عبودية
السجود الحمد لله الذي من علينا
بالإسلام ، ونور صدورنا بالإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق
والعصيان ، أحمده سبحانه على عظيم الفضل والامتنان ، وأشكره وأثني عليه الخير كله
على نعمة الركوع والسجود والقرآن ، فوالله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا
ولا صلينا ولا ركعنا ولا سجدنا . أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله ، خير من صلى وسجد وقام ، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه ،
وأصحابه الكرام ، وسلم تسليماً .. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي
سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون )) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون
)) .. أما بعد : عباد
الله :
السجود ، وما أدراكم ما السجود ، أقرب ما يكون العبد من ربه المعبود ، هو لذة
الخاشعين ، وأنس الصالحين ، ونعيم أرواح المحبين وسرورهم ، عبودية لله شريفة لها
حلاوة ،،، فهل تذوقنا حلاوة السجود ؟؟ . إننا
نسجد في يومنا وليلتنا في الصلوات الخمس ، أربعاً وثلاثين سجدة ، وفي سننها
الرواتب أربعاً وعشرين سجدة ،، فيا
عباد الله :
ثمان وخمسون سجدة ، ما نصيبنا من حلاوتها وروحانيتها والتمتع بالقرب من الرب
سبحانه ؟ . لقد
جعل الله في ختام كل ركعة من صلاتنا (سجدتين) بينهما جلسة انكسار وأدب بين يدي
الرب ، ركن مكرر في كل ركعة ، لتتغذى الروح أكثر من عبودية الخضوع ولن تشبع ،
وجُعل السجود في خاتمة الركعة ، فأصبح ما قبله من الأفعال والأقوال كالمقدمة بين
يديه . وعند
حصول السهو في الصلاة ، لا يجبر الخلل فيها إلا سجدتان قبل سلامها أو بعده . وعند
تلاوة القرآن ، وفي ختمِهِ يُتَمِّمُ الثواب خمس عشرة سجدة للرحمن . أيها
المسلمون :
سر عظيم قدر السجود ، أنه تتحقق فيه غاية الخضوع ، وغاية التذلل لعظمة الرب
المعبود سبحانه ، ويتحقق فيه الانكسار والاستكانة لله ما لا يتحقق في غيره من
العبوديات ، حيث ينعطف أعلى الجسد على أسفله فيسجد الوجه والجبهة والأنف ، وتسجد
اليدان والركبتان والرجلان ، ويُشرع أن يجافي فخذيه عن ساقيه ، وبطنه عن فخذيه ،
وعضديه عن جنبيه ، ليأخذ كل عضو وجزء منها حظه من الخضوع لله فلا يحمل بعضها بعضاً
، بل وحتى الشعر والثياب نُهي عن كفِّها حال الصلاة والسجود ، حتى تأخذ حظها أيضاً
من الخضوع بالسجود للمعبود جل جلاله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
أُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم ، ولا نكف شعراً ولا ثوباً ) رواه البخاري ، فإذا
سجد القلب وخضع مع خضوع الجسد وجوارحه ، بلغ العبد غاية العبودية وتحقيق التوحيد ،
وهو ما يحبه الله ويرضاه .. من أجل ذلك كان العبد وهو ساجد أقرب ما يكون لربه
العلي المجيد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو
ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم ، وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : (
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) . عباد
الله : وللسجود فضائل أخر .. منها : أن كثرته سبب لمرافقة النبي صلى الله
عليه وسلم في الجنة ، فلما قال ربيعة بن كعب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه
وسلم : أسألك مرافقتك في الجنة .. قال عليه الصلاة والسلام : ( فأعني على نفسك
بكثرة السجود ) رواه مسلم . ومنها
: أن السجود سبب لرفعة الدرجات في الجنات ، وحط الخطيئات ، فعن ثوبان رضي الله عنه
قال : قلت يا رسول الله : اخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة ، فقال عليه
الصلاة والسلام : ( عليك بكثرة السجود لله ، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله
بها درجة ، وحط عنك بها خطيئة ) رواه مسلم . ومنها
: أن في السجود إغاظة وتحزين للشيطان ، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال : (
إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويلي أمر ابن آدم
بالسجود فسجد فله الجنة وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار ) أخرجه مسلم . عباد
الله : وللسجود شأن وفضائل في الآخرة : فأمة محمد صلى الله عليه وسلم ( يأتون يوم
القيامة غراً من أثر السجود ، محجلين من آثار الوضوء ) كما في الترمذي بسند صحيح . وحرم الله على النار أن تأكل آثر السجود ، ( فإذا
أمر الله الملائكة أن يخرجوا من النار الموحدين الذين دخلوا النار ، تعرفهم
الملائكة بآثار السجود) رواه البخاري وعندما
يكشف ربنا عن ساقه يُدعى المسلمون للسجود وفيهم برهم وفاجرهم ، فلا يستطيع السجود
إلا المؤمن الذي كان يسجد لله في دنياه . وعندما
يشتد الكرب على الخلائق في عرصات القيامة ، يؤذن لسيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم بالسجود ، فيسجد تحت العرش ويفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحه عليه
من قبل ، ثم يؤذن له بالشفاعة في الخلائق فيبدأ فصل القضاء . أيها
المسلمون :
الخلائق كلهم يسجدون لله : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ )) . والملائكة
تسجد لله ، بل قال صلى الله عليه وسلم : ( أطَّت السماء وحُق لها أن تَئِطَّ – أي
ثقلت حتى خرج منها صوت أطيط - ما فيها موضع شبر – أو موضع أربع أصابع إلا وملك
واضع جبهته ساجداً لله يسبح الله بحمده ) الترمذي وحسنه الألباني . فما
حظي وحظك من سجود الخضوع ، سجود القرب والأنس والخشوع . اللهم اجعلنا من عبادك الساجدين الخاشعين المقربين . بارك الله لي
ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من المواعظ والحكمة ، وأستغفر الله
لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم . الخطبة الثانية الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ الرّحمنِ الرّحيمِ مَالكِّ يَومَ
الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أنَّ
محمدًا خاتم النبيّين وأفضل المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين
وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد : عباد
الله :
بعدما علمتم فضائل السجود .. هل يليق بمؤمن علم .. أن ينقر سجوده كنقر الغراب ، أو
يستثقل إطالته ، أو يخل بالسجود على أعضائه السبعة ؟؟ وهو يعلم أنه في أشرف حال ،
وأقرب ما يكون من ربه العظيم سبحانه . السجود
من ألذ أغذية الروح ، تَذَوَّق حلاوته كثير من الأولين الصالحين ، فكانوا يطيلونه
إطالة المتنعم المستأنس المطمئن ، قال مسروق : ما أصبحنا وأمسينا فآسى على شيء من
الدنيا إلا على السجود لله . فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم يقول الله تعالى في صفتهم
:((تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) فكان صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ( يسجُدُ
السَّجدةَ بقدرِ ما يقرَأُ أحدُنا خمسينَ آيةً ) رواه البخاري ، ويسجد عليه الصلاة
والسلام سجوداً نحواً من قيامه وقد كان قام في ركعته بسورة البقرة كاملة . وأنبياء
الله ورسله (( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا )) وعباد
الرحمن الأبرار (( يبيتون لربهم سجداً وقياماً )) (( يخرون للأذقان سجدا )) ((
ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً )) . كان
الربيع بن خيثم إذا سجد تقع العصافير عليه من سكونه وطول سجوده . وسجد سفيان
الثوري بعد صلاة المغرب سجدة لم يرفع منها حتى نودي بالعشاء . هكذا
كان سجود المتنعمين بالسجود ، لأنه قد عظم في قلوبهم حبهم لمولاهم المعبود ،
والمُحب أسعد لحظاته وأعظم أنسه عندما يكون قريباً من محبوبه . فهم يستشعرون القرب
لله في السجود ( فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ، ومنهم من كان لا يطيل
السجود ولكن يكثر منه استشعاراً لفضل كثرته . فيا
عباد الله :
اسجدوا واطمئنوا ، وأطيلوا السجود ، وأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ حريٌّ أن
يستجاب لكم ، فعبودية السجود محبوبة لله ، وهي الحال التي فيها تسكب العبرات وتجاب
الدعوات . فيا
مضطر اسجد طويلاً وارفع شكواك لمن يجيب المضر ويكشف الضر . ويا
منعماً عليه اسجد طويلاً شكراً لله . ويا
من ضاق صدرك ، يقول ربك : (( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا
يَقُولُون فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين )) يا
حزيناً يا مريضاً يا مديناً اسجدوا لله طويلاً ( فاسجدوا لله واعبدوا ) . يا
مصلياً أتقن سجودك ، وانعم بقربك من ربك ، فسجدة تدنيك وترفعك . اللهم قربنا إليك بسجدات
ترضيك يا أرحم الراحمين .. اللهم إنا نستعينك
ونستهديك ، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك
ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون
عن سبيلك ويقاتلون أولياءك، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك
وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم
إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء
العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، يا رب العالمين، اللهم
ادحر الرافضة ورد كيدهم في نحورهم . اللهم خالف بين كلمتهم، اللهم افضح مكرمهم
وأبطله يا قوي يا متين. اللهم إنا نسألك بأن لك
الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا
قيوم. اللهم انصر إخواننا أهل السنة في كل مكان ، اللهم انصر إخواننا أهل السنة في
كل مكان ، اللهم انصر إخواننا أهل السنة في كل مكان . اللهم أنجِ المستضعفين من
المؤمنين في كل مكان اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمين، اللهم فرج عن
إخواننا المؤمنين في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل
بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم
ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم
عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم. اللهم آمنا في أوطاننا
ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر
والتقوى يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ادفع عن بلادنا مضلات الفتن ، اللهم من أراد
بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا متين . اللهم انصر جُندنا
المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من
عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين ، ومن
أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف يا رحيم يا كريم. ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات. عباد الله: اذكروا الله يذكركم
واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |