تَنْبِيْهُ اَلْعِبَاْدِ إِذَاْ كَثُرَ
اَلْفَسَاْدُ
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْعَزِيْزِ
اَلْحَمِيْدِ، اَلْفَعَّاْلِ لِمَاْ يُرِيْدُ ، ذِيْ اَلْبَطْشِ اَلْشَّدِيْدِ ، } لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ {
. أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ؛
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ هُوَ سُبْحَاْنَهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ
لَهُ؛ } هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ {.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ،
وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ
اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U،
وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، فَهُوَ اَلْقَاْئِلُ فِيْ كِتَاْبِهِ: }
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ
أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {
. فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - جَعَلَنِيْ اَللهُ
وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
رَوَىْ اَلْتِّرْمِذِيُّ
وَأَبُوْ دَاْوُدَ وَاَبْنُ مَاْجَه، أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ e
قَاْلَ: (( إِنَّ
مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى
الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ
مِثْلَ عَمَلِكُمْ ))، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟! قَالَ : ((
بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )) .
فَمِنْ اَلْأُمُوْرِ
اَلْغَيْبِيَّةِ اَلَّتِيْ أَخْبَرَ بِهَاْ اَلْنَّبِيُّ e، وَيَجِبُ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِ أَنْ يُصَدِّقَ بِهَاْ : كَثْرَةُ اَلْفَسَاْدِ فِيْ
آخِرِ اَلْزَّمَاْنِ، فَكُلَّمَاْ قَرُبَ قِيَاْمُ اَلْسَّاْعَةِ، كُلَّمَاْ كَثُرَ
فَسَاْدُ اَلْنَّاْسِ، وَقَلَّ صَلَاْحُهُمْ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ، وَآخِرُ اَلْزَّمَاْنِ
- أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - قَدْ يَسْتَبْعِدهُ بَعْضُ اَلْنَّاْسِ، وَيَجْهَلُ أَنَّهُ
قَدْ بَدَأَ قَبْلَ أَكْثَرِ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعْمِائَةِ سَنَّةٍ، وَاَلْدَّلَيْلُ
عَلَىْ ذَلِكَ مَاْ رَوَاْهُ مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ جَابِرٍ t
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e،
إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى
كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيش يَقُوْلُ: ((
صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ )) وَيَقُولُ: (( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ)).
وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَابَةِ وَالْوُسْطَى .
اَلْشَّاْهِدُ - أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ - أَنَّهُ كُلَّمَاْ أَبْعَدَ زَمَنُ اَلْنَّبِيِّ e،
وَقُرُبَ قِيَاْمُ اَلْسَّاْعَةِ، كُلَّمَاْ كَثُرَ اَلْفَسَاْدُ وَاَنْتَشَرَ اَلْمُفْسِدُوْنَ،
وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ
اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْبُخَاْرِيُّ وَمُسْلِمٌ: (( خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ: (( خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ
وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا
يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ )) ، قَاْلَ اَلْشَّيْخُ اِبْنُ
عُثَيْمِيْنَ - رَحِمَهُ اَللهُ -: قَاْلَ أَهْلُ اَلْعِلْمِ: اَلْمُرَاْدُ أَنَّ
هَؤُلَاْءِ يَعْتَنُوْنَ بِأَسْبَاْبِ اَلْسِّمَنِ مِنْ اَلْمَطَاْعِمِ وَاَلْمَشَاْرِبِ
وَاَلْتَّرَفِ، فَيَكُوْنُ هَمُّهُمْ إِصْلَاْحُ أَبْدَاْنِهِمْ وَتَسْمِيْنِهَاْ.
أَمَّاْ اَلْسِّمَنُ اَلَّذِيْ لَاْ اِخْتِيَاْرَ لِلْإِنْسَاْنِ فِيْهِ، فَلَاْ
يُذَمُّ عَلَيْهِ ، كَمَاْ لَاْ يُذَمُّ اَلْإِنْسَاْنَ عَلَىْ كَوْنِهِ طَوُيْلَاً
أَوْ قَصِيْرَاً أَوْ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ ، لَكِنْ يُذَمُّ عَلَىْ شَيْءٍ يَكُوْنُ
هُوَ اَلْسَّبَبُ فِيْهِ .
وَمِمَّاْ يَدُلُّ
عَلَىْ كَثْرَةِ اَلْفَسَاْدِ وَاَلْمُفْسِدِيْنَ آَخِرَ اَلْزَّمَاْنِ، قَوُلُ
اَلْنَّبِيِّ e فِيْ صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِيِّ: (( يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ
فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَىْ حُثَالَةٌ كَحُثَالَةِ اَلْشَّعِيرِ أَوِ اَلْتَّمْرِ لَاْ
يُبَالِيهُمُ اللهُ بَالَةً ))، وَاَلْحُثَاْلَةُ هِيَ اَلْرَّدِيْءُ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَاْ يُبَاْلِيْهُمُ اَللهُ بَاْلَهُ، يَقُوْلُ اَلْخَطَّاْبِيُّ:
أَيْ لَاْ يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا، وَلَاْ يُقِيْمُ لَهُمْ وَزْنًا. وَفِيْ
صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِيِّ أَيْضَاً ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ e
فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ : (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ
اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ))
وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ e:
(( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ
))، وَيَأْجُوْجُ وَمَأْجُوْجُ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - اَلَّذِيْنَ
فُتِحَ مِنْ رَدْمِهِمْ ، أَهْلُ شَرِّ وَفَسَاْدٍ فِيْ اَلْأَرْضِ ، قَاْلَ
اَللهُ تَعَاْلَىْ عَنْهُمْ عَلَىْ لِسَاْنِ قَوْمِ ذِيْ اَلْقَرْنَيْنِ : } قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ، آتُونِي
زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا
حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ، فَمَا
اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا {، فَقَوْلُ اَلْنَّبِيِّ e:
(( فُتِحَ اَلْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ))، فَيْهِ دَلِيْلٌ عَلَىْ وُجُوْدِ
اَلْفَسَاْدِ اَلَّذِيْ أَفْزَعَهُ e
، وَمِنْ أَجْلِهِ اِحْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَاْلَ :
(( وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ
شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَمِمَّاْ يَزِيْدُ اَلْطِّيْنَ
بِلَّةً، أَنَّ اَلْفَسَاْدَ فِيْ آخِرِ اَلْزَّمَاْنِ يُرَىْ صَلَاْحَاً،
وَاَلْحَرَاْمَ حَلَاْلَاً - وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ - فَقَدْ رَوَىْ اَلْإِمَاْمُ
أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: (( إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ ، يُصَدَّقُ
فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا
الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ
)) ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ e:
(( السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي
أَمْرِ الْعَامَّةِ )). وَفِيْ سُنَنِ اِبْنِ مَاْجَه، وَصَحَّحَهُ
اَلْأَلْبَاْنِيُّ، يَقُوْلُ e: (( لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ
اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ ،
يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ
وَالْخَنَازِيرَ )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
إِنَّ إِخْبَاْرَ اَلْنَّبِيِّ e،
عَنْ كَثْرَةِ اَلْفَسَاْدِ فِيْ آَخِرِ اَلْزَّمَاْنِ، فِيْهِ حَثٌّ لِلْمُسْلِمِ
لِيُبَاْدِرْ اَلْأَعْمَاْلَ اَلْصَّاْلِحَةَ وَيَحْذَرْ اَلْفَسَاْدَ وَأَهْلَهُ،
وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْتِّرْمِذِيُّ
وَأَحْمَدُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: (( بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا
كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي
كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ
مِنَ الدُّنْيَا ))، فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ، وَاَحْرُصُوْا
عَلَىْ مَاْ يُرْضِىْ اَللهَ U،
كُوْنُوْا مِنْ اَلَّذِيْنَ قَاْلَ اَلْنَّبِيُّ e
فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: ((
لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي، أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ ، لَا يَضُرُّهُمْ
مَنْ خَذَلَهُمْ ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ
وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ))، فَلَاْ يَغُرُّكُمْ اِنْتِشَاْرُ اَلْفَسَاْدِ
وكَثْرَةُ اَلْمُفْسِدِيْنَ ، فَقَدْ قَاْلَ اَللهُ تَعَاْلَىْ: } وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ { ، وَقَاْلَ : } أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ {،
وَقَاْلَ: } وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
فَاسِقُونَ {
.
بَارَكَ اللَّهُ لِي
وَلَكَمَ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ
الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ
لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ
لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ
وَاَمْتِنَاْنِهِ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ
لَاْشَرِيْكَ لَهُ ، تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً
عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ
عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
إِنَّ كَثْرَةَ اَلْفَسَاْدِ وَاِنْتِشَاْرِهِ فِيْ
آخِرِ اَلْزَّمَاْنِ، مَاْهُوَ إِلَّاْ نَتِيْجَةٌ لِفَسَاْدِ أَهْلِهِ، وَظُهُورِ
اَلْفِتَنِ بَيْنَهُمْ، وَاَتِّبَاْعِ سَنَنِ اَلْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ
إِخَوَاْنِ اَلْقِرَدَةِ، وَاَلْضَّاْلِيْنَ عُبَّاْدِ اَلْصَّلِيْبِ، وَلِذَلِكَ
يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ
شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ
لَسَلَكْتُمُوهُ )) يَقُوْلُ اَلْرَّاْوُي: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ e: (( فَمَنْ )) يَعْنِيْ نَعَمْ هُمْ . وَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، رَوَاْهُ
مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ t،
عَنْ اَلْنَّبِيِّ e أَنَّهُ قَاْلَ: (( بَدَأَ اَلْإِسْلَاْمُ غَرِيْبَاً، وَسَيَعُوْدُ
غَرِيْبَاً كَمَاْ بَدَأَ، فَطُوْبَىْ لِلْغُرَبَاْءِ ))، زَاْدَ جَمَاْعَةٌ
مِنْ أَئِمَةِ اَلْحَدِيْثِ فِيْ رُوَاْيَةٍ أُخْرَىْ: قِيْلَ: يَاْ رَسُوْلَ اَللهِ،
مَنْ اَلْغُرَبَاْءُ؟ قَاْلَ: (( اَلَّذِيْ
يَصْلُحُوْنَ إِذَاْ فَسَدَ اَلْنَّاْسُ))، وَفِيْ لِفْظٍ آخَر: (( اَلَّذِيْنَ يُصْلْحُوْنَ مَاْ أَفْسَدَ
اَلْنَّاْسُ مِنْ سُنَّتِيْ ))، وَفِيْ لَفْظٍ آخَرٍ: (( هُمْ أُنَاْسٌ صَاْلِحُوْنَ قَلِيْلٍ فِيْ
أُنَاْسِ سُوْءٍ كَثِيْرٍ)). فَفِيْ هَذَاْ اَلْحَدِيْثِ وَرِوَاْيَاْتِهِ، دَلَيْلٌ عَلَىْ أَهَمِّيَةِ اَلْتَّمَسُّكِ بِاَلْكِتَاْبِ وَاَلْسُّنَّةِ،
وَاَلْعَمَلِ بِقَاْلَ اَللهُ U
وَقَاْلَ رَسُوْلُهُ e، وَفَهْمُ مَاْ جَاْءَ فِيْهِمَاْ كَمَاْ
فَهِمَهُ سَلَفُنَاْ اَلْصَّاْلِحُ، وَكَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {
يَقُوْلُ اِبْنُ كَثِيْرٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ: يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصْلِحُوا أَنْفُسَهُمْ، وَيَفْعَلُوا الْخَيْرَ
بِجُهْدِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ، وَمُخْبِرًا لَهُمْ أَنَّهُ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَهُ،
لَا يَضُرُّهُ فَسَادُ مَنْ فَسَدَ مِنَ النَّاسِ ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ
أَوْ بَعِيدًا.
أَلَاْ وَصَلُّوْا
عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ، فَقَدْ
أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ
عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا {
. وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e:
(( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً
وَاحِدَةً ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ))، فَاَلْلَّهُمَّ
صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ
آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَاَرْضَ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ
وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ
اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ
يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ
اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ اِنْصُرَ اَلْإِسْلَاْمَ وَأَعِزَّ
اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَحْمِ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً
مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ. اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ
أَمْنَنَاْ، وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ، وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ،
اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ، مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ،
بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|