موعظة في ختام شهر رمضان
وبيان ما يُشْرَعُ في آخر الشهر
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، عباد الله:-
اتقوا الله تعالى, وراقبوه, واعلموا أن الدنيا متاع زائل, لا تدوم لأحد كائنا من كان. وأن عُمُرَ الإنسانِ فيها قصير, نهايتُه الموتُ ثم الحساب, ثم الشقاء أو السعادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مالي وللدنيا, ما أنا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ). وقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ). فكان عبد الله بعد ذلك يقول: " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء, وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ".
فيا أيها المسلمون: تأمَّلُوا كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في مَثَلِ الدنيا, فلا تركَنوا إليها, واعلموا أن ما قاله لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما, ليس وصيةً خاصةً له, بل هي عامةٌ للأمة, فينبغي لكل واحد منا أن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل, إذا أصبح فلا يأمن من مفارقة الدنيا قبل المساء, وإذا أمسى فلا يأمن من مفارقة الدنيا قبل الصباح. كُنتَ تمشي على ظهر الأرض, ثم لم تلبث أن وَسَّدَكَ أحبابُكَ التراب ثم وَلَّوا عنك مدبرين, لم يبق معك إلا ما قدمت من خير وشر. وَأَمَّا ما سِوَاه فَقَد تَرَكّتَه كُلَّه, مالُك وزوجتُكَ وأولادُك وأحبابُك.
الله أكبر!!! يا لها من نهايةٍ كُلُنا مؤمنون بها ولكننا في غفلةٍ عن قُرْبِها. مع العلم أن تَذَكُّرَها من أعظمِ ما يُعِينُ العبدَ على إصلاح حاله مع الله ومع عباد الله. فهي من أكبر ما يُعِينُ العبد على المحافظة على الصلاة مع الجماعة, وأداء الزكاة, وبر الوالدين, ومحاسبة النفس, وحفظ الفرج والبعد عن أكل الحرام, واجتناب الظلم, والتَّحَلُّلِ من حقوق الناس, وإصلاح ذات البين, ونبذ الخصومات والقطيعة التي أفسدت القلوب, وفَرَّقَت بين الرجل وقريبه, والرجل وجاره, والرجل وصديقه.
فاتقوا الله أيها المسلمون, وتذكّروا أن جمعتكم هذه, آخِرُ جمعة من رمضان, فلا تختموا شهركم بالغفلة والكسل والفتور وضعف الهِمَّة, وأكثروا من التوبة والدعاء والإستغفار, واحفظوا ما مضى من الصيام والقيام من كل من يُنَقِّصُ الأجرَ أو يُبْطِلُه واجتهدوا في العبادة, واعلموا أن مِن شعائرِ الإسلام الظاهرة, صدقةَ الفطر, فَرَضَها النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام, على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين. وقد شرعها الله تعالى وأمر بها لِحِكَمٍ كثيرة:
فهي: طُهرَةٌ للصائم من اللغو والرفث. وطعمةٌ للمساكين. وفيها: إظهارُ التراحم والتواصل بين المسلمين, فقيرِهم وغنيِّهِم, فهي صورة ظاهرة, ومثال حيٌ للتكافل الإجتماعي, حينما يقومُ المسلمُون, صغيرُهُم وكبيرُهم, فَيُخْرِجُون زكاتهم للمساكين في آخر الشهر, وكذلك صبيحةِ يومِ العيد.
فيا له من منظر عظيم يشرح الصدور ويَفرَحُ به المؤمنون, لأنه يدل على الأخوة الصادقة, والتراحمِ بين المؤمنين, وتعظيمِ أمر الله. فما ظَنُّكُم بمن يرى المسلمين وهم يؤدونها بهذه الصورة الظاهرة, كيف سيكون شعوره, ونظرته إلى هذا الدين, وأحكامه.
ومع ذلك نسمع من يفتي بإخراجها نقوداً ويخالف المنقول عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه قولاً وفعلاً, وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من عَمِلَ عملا ليس عليه أمرُنا فهو رد ). وأما مَن قال بجواز إخراجها نقوداً, فبدلاً من أن نبحث له عن عُذْرٍ نعتذر له به, لأنه خالف السنة, نذهب للأخذ بقوله وننسف النصوص الواضحة الصريحة التي لا تحتمل أدنى تأويل من أنها صاعٌ من طعام.
فاتقوا الله عباد الله, واعتنوا بعبادتكم, واحرصوا على أدائها, بالطريقة التي أُمِِرْتم بها, واعلموا أن كُلاًّ يُؤْخَذُ من قوله ويُرَد, إلا الرسولَ صلى الله عليه وسلم.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد عباد الله:
صلاة العيد عبادة مشروعة مؤكدة عند جماهير العلماء, وقال بعضهم بوجوبها, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أُمَّتَه رجالاً ونساءً, وأكَّدَها على النساء تأكيداً شديداً, مِمَّا يدل على قوة قولِ من قال بوجوبها, حيث أمر النساء أن يَخْرُجنَ إلى صلاةِ العيد، مع أنَّ البيوتَ خيرٌ لهن فيما عدَا هذه الصلاة. حتى إن أمُّ عطيةَ رضيَ الله عنها قالت: ( يا رسولَ الله إحْدانَا لا يكونُ لها جِلبابٌ، قال: " لِتُلْبِسْها أختُها مِنْ جلبابِها " ). مما يدل على أن الأمر مُؤَكَّد حتى على النساء.
ومما شرعه الله في ختام الشهر: التكبير, قال تعالى : ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فيُشرع للمسلم إذا خرج من بيته إلى المصلى أن يُكبّر إلى أن يدخل الإمام. ومن السُّنَّة أنْ يأكُلَ قبلَ الخروجِ إلى الصلاة في عيدِ الفطرِ تَمَرَاتٍ وتراً: ثلاثاً أوْ خمساً أو أكثرَ من ذلك, يَقْطَعُها على وِترٍ لِثُبُوتِ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وأعتقنا من النار، اللهم أعتقنا من النار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اقبل من المسلمين صيامهم وقيامهم, واغفر لأحيائهم وأمواتهم، اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها صغيرها وكبيرها علانيتها وسرها أولها وآخرها، اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعفو عنا، اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعفو عنا، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين اللهم ألّف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين،اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك اللهم وفّقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|