عودة صادقة للمساجد وتذكير بآدابها
الخطبة الأولى :
إِنَّ الحمدَ للهِ
نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ
أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا
أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
)) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة
بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المؤمنون عباد الله :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا
رسول الله : أي البلدان أحب إلى الله ؟ وأي
البلدان أبغض إلى الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ادري حتى أسأل جبريل
.. فجاء جبريل ، فسأله صلى الله عليه وسلم , فقال جبريل : " أحب البلاد إلى الله
المساجد، أبغض البلاد إلى الله الأسواق " [ أصل الحديث في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (
ورواه أحمد وابن ماجه والحاكم والبخاري في الأدب المفرد مع هذا السبب من حديث جبير
بن مطعم ، وفي رواية لحديث جبير : " أحسن البقاع إلى الله المساجد " ]
وعند ابن حبان من حديث ابن
عمر : " خير البقاع المساجد
، وشر البقاع الأسواق " صححه الألباني .
أيها المسلمون : خير البقاع في الأرض ، وأحسنُها عند الله , وأحبُها
إلى الله ، المساجد , بيوت الله ، التي (( أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه
" . ومن أجل
ذلك :
ـ عظّم الله شأنها ، فأضافها إلى نفسه إضافة تشريف
وتكريم (( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم آخر ))
ـ وكرر تبارك وتعالى ذكرها في الكتاب العظيم ثمانية
وعشرين مرة .
ـ وجعلها الأماكن التي يجب التردادُ إليها والاجتماعُ
فيها في اليوم والليلة خمس مرات للصلوات الخمس .
ـ وجعل المشي إليها رافعٌ للدرجات مكثِّرٌ للحسنات
, ماحٍ للسيئات ، فبكل خطوة ترفع درجة وتكتب حسنة وبالخطوة الأخرى تكفر سيئة .
ـ ووعد الماشين إليها في الظلام بالنور التام يوم
القيامة . حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه .
ـ و" ليس شيء أحب إلى الله من أثرين : أثرٍ
في سبيل الله , وأثرٍ في فريضة من فرائضه " أخرجه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني
ـ و " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له
نزلاً من الجنة كلما غدا أو راح " [ صحيح أخرجه ابن حبان ]
ـ و " ما تطون رجل المساجد للصلاة والذكر إلا
تبشبش الله تعالى إليه - أي فرح بمقدمه - كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم
" [ صحيح أخرجه ابن ماجه ]
ـ " ورجل قلبه معلق بالمساجد " ممن يظلهم
الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . متفق عليه .
ـ و الْماكث في المساجد منتظراً للصلاة بعد الصلاة
مرابط في طاعة الله ، " فذالكم الرباط ، فذلكم الرباط " وهو المكفرات ورافعات
الدرجات . أخرجه مسلم .
ـ ومن خرج من بيته إلى المسجد للصلاة فمنذ أن يخرج
من بيته إلى أن تقضى الصلاة هو في صلاة . كما في صحيح مسلم ،،
ـ " والعبد في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه
" أخرجه مسلم .
ـ " والملائكة تستغفر للمصلي في المسجد ما
دام في مصلاه " تقول : اللهم اغفر له اللهم ارحمه . متفق عليه . فهنيئاً للماشين
للمساجد أجر تلك الدقائق واللحظات .
أيها المسلمون : قلوب آمنت بالله ربا وأحبته ، وتعلم هذه الفضائل
ألا يعظم حبها لهذه البقاع المباركة المساجد
عباد الله : ماذا في قلوبكم ؟ وما هي مشاعركم تجاه بيوت الله
؟ .
يا عبد الله : انظر ما مدى حبك لمساجدِ الله ؟ وشوقك
لها ؟ ما مدى رغبتك بالترداد إليها والمكث فيها ؟ ما مدى راحة قلبك عند دخولها ؟ ما
مدة تعظيمك لها وتعلقك بها ؟ .
جوابك عن هذه الأسئلة مؤشر لمدى حبك لله الذي أحبها
وفضلها وعظم شأنها .
عباد الله : من علامة قوة حب الله , محبة المكان الذي يكون
فيه اللقاء بالحبيب الودود , وعلامة أخرى على قوة الحب هي سرعة إجابة نداء الحبيب إذا
دعا للقاء .
فقيِّم حال إيمانك وحبك لمولاك عندما يناديك منادية
للقاء ، وقت الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ( حي على الصلاة , حي على الفلاح
) ما مدى نشاطك وسرعة جوابك ، فإن توليت (( فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه )) .
لما قويت محبة السلف لربهم الرحمن , أحبوا ما يحبه
الله , فأحبوا المساجد ، وسارعوا إليها ، وأسرعوا في إجابة النداء ، وتعلقت قلوبهم
بها وبالصلاة ..
فهذا إمامهم وقدوتهم نبينا صلى الله عليه وسلم تقول عائشة رضي الله
عنها : " كان صلى الله عليه وسلم في بيته يكون في مهنة أهله, فإذا اسمع الأذان
خرج " رواه البخاري .
وفي صحيح ابن حبان وسنن النسائي بعد ذكرها رضي الله
عنها لنومة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر، قالت: ( فإذا سمع الأذان وثب صلى
الله عليه وسلم ) صححه الألباني .
وهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول عن نفسه :
( ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا إليها بالأشواق ) الزهد الأحمد ( 249 ) الزهد لابن المبارك ( 490
) ، وقال : ( وما أقيمت الصلاة
منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء ) المصدران السابقان .
وهذا سعيد بن المسيب من سادات التابعين يقول :
( ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد ) ابن أبي شيبه في المصنف 1/351 .
فاللهم أنا نسألك حبك وحب
محبوباتك وحب من يحبك , اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أهلينا وأنفسنا ومن الماء البارد
واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً كثيراً
طيباً مباركاً , ملء السموات وملء الأرض وملء مبينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد
, له الحمد حتى يرضى وله الحمد إذا رضي وله الحمد بعد الرضا , وأصلي وأسلم على النبي
المرتضى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله , أعبد الناس وأخشاهم وأتقى ، وأكثرهم ذكراً
وشكراً وحمداً , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسنتهم إلى يوم الدين
وسلم تسليماً ،، أما بعد:
عباد الله : أيها المسلمون عباد الله : بعد سماع الفضائل ،
أدعوكم ونفسي إلى مزيد من الحب والتعظيم للمساجد التي هذه فضائلها ، أدعوكم إلى مزيد
من التعلق ببيوت الله التي فيها النور وحياة القلوب والأرواح ، أدعوكم إلى مزيد من
كسب الخيرات والحسنات وتكفير السيئات .
عباد الله : يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: (( إن للمساجد أوتاداً
، الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم
)) حديث صحيح أخرجه أحمد وغيره
فيا عباد الله : ونحن مقبلون على شهر رمضان شهر الصيام والقيام والقرآن
... الذي تنفتح فيه النفوس للمكث في المساجد والتعبد فيها , كونوا أوتاداً للمساجد
، واعقدوا مصالحة حقيقية صادقة مع بيوت الله تدوم طيلة العام ... مصالحة نستثمر فيها
إقبال النفوس وانفتاحها على الطاعة وعلى بيوت الله ..
ثم إننا يا عباد الله بحاجة إلى مزيد من التعظيم
والاحترام لمساجد الله ، ومزيد من أداء حقوقها والتأدب بأدابها .
فاعلموا رعاكم الله واذكروا أن من آداب الإتيان للمساجد :
- التجمّل وأخذ الزينة عند الإتيان لها .
- ومن الآداب تطييب المسجد ، والتطيب بأحسن الطيب
, والتنظف والتنزه من الروائح الكريهة التي تؤذي الملائكة والمؤمنين ولا تليق بالآداب
مع رب العالمين في بيته .
- ومن الآداب : الحرص على تنظيف المسجد وعدم توسيخه
، وإخراج القمامة منه .. فقد " أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظف المساجد
وتطيب " حديث صحيح
- وعدم رفع الأصوات فيها حتى بتلاوة القرآن وذكر
الله على وجه يشوش على المتعبدين . فكيف إذا كان رفع الأصوات بالحديث بأمر الدنيا
.
- ومن الأدب مع الله في بيوته أن لا يرتفع فيها
الصوت المحرم ، صوت عدو الله الشيطان الرجيم: اقصد صوت الموسيقى والمعازف والغناء
، عبر نغمات الهواتف المحمولة ، الذي بلينا به في زماننا .
- ومن الأدب عدم الإتيان بالصبيان والأطفال الصغار
المزعجين الذي لا يستطيع أن يحكمهم ويتحكم بهم والداهم أو والدتهم ..
وبعد عباد الله : فرأس آداب المساجد أن يقام فيها التوحيد ، فلا
يُعبد فيها غير الله ولا يدعى إلا هو .
( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ) ولم
تبن المساجد إلا لهذا .
ثم في المرتبة الثانية ، أن لا يُعبد الله في هذه
المساجد إلا بما شرع الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتُعظّم السنة وتُُتّبع , ويتناصح المصلون ويقتفون السنة
في صلاتهم وتلاوتهم وذكرهم وسائر تعبُداتهم . وعلى رأس سنن الهدى التي يحافظ عليها
في المساجد : الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين . ومن ترك سنن الهدى ضل كما قال صاحب رسول الله عبدالله
ابن مسعود رضي الله عنه .
اللهم إنا على ذكرك
وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنَّا نسأَلُك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق
في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى. ونسألك نعيما لا ينفد، ونسألك قرة
عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت. ونسألك لذة النظر
إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زيّنا بزينة الإيمان
واجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا
مبلغ علمنا ، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألْحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
، اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور
وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا
وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها
وأتمها علينا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم ارفع البلاء عن
المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم
وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم
وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم
وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين
يا حيّ يا قيوم.
اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك،
اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم
آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً
وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك
وعذابك إله الحق، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم
وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام .
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله
أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|