهَاْهِيَ فِئَةٌ مِنْ
اَلْمُسْلِمِيْنَ، يُزْهِقُوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَيَنْتَحِرُوْنَ، لِإِزْهَاْقِ أَرْوَاْحِ
إِخْوَاْنِهِمْ
، وَيَتَقَرَّبُوْنَ إِلَىْ اَللهِ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ
-أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- بَعْضُ اَلْجَمَاْعَاْتِ، مِنْ مَبَاْدِئِهَاْ اَلْفَاْسِدَةِ،
عَدْمُ اَلْسَّمْعِ وَاَلْطَّاْعَةِ إِلَّاْ لِمُرْشِدِهِمْ، أَوْ مَنْ يُنِيْبُهُ
عَلَيْهِمْ، وَمِثْلُهُمْ وِفِيْ خَطِّ سَيْرِهِمْ اَلَّذِيْنَ يَطْعَنُوْنَ فِيْ
اَلْثِّقَاْتِ مِنْ اَلْعُلَمَاْءِ وَاَلْدُّعَاْةِ، وَمِثْلُهُمْ وَأَكْثَرُ سُوْءَاً
مِنْهُمْ، مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْسُّنَّةِ، وَمَرْجِعُهُ أَهْلُ اَلْمَزَاْرَاْتِ
وَاَلْأَضْرِحَةِ وَاَلْقُبُوْرِ. وَلَوْ سَأَلْتَ كُلَّ وَاْحِدٍ مِنْ هَؤُلَاْءِ،
لَقَاْلَ لَكَ: إِنَّنَاْ عَلَىْ مَنْهَجِ اَلْنَّبِيِّ e، وَمَنْهَجِ أَصْحَاْبِهِ وَأَتْبَاْعِهِ!
فَكَيْفَ نَعْرِفُ هَؤُلَاْءِ ـ أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ ـ ؟، كَيْفَ نُمَيِّزُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ اَلْمَنْهَجِ اَلْصَّحِيْحِ، اَلَّذِيْنَ هُمْ كَمَاْ ذَكَرَ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ حَدِيْثِ اَلْفِرْقَةُ اَلْنَّاْجِيَةُ،
أَهْلُ اَلْسُّنَّةِ وَاَلْجَمَاْعَةِ، حِيْنَمَاْ قَاْلَ فِيْ حَدِيْثِ اِفْتِرَاْقِ
اَلْيَهُوْدِ عَلَىْ إِحْدَىْ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةٍ، وَاْحِدَةٌ نَاْجِيَةٌ
وَاَلْبَقِيَّةُ فِيْ اَلْنَّاْرِ، وَاَلْنَّصَاْرَىْ عَلَىْ اِثْنَتِيْنِ
وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةٍ، وَاْحِدَةٌ نَاْجِيَةٌ وَاَلْبَقِيَّةُ فِيْ اَلْنَّاْرِ،
وَاَلْمُسْلِمُوْنَ عَلَىْ ثَلَاْثٍ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةٍ، وَاْحِدَةٌ فِيْ
اَلْجَنَّةِ وَاَلْبَقِيَةُ فِيْ اَلْنَّاْرِ، فَلَمَّاْ سُئِلَ e عَنْ
تِلْكَ اَلْنَّاْجِيَةِ مِنْ فِرَقِ أُمَّتِهِ
قَاْلَ: (( مَنْ كَانَ عَلَى
مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي ))، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ: (( هُمُ اَلْجَمَاْعَة )) .
فَكُلُّ مَنْ خَاْلَفَ مَاْ كَاْنَ عَلَيْهِ اَلْنَّبِيُّ e
وَأَصْحَاْبُهُ، فَهُوَ هَاْلِكٌ لَاْ مَحَاْلَه، كَمَاْ قَاْلَ e: (( قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَىْ اَلْبَيْضَاْءِ
لَيْلُهَاْ كَنَهَاْرِهَاْ لَاْ يَزِيْغُ عَنْهَاْ بَعْدِيْ إِلَّاْ هَاْلِكٌ ))
.
أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ :
يَقُوْلُ اَلْإِمَاْمُ مَاْلِكٌ -
رَحِمَهُ اَللهُ -: مَنْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ شَيْئًا، لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ سَلَفُهَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ e خَانَ الدِّينَ؛ لِأَنَّ
اللهَ U يَقُولُ: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ{ ، فَمَا لَمْ يَكُنْ
يَوْمَئِذٍ دِينًا لَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا. فَمِمَّاْ يُعْرَفُ بِهِ
اَلْجَمَاْعَاْتِ اَلْضَّاْلَةِ اَلْمُبْتَدِعَةِ، اِسْتِحْدَاْثُهُمْ لِأَشْيَاْءَ
لَمْ تَكُنْ عَلَىْ عَهْدِ اَلْنَّبِيِّ e وَلَاْ عَهْدِ أَصْحَاْبِهِ، إِنَّمَاْ هِيَ
مُحْدَثَةٌ، يَعْتَمِدُوْنَ فِيْهَاْ عَلَىْ أَقْوَاْلِ رُؤَسَاْئِهِمْ وَأُمَرَاْئِهِمْ
وَقَاْدَتِهِمْ وَمُرْشِدِيْهِمْ، فَقَوُلُ أَحَدِ هَؤُلَاْءِ عِنْدَهُمْ ، يُقَدِّمُوْنَهُ
عَلَىْ اَلْآيَةِ مِنْ كِتَاْبِ اَللهِ U، وَعَلَىْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ اَلْصَّرِيْحِ
مِنْ أَقْوَلِ اَلْنَّبِيِّ e، لِأَنَّهُمْ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- لَاْ
يَعْمَلُوْنَ اَلْأَعْمَاْلَ مِنْ أَجْلِ اَلْدَّلِيْلِ ، إِنَّمَاْ يُحَاْوُلُوْنَ
إِيْجَاْدَ اَلْدَّلِيْلِ مِنْ أَجْلِ أَعْمَاْلِهِمْ، فَإِذَاْ كَاْنَ اَلْعَمَلُ
تَقْتَضِيْهِ قَوَاْعُدُ مَنْهَجِهِمْ، وَيَأْمُرُ بِهِ كُبَرَاْؤُهُمْ، وَتَسْتَحِبُهُ
جَمَاْعَتُهُمْ أَوْ حِزْبُهُمْ، طَفِقُوْا جَاْدِّيْنَ، لِإِيْجَاْدِ دَلِيْلٍ يُؤَيِّدُ
مَذْهَبَهُمْ ، وَيَنْصُرُ مَنْهَجَهُمْ، حَتَّىْ وَلَوْ كَاْنَ بِاَلْتَّأْوُيْلِ
اَلْخَاْطِئِ، أَوْ بِلَيِّ عُنُقِهِ، وَهَكَذَاْ هُمْ أَهْلُ اَلْبِدَعِ.
فَهَذِهِ عَلَاْمَةٌ يُعْرَفُ بِهَاْ
أَهْلُ اَلْبِدَعِ ، أَمَّاْ أَهْلُ اَلْسُّنَّةِ وَاَلْجَمَاْعَةِ، وَاَلْفِرْقَةُ
اَلْنَّاْجِيَةُ، وَاَلْطَّاْئِفَةُ اَلْمَنْصُوْرَةُ، فَمَاْ قَاْلَهُ اَللهُ تَعَاْلَىْ
، وَمَاْ صَحَّ عَنْ رَسُوْلِهِ e، وَمَاْ كَاْنَ عَلَيْهِ خُيْرُ اَلْقُرُوْنِ،
فَإِنَّهُ اَلْمَعْمُوْلَ بِهِ وَإِنْ خَاْلَفُوْا بِذَلِكَ كُلَّ مُخَاْلِفٍ .
وَمِنْ عَلَاْمَاْتِ أَهْلِ اَلْبِدَعِ،
اَلَّذِيْنَ هُمْ لَيْسُوْا عَلَىْ مَنْهَجِ اَلْنَّبِيِّ e وَلَاْ أَصْحَاْبِهِ،
اَلْدَّعْوَةُ إِلَىْ أَنْفُسِهِمْ، دَعْوَتُهُمْ لَيْسَتْ إِلَىْ اَللهِ وَرَسُوْلِهِ،
إِنَّمَاْ هِيَ إِلَىْ أَحْزَاْبِهِمْ وَجَمَاْعَاْتِهِمْ ، فَاَلْمُهِمُّ عِنْدَهُمْ
أَنْ يُكَثِّرَ مَنْ يَدْعُوْنَ سَوَاْدَهُمْ، وَيُوَاْفِقَهُمْ عَلَىْ مَنْهَجِهِمْ،
وَقَدْ يَتَّفِقُوْنَ فِيْمَاْ بَيْنَهُمْ عَلَىْ مُحَاْرَبَةِ أَهْلِ اَلْسُّنَّةِ
وَاَلْجَمَاْعَةِ، فَتَجِدُهُمْ لِلْمُخَاْلِفِيْنَ مِنْ أَمْثَاْلِهِمْ يَقُوْلُوْنَ:
كُلٌّ عَلَىْ ثَغْرَةٍ، وَلَكِنْ عِنْدَمَاْ يُذْكَرُ أَهْلُ اَلْمَنْهَجِ اَلْصَّحِيْحِ،
تَجِدُهُمْ يَنْعِتُوْنَهُمْ بِمَاْ يُنَفِّرُ مِنْهُمْ، وَيُبْعِدُ اَلْسُّفَهَاْءَ
عِنْهُمْ ، فَمَثَلَاً يَرْمُوْنَهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ دُعَاْةِ اَلْسَّلَاْطِيْنَ، وَمِنْ أَذْنَاْبِ اَلْحُكُوْمَاْتِ، أَوْ مِمَّنْ يُوَاْلِيْ اَلْيَهُوْد .
وَهَذَاْ -أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ-
يَجْعَلُنَاْ نَذْكُرُ اَلْعَلَاْمَةَ اَلْخَطِيْرَةَ مِنْ عَلَاْمَاْتِ اَلْمُخَاْلِفِيْنَ
لِأَهْلِ اَلْسُّنَّةِ وَاَلْجَمَاْعَةِ، أَلَّاْ وَهِيَ عَدَاْوَةُ وَلَاْةِ اَلْأَمْرِ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْلِنُ ذَلِكَ صَرَاْحَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُ اَلْتُّقْيَةَ
فِيْ ذَلِكَ، وَاَلْدَّلِيْلُ أَنَّ كُلَّ جَمَاْعَةٍ مِنْ اَلْجَمَاْعَاْتِ، مَاْهِيَ
إِلَّاْ دَوْلَةٌ دَاْخِلَ دَوْلَةٍ، لَهَاْ أُمَرَاْءُ، وَمُسْتَشَاْرُوْنَ، وَاَجْتِمَاْعَاْتٍ
دَوْرِيَّةٍ سِرِّيَةٍ، وَأَفْرَاْدُهَاْ لَهُمْ رِتَبٌ وَمَرَاْتِبٌ وَمَنَاْزِل،
وَلَهَاْ مُوَجِّهُوْنَ وَمُخَطِّطُوْنَ مِنْ دَاْخِلِ اَلْبِلَاْدِ
وَخَاْرِجِهَاْ ، فَاَلْسَّمْعُ وَاَلْطَّاْعَةُ اَلَّذِيْ ذَكَرَ اَلْنَّبِيُّ e وَقَاْلَ:
(( وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ
)) عِنْدَ جَمِيْعِ اَلْجَمَاْعَاْتِ وَاَلْأَحْزَاْبِ تَكُوْنُ لِغَيْرِ مَنْ
وَلَّاْهُ اَللهُ اَلْأَمْرَ بِبَيْعَةِ اَلْنَّاْسِ اَلْمُعْلَنَة، هَذِهِ حَقِيْقَةٌ
-أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- فَاَعْرِفُوْا بِهَاْ اَلْفِرَقَ اَلْمُخَاْلِفَةَ اَلْهَاْلِكَةَ
.
أسْأَلُ اَللهَ
أَنْ يَهْدِيَ ضَاْلَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَنْ يَجْعَلَنَاْ مِنْ اَلْفُقَهَاْءِ
بِهَذَاْ اَلْدِّيْن، اَلْمُتَمَسِّكِيْنَ بِكِتَاْبِهِ اَلْعَاْمِلِيْنَ بِسُنَّةِ
نَبِيِّهِ e ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ
وَأَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ
اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ
، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً
لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ
رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً
كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ
بَعْدُ ، أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَمِمَّاْ يَتَمَيَّزُ بِهِ اَلْمُخَاْلِفُوْنَ
لِمَنْهَجِ أَهْلِ اَلْسُّنَّةِ وَاَلْجَمَاْعَةِ، وَخَاْصَةً فِيْ زَمَاْنِنَاْ هَذَاْ،
غِيْبَةُ وُلَاْةِ اَلْأَمْرِ مِنْ اَلْأُمَرَاْءِ وَاَلْعُلَمَاْءِ، وَاَلْطَّعْنُ
فِيْ وُلَاْيَتِهِمْ، وَعَدَمُ اَلْاِعْتِرَاْفِ بِهِمْ، وَلَاْ شَكَّ -أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ- أَنَّ اَلْغِيْبَةَ كَبِيْرَةٌ مِنْ اَلْكَبَاْئِرِ، وَلَكِنَّهَاْ
فِيْ حَقِّ وُلَاْةِ اَلْأَمْرِ أَكْبَرُ وَأَضَرُّ وَأَخْطَرُ، يَقُوْلُ اَلْشِّيْخُ
اِبْنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اَللهُ: اَلْأُمَرَاْءُ وَوُلَاْةُ اَلْأُمُوْرِ، لَيْسَتْ
غِيْبَتَهُمْ كَغِيْبَةِ غَيْرِهِمْ ، وَلَيْسَتْ غِيْبَةَ غَيْرِهِمْ كَغِيْبَتِهِمْ؛
لِأَنَّكَ إِذَاْ اِغْتَبْتَ وُلَاْةَ اَلْأُمُوْرِ أَوْ نَشَرْتَ مَعَاَيَبَهُمْ
بَيْنَ اَلْنَّاْسِ كَرِهَهُمْ اَلْنَّاْسُ، وَصَاْرُوْا إِذَاْ أَمَرُوْا بِاَلْحَقِّ
قَاْلَ اَلْنَّاْسُ: هَذَاْ بَاْطِلٌ ، وَتَمَرَّدُوْا عَلَيْهِمْ، وَمَاْذَاْ يَحْصُلُ
لِلْأُمَّةِ إِذَاْ تَمَرَدَتْ عَلَىْ أُمَرَاْئِهَاْ !؟ تَحْصُلُ اَلْفَوْضَىْ، وَرُبَّمَاْ
يَصِلُ اَلْأَمْرُ إِلَىْ أَنْ تَسِيْلَ اَلْدِّمَاْءُ، وَلَاْ يَخْفَىْ عَلَيْنَاْ
جَمِيْعًا مَاْ وَقَعَ فِيْ بَعْضِ اَلْبِلَاْدِ اَلْعَرَبِيَّةِ بِنَاْءً عَلَىْ
هَذَاْ، وَاَلْوَاْجِبُ عَلَيْنَاْ إِذَاْ سَمِعْنَاْ وَتَأَكَّدْنَاْ عَنْ اَلْأُمَرَاْءِ
مَاْ لَاْ يَنْبَغِيْ أَنْ نُنَاْصِحَهُمْ، أَنْ نَبْذُلَ لَهُمُ اَلْنَّصِيْحَةَ،
كَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ: (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا:
لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ
الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )).
فَهَؤُلَاْءِ -أَعْنِيْ اَلْجَمَاْعَاْتِ
وَاَلْأَحْزَاْبَ- يَغْتَاْبُوْنَ اَلْأُمَرَاْءَ وَيَلْمِزُوْنَ اَلْعُلَمَاْءَ، لِأَنَّ
لَهُمْ أُمَرَاْءُ خَاْصِّيْنَ، وَعُلَمَاْءُ مَعْرُوْفِيْنَ، فَأَمِيْرُهُمْ اَلْمُنَظِّرُ
لَهُمْ، وَمَنْ يَرْجُعُوْنَ إِلَيْهِ فِيْ قَوَاْنِيْنِ جَمَاْعَتِهِمْ أَوْ حِزْبِهِمْ،
وَعُلَمَاْؤُهُمْ كُبَرَاْؤُهُمْ وَسَاْدَتُهُمْ ، فَاَلْوَاْحِدُ عِنْدَهُمْ مِنْ
هَؤُلَاْءِ، هُوَ اَلْعَاْلِمُ اَلْمُجَاْهِدُ، اَلَّذِيْ لَاْ تَأْخُذُهُ فِيْ اَللهِ
لَوْمَةُ لَاْئِمٍ، أَمَّاْ غَيْرُهُ - وَخَاْصَةً مِمَّنْ هُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْسُّنَّةِ
وَاَلْجَمَاْعَةِ بِحَقٍ- فَهُوَ اَلْجَبَاْنُ اَلَّذِيْ لَاْيَفْقَهُ شَيْئَاٍ مِنْ
اَلْوَاْقِعِ، اَلَّذِيْ لَاْ تُؤَثِّرُ فِيْهِ جَرَاْحَاْتُ اَلْأُمَّةِ ، وَلَاْ
يَأْبَهُ لِمَشَاْكِلِهَاْ .
هَذِهِ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- مِنْ
عَلَاْمَاْتِ اَلْمُخَاْلِفِيْنَ لِمَنْهَجِ أَهْلِ اَلْسُّنَّةِ وَاَلْجَمَاْعَةِ،
فَلْنَحْذَرْهُمْ وَنُحَذِّرَ مِنْهُمْ، وَلَيْكُنْ وَلَاْءُ اَلْمُسْلِمِ لِدِيْنِهِ،
وَاَتِّبَاْعُهُ لِمَاْ كَاْنَ عَلَيْهِ نَبِيُّهُ e وَأَصْحَاْبُهُ -رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ- .
أَلَاْ وَصَلُّوْا
عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ، فَقَدْ
أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ
عَلِيْمَا: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ،
يَقُوْلُ e: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ))، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ على عَبْدِك ورَسُوْلِك مُحَمَّدٍ
وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن، وَاَرْضَ اَلْلَّهُمَّ عَنِ
اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ
إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ
أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ. اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ،
وَأَذِلَّ اَلْشِّرْكَ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ، وَدَمِّرَ أَعْدَاْءَكَ أَعْدَاْءَ اَلْدِّيْنِ،
اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْحُوْثِيِيْنَ وَأَسْيَاْدِهِمْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ،
وَكُلَّ مَنْ عَاْدَىْ هَذَاْ اَلْبَلَدِ اَلْأَمِيْن، اَلْلَّهُمَّ وُفِّقَ
وَلِيَ أَمْرِنَاْ -خَاْدِمَ اَلْحَرَمَيْنَ اَلْشَّرِيْفِيْنِ- لِمَاْ تُحِبُّ
وَتَرْضَىْ، اَلْلَّهُمَّ اُنْصُرْ بِهِ اَلْدِّيْنَ، وَاَجْمَعْ عَلَىْ يَدِيْهِ
كَلِمَةَ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
} رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
{ فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: