مِنْ بِدَعِ اَلْمُجْتَمَعِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ،
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
}
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { ، }
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا {
.
أَمَّا
بَعْدُ : فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ
اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ e ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ
مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى
النَّارِ .
أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
سَبَقَ اَلْحَدِيْثُ عَنْ خَطَرِ
اَلْبِدَعِ ، وَمَاْ يَفْعَلُهُ اَلْمُبْتَدِعَةُ فِيْ شَهْرِ رَجَبَ، وَتَنْقُلُهُ
وَتُزَيِّنُهُ بَعْضُ وَسَاْئِلِ اَلْإِعْلَاْمِ، اَلَّتِيْ صَاْرَتْ مَصْدَرَ
فَسَاْدٍ وَإِفْسَاْدٍ فِيْ مُجْتَمَعَاْتِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَمَعَاْوُلَ هَدْمٍ
فِيْ اَلْقِيَمِ وَاَلْأَخْلَاْقِ وَاَلْدِّيْنِ، وَلَاْ شَكَّ -أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ- أَنَّ اَلْجَهْلَ فِيْ شَرْعِ اَللهِ U، مِنْ أَسْبَاْبِ اِنْتِشَاْرِ اَلْبِدَعِ، فَأَكْثَرُ
اَلْمُجْتَمَعَاْتِ بِدَعَاً، أَقَلُّهَاْ عِلْمَاً فِيْ اَلْدِّيْنِ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ
رَوَاْهُ مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ (( إِنَّ اللهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ
مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ، فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ
مَعَهُمْ، وَيُبْقِي فِي النَّاسِ رُءُوسًا جُهَّالًا ، يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ
عِلْمٍ ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ ))، فَاَلْجَهْلُ فِيْ اَلْدِّيْنِ،
مِنْ أَخْطَرِ وَأَضَرِّ مَاْ يُوْجَدُ فِيْ مُجْتَمَعَاْتِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَيَزْدَاْدُ
اَلْخَطَرُ خَطَرَاً، وَاَلْضَّرَرُ ضَرَرَاً، عِنْدَمَاْ يُوْجَدُ فِي النَّاسِ
رُءُوسًا جُهَّالًا، يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يَضِلُّوْنَ بِأَنْفُسِهِمْ وَيُضِلُّوْنَ
جَهَلَةَ اَلْمُسْلِمِيْنَ :
وَمَنْ يَكُنِ اَلْغُرَاْبُ لَهُ دَلِيْلَاً
يَمُرُّ بِهِ عَلَىْ جِيَفِ اَلْكِلَاْبِ .
فِيْ حِلْيَةِ اَلْأَوْلِيَاْءِ، أَنَّ
رَجُلَاً أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ t، أَنَّ قَوْمًا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ
الْمَغْرِبِ، فِيهِمْ رَجُلٌ يَقُولُ: كَبِّرُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا، سَبِّحُوا
اللهَ كَذَا وَكَذَا، وَاحْمَدُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ
مَسْعُودٍ: فَيَقُولُونَ!. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَأْتِنِي
فَأَخْبِرْنِي بِمَجْلِسِهِمْ. فَأَتَاْهُمْ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَهُ فَجَلَسَ،
فَلَمَّا سَمِعَ مَا يَقُولُونَ قَامَ، وَكَانَ رَجُلًا حَدِيْدًا، فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَاللهِ
الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، أَوْ لَقَدْ
فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ e عِلْمًا. فَقَالَ مِعْضَدٌ:
وَاللهِ مَا جِئْنَا بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، وَلَا فَضَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ
عِلْمًا. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
نَسْتَغْفِرُ اللهَ. قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ ، فَوَاللهِ
لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ
يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا .
فَاَلْعَمَلُ اَلَّذِيْ لَيْسَ
عَلَيْهِ دَلِيْلٌ مِنْ اَلْكِتَاْبِ أَوْ اَلْسُّنَّةِ بِدْعَةٌ، حَتَّىْ لَوْ رَآهُ
صَاْحِبُهُ غَيْرَ ذَلِكَ، أَوْ زَيَّنَهُ لَهُ مُبْتَدِعٌ تَتَحَكَّمُ بِهِ شُبُهَاْتُهُ
وَشَهَوَاْتُهُ، وَمَاْ أَكْثَرَ اَلْبِدَعِ اَلَّتِيْ صَاْرَتْ سُنَنَاً عِنْدَ بَعْضِ
اَلْنَّاْسِ، لِجَهْلِهِمْ صَاْرَوْا يَتَقَرَّبُوْنَ إِلَىْ اَللهِ U بِهَاْ، بَلْ
يَدْعُوْنَ إِلَيْهَاْ، وَيُوَاْلُوْنَ وَيُعَاْدُوْنَ مِنْ أَجْلِهَاْ، وَعَلَىْ
سَبِيْلِ اَلْمِثَاْلِ، أُنَاْسٌ يَجْتَمِعُوْنَ كَاِجْتِمَاْعِ أَصْحَاْبِ اِبْنِ
مَسْعُوْدٍ، يَجْتَمِعُوْنَ حِلَقَاً، يَقْرَأُوْنَ مِنْ سُوْرَةِ قُرَيْشِ إِلَىْ
سُوْرَةِ اَلْنَّاْسِ، بِاَلإضَاْفَةِ إِلَىْ سُوْرَةِ اَلْفَاْتِحَةِ، وَلَاْ
يَتَجَاْوَزُوْنَ ذَلِكَ طُوْلَ أعْمَاْرِهِمْ، حَتَّىْ لَوْ كَاْنَ مِنْ بَيْنِهِمْ
مَنْ يَحْفَظْ كِتَاْبَ اَللهِ U كَاْمِلَاً ، وَيَمْنَعُوْنَ اَلْحَدِيْثَ
عَنْ اَلْتَّوْحِيْدِ وَأَقْسَاْمِهِ، وَكَذَلِكَ اَلْفِقْهِ وَأَحْكَاْمِهِ، اَلْفِقْهُ
اَلَّذِيْ فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَىْ إِرَاْدَةِ اَللهِ U اَلْخَيْرَ فِيْ عِبَاْدِهِ، (( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) كَمَاْ قَاْلَ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، مِنْ
اَلْمَمْنُوْعَاْتِ بَيْنَهُمْ. وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ يَجْهَلُوْنَ كَثِيْرَاً مِنْ
أَحْكَاْمِ اَلْدِّيْنِ، وَمِمَّاْ يَزِيْدُ اَلْطِّيْنَ بِلَّةً، زَعْمُهُمْ
وَاَعْتِبَاْرُهُمْ لِأَنْفِسِهِمْ أَنَّهُمْ دُعَاْةً إِلَىْ اَلْدِّيْنْ،
وَهُمْ فِيْ اَلْحَقِيْقَةِ مِنْ أَجْهَلِ اَلْنَّاْسِ بِهِ.
فَاَلْفِقْهُ مِن اَلْمَحْظُوْرَاْتِ
فِيْ مَجَاْلِسِهِمْ، وَمِثْلُهُ اَلْأَمْرُ بِاَلْمَعْرُوْفِ، وَمِثْلُهُ اَلْنَّهْيُ
عَنْ اَلْمُنْكَرِ، فَلَاْ مَجَاْلَ لِذَلِكَ فِيْ دَعْوَتِهِمْ، وَلَاْ فِيْ
مُنْتَدَيَاْتِهِمْ وَاَجْتِمَاْعَاْتِهِمْ، بَلْ يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ ذَلِكَ يُفَرُّقُ
اَلْأَمَّةَ، لَاْبَاْرَكَ اَللهُ فِيْ أُمَّةٍ يُفَرُّقُهَاْ أَمْرٌ نَاْلَتِ اَلْخَيْرِيَّةَ
بِهِ، } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ { .
نَعْمَ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ -
اَلْأَمْرُ بِاَلْمَعْرُوْفِ ، وَاَلْنَّهْيُّ عَنْ اَلْمُنْكَرِ، يُفَرِّقُ جَمَاْعَتَهُمْ،
اَلَّتِيْ يَجْتَمِعُ فِيْهَاْ اَلْمُشْرِكُوْنَ مَعَ اَلْفُسَّاْقِ
وَاَلْمُجْرِمِيْنَ وَمَعَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ مِنْ اَلْصُّوْفِيِّيْنِ، وَلَنْ يَجْتَمِعَ
اَلْنَّاْسُ إِلَّاْ إِذَاْ كَاْنُوْا أَهْلَ سُنَّةٍ وَاَتِّبَاْعٍ لِلْمُصْطَفَىْ
e، }
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ
إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ { .
أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ :
وَمِنْ اَلْبِدَعِ اَلَّتِيْ صَاْرَتْ
قُرُبَاً عِنْدَ بَعْضِ اَلْنَّاْسِ ، مَاْ يُسَمُّوْنَهُ بَيْنَهُمْ بِاَلْخُرُوْجِ
فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ، وَيَسْتَدِلُّوْنَ عَلَيْهِ بِاَلْآيَاْتِ اَلَّتِيْ
فِيْهَاْ ذِكْرٌ لِلْخُرُوْجِ فِيْ كِتَاْبِ اَللهِ، وَيَفْعَلُوْنَهُ سِرَّاً
لَاْيَعْلَمُ بِهِ غَيْرُهُمْ، (( وَالإِثْمُ
مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ))،
وَقَدْ سُئِلَ فَضِيْلَةُ اَلْشَّيْخِ ؛ صَاْلِحُ اَلْفَوْزَاْن ، عَضُوُ هَيْئَةِ
كِبَاْرِ اَلْعُلَمَاْءِ، وَفَّقَهُ اَللهُ وَحَفِظَهُ وَرَعَاْهُ، عَنْ
خُرُوْجِهِمْ فَقَاْلَ: اَلْخُرُوْجُ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ لَيْسَ هُوَ اَلْخُرُوْجُ
اَلَّذِيْ يَعْنُوْنَهُ اَلْآنَ، اَلْخُرُوْجُ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ هُوَ اَلْخُرُوْجُ
لِلْغَزْوِ، أَمَّاْ مَاْ يُسَمُّوْنَهُ اَلْآنَ بِاَلْخُرُوْجِ فَهَذَاْ بِدْعَةٌ
لَمْ يَرِدْ عَنْ اَلْسَّلَفِ. وَخُرُوْجُ اَلْإِنْسَاْنِ يَدْعُوْ إِلَىْ اَللهِ،
غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ فِيْ أَيَّاْمٍ مُعَيَّنَةٍ ، بَلْ يَدْعُوْ إِلَىْ اَللهِ حَسَبَ
إِمْكَاْنِيَّتِهِ وَمَقْدِرَتِهِ ، بُدُوْنَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِجَمَاْعَةٍ، أَوْ
يَتَقَيَّدَ بِأَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
وَكَذَلِكَ مِمَّاْ يَجِبُ عَلَىْ اَلْدَّاْعِيَةِ،
أَنْ يَكُوْنَ ذَاْ عِلْمٍ، لَاْ يَجُوْزُ لِلْإِنْسَاْنِ أَنْ يَدْعُوَ إِلَىْ اَللهِ
وَهُوَ جَاْهِلٌ، قَاْلَ تَعَاْلَىْ : }
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ {، أَيْ: عَلَىْ عِلْمٍ ، لِأَنَّ
اَلْدَّاْعِيَةَ لَاْبُدَّ أَنْ يَعْرِفَ مَاْ يَدْعُوْ إِلَيْهِ، مِنْ وَاْجِبٍ وَمُسْتَحَبٍ
وَمُحَرَّمٍ وَمَكْرُوْهٍ، وَيَعْرِفَ مَاْ هُوَ اَلْشِّرْكُ وَاَلْمَعْصِيَةُ وَاَلْكُفْرُ
وَاَلْفُسُوْقُ وَاَلْعِصْيَاْنُ ، يَعْرِفُ دَرَجَاْتِ اَلْإِنْكَاْرِ وَكَيْفِيَّتَهُ
.
وَاَلْخُرُوْجُ اَلَّذِيْ يُشْغِلُ
عَنْ طَلَبِ اَلْعِلْمِ، أَمْرٌ بَاْطِلٌ، لِأَنَّ طَلَبَ اَلْعِلْمِ فَرِيْضَةٌ،
وَهُوَ لَاْ يَحْصُلُ إِلَّاْ بِاَلْتَّعَلُّمِ، لَاْ يَحْصُلُ بِاَلْإِلْهَاْمِ،
هَذَاْ مِنْ خَرَاْفَاْت اَلْصُّوْفِيَّةِ اَلْضَّاْلَةِ، لِأَنَّ اَلْعَمَلَ بُدُوْنِ
عِلْمٍ ضَلَاْلٍ، وَاَلْطَّمَعَ بِحُصُوْلِ اَلْعِلْمِ بِدُوْنِ تَعَلُّمٍ وَهْمٌ
خَاْطِئٌ . أ . هـ
فَاَتَّقُوْا اَللهَ، عِبَاْدَ
اَللهِ، وَاَحْذَرُوْا اَلْبِدَعَ وَأَهْلَ اَلْبِدَعِ، فَكُلُّ بِدْعَةٍ
ضَلَاْلَةٍ ، وَكُلُّ ضَلَاْلَةٍ فِيْ اَلْنَّاْرِ، أَعَاْذَنِيْ اَللهُ
وَإِيَّاْكُمْ مِنْ اَلْنَّاْرِ.
أَقُوْلُ قَوْلِيْ
هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ
اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ
، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً
لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ
رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً
كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ
بَعْدُ ، أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
لَقَدْ سَاْهَمَتْ وَسَاْئِلُ اَلْإِعْلَاْمِ،
وَبَرَاْمِجُ اَلْاِتِّصَاْلِ ، فِيْ نَشْرِ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْبِدَعِ فِيْ مُجْتمَعَاْتِ
اَلْمُسْلِمِيْنَ ، بَلْ سَاْهَمَتْ فِيْ هَدْمِ اَلْقِيَمِ وَاَلْأَخْلَاْقِ
وَاَلْدِّيْنِ، وَكَمَاْ قَاْلَ اَلْقَاْئِلُ: أَتَاْنِيْ هَوَاْهَاْ قَبْلَ أَنْ
أَعْرِفَ اَلْهَوَىْ
فَصَاْدَفَ قَلْبَاً
خَاْلِيَاً فَتَمَكَّنَاْ
وَجَدَتْ قُلُوْبَاً مِنْ اَلْتُّقَىْ
خَاْلِيَةً، وَنُفُوْسَاً مِنْ اَلْدِّيْنِ فَاْرِغَةً، فَتَمَكَّنَتْ مِنْ غَرْسِ
اَلْضَّلَاْلِ وَاَلْفَسَاْدِ وَاَلْاِنْحِرَاْفِ.
وَمِنْ ذَلِكَ اَلْاِحْتِفَاْلُ بِاَلْأَعْيَاْدِ
غَيْرَ اَلْشَّرْعِيَة، كَعِيْدِ اَلْأُمِّ وَاَلْحُبِّ وَاَلْزَّوَاْجِ
وَاَلْأَبْنَاْءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَاْ يُوْجَدُ فِيْ اَلْإِسْلَاْمِ إِلَّاْ
عِيْدَاْنِ اِثْنَاْنِ، وَهُمَاْ عِيْدُ اَلْفِطْرِ وَعِيْدُ اَلْأَضْحَىْ، وَمَاْ
عَدَاْ هَذِيْنِ اَلْعِيْدَيْنِ، فَأَعْيَاْدٌ وَمُنَاْسَبَاْتٌ مُحْدَثَةٌ ، لَاْ
يَجُوْزُ اَلْاِحْتِفَاْلُ بِهَاْ ، وَلَاْ اَلْمَعُوْنَةُ عَلَيْهَاْ بِمُشَاْرَكَةٍ
وَلَاْ تَهْنِئَةٍ وَلَاْ غَيْرِ ذَلِكَ .
وَمِنْ اَلْبِدَعِ أَيْضَاً -أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ- اَلْتَّعَبُّدُ بِاَلْتَّهْنِئَةِ بِيَوْمِ اَلْجُمُعَةِ، وَتَبَاْدُلُ
اَلْرَّسَاْئِلِ، كَقَوْلِهِمْ: جُمُعَةٌ مُبَاْرَكَةٌ ، وَاَعْتِقَاْدُ أَنَّ ذَلِكَ
مِمَّاْ يُقَرِّبُ مِنْ اَللهِ تَعَاْلَىْ، وَقَدْ سُئِلَ اَلْشَّيْخُ صَاْلِحُ اَلْفُوْزَاْن
-حَفِظَهُ اَللهُ وَرَعَاْهُ - عَنْ ذَلِكَ فَقَاْلَ: هَذَاْ لَاْ أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ
بِدْعَةٌ، لَاْ يَجُوْزُ اَلْتَّهْنِئَةُ بِيَوْمِ اَلْجُمُعَةِ، فَلَمْ يَرِدْ فِيْهِ
شَيْءٌ، وَلَيْسَ مِنْ عَمَلِ اَلْسَّلَفِ فَهُوَ مُبْتَدَعٌ .
وَمِنْ اَلْبِدَعِ أَيْضَاً -أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ- اَلْاِتِّفَاْقُ عَلَىْ عِبَاْدَةٍ مُعَيَّنَة، أَوْ عَلَىْ دُعَاْءٍ
مُعَيَّن، فِيْ وَقْتٍ مُعَيَن، فَلَاْ يُشْرَعُ تَحْدِيْدُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، لَمْ
يُحَدِّدْهُ اَلْشَّرْعُ، وَاَعْتِبَاْرُ ذَلِكَ قُرْبَةً، مِنْ اَلْمُحْدَثَاْتِ
اَلَّتِيْ حَذَّرَ مِنْهَاْ اَلْنَّبِيُّ e: (( وَخَيْرُ
اَلْهَدْيِّ هَدْيُّ مُحَمَّدٍ e،
وَشَرَّ اَلْأُمُوْرِ مُحْدَثَاْتُهَاْ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَاْلَةٍ )). وَقَدْ رَأَىْ سَعِيْدُ بِنُ اَلْمُسَيَّبَ - وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ
- رَأَىْ رَجُلَاً يُصَلِّيْ بَعْدَ طُلُوْعِ اَلْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتِيْنِ،
يُكْثِرُ فِيْهَاْ اَلْرُّكُوْعَ وَاَلْسُّجُوْدَ فَنَهَاْهُ، فَقَاْلَ: يَاْ أَبَاْ
مُحَمَّدٍ ، يُعَذِّبْنِيْ اَللهُ عَلَىْ اَلْصَّلَاْةِ ؟ قَاْلَ: لَاْ، وَلَكِنْ
يُعَذِّبُكَ عَلَىْ خِلَاْفِ اَلْسُّنَّةِ .
وَمِنْ اَلْبِدَعِ أَيْضَاً -أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ- اِسْتِعْمَاْلُ مَاْ يُسَمَّىْ بِخَاْتَمِ اَلْتَّسْبِيْحِ، اَلَّذِيْ
صَاْرَ شِبْهَ ظَاْهِرَةٍ بَيْنَ اَلْنِّسَاْءِ، وَقَدْ سُئِلَ اَلْشَّيْخُ صَاْلِحُ
اَلْفَوْزَاْن عَنْ خَاْتَمِ اَلْتَّسْبِيْحِ فَقَاْلَ : لَيْسَ لَلْتَّسْبِيْحِ خَاْتَمٌ
، سَبَّحْ اَللهَ بِلِسَاْنِكَ، وَإِذَاْ أَرْدَتَ تَعُدُّ اَلْتَّسْبِيْحَاْتِ بِأَصَاْبِعَكَ
فَلَاْ بَأْسَ.
فَاَتَّقُوْا
اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ، تَمَسَّكُوْا بِكَتَاْبِ رَبِّكُمْ، وَاَعْمَلُوْا
بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، وَاَحْذرُوْا اَلْبِدَعَ وَأَهْلَ اَلْبِدَعِ وَصَلُّوْا
عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ، فَقَدْ
أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ
عَلِيْمَا: } إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e: (( مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ
على عَبْدِك ورَسُوْلِك مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن، وَاَرْضَ
اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ
تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ
بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ. اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ
وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَذِلَّ اَلْشِّرْكَ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ ، وَدَمِّرَ أَعْدَاْءَكَ
أَعْدَاْءَ اَلْدِّيْنِ، اَلْلَّهُمَّ
عَلَيْكَ بِاَلْحُوْثِيِيْنَ وَأَسْيَاْدِهِمْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ ، وَكُلَّ مَنْ
عَاْدَىْ هَذَاْ اَلْبَلَدِ اَلْأَمِيْن، اَلْلَّهُمَّ وُفِّقَ وَلِيَ أَمْرِنَاْ
ـ خَاْدِمَ اَلْحَرَمَيْنَ اَلْشَّرِيْفِيْنِ ـ لِمَاْ تُحِبُّ وَتَرْضَىْ، اَلْلَّهُمَّ اُنْصُرْ بِهِ اَلْدِّيْنَ ،
وَاَجْمَعْ عَلَىْ يَدِيْهِ كَلِمَةَ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ
:
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ
نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |