موعظة في استقبال العشر
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واستعدوا لما بعد الموت, فإن أفضلَ الناسِ ( أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا, وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا ). كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: ( مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ). ومعنى يَمْهدون, أي: يُوطئون ويُهيئون لأنفسهم المضاجع في القبر لأنه أولُ منازل الآخرة, وكذلك يَعْمُرون منازلهم أمامهم, ويهيئون لأنفسهم منازل في الآخرة, تفكيرهم متعلّق بما بعد الموت. لأن الذي يعمل العمل الصالح إنما يُمهّد لنفسه ويُهيئ لها أسباب السعادة والراحة الأبدية في جنةٍ عرضُها السموات والأرض, فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ومَنْ كانت هذه حاله, فهو في منزلة عظيمة عند الله, حتى ولو كان الناسُ لا يأبَهونَ به. ومَنْ ضَيَّعَ أمْرَ الله, فهو بعيد من الله ولو كان الناس يعظمونه. لأن العبرة بتقوى الله والسعي في مرضاته. روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مرَّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: ( مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ ) قالوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ. - لمكانته عند الناس وشهرته - قال: ثم سكت, فمر رجل من فقراء المسلمين, فقال: ( مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ ) قالوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ, - لفقره وعدم شهرته - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ). بسبب إيمانه وتقواه.
فاحرصوا يا عباد الله على مرضات الله, واستكثروا من الحسنات, واجعلوا الآخرةَ هَمَّكم الأكبر وشُغْلَكم الشاغل, كي تنالوا الكرامة من الله, والرِّفعة, والمنزلة العالية. فإنها لا تُنالُ بالحسب والنسب, ولا بالجاه والمنصب, وإنما تُنال بتقوى الله. وما دمتم على قيد الحياة وزمن الإمهال, ولم تُستوفَ آجالُكم, فافرحوا بذلك!! افرحوا, لأن باب التوبة لا يزال مفتوحاً, مهما كثرت الذنوب وعَظُمَت. ولأن إصلاح الحال مقدورٌ عليه بعد توفيق الله. خصوصاً وأننا في شهر كريم, قد خصَّه اللهُ بفضائلَ كثيرةٍ: مِنْ أعظمِها مغفرةُ الذنوب والعتقُ من النار. فإيّاكم والتفريطَ في استغلال ما بقي من أيامه التي نراها تَمُرّ سريعاً, وقلوبُ المؤمنين الصادقين التي فرحت واستبشرت بقدومه, مشفقةٌ من ذهاب أكثر أيامه, كأنها لا تريد الشهر أن ينقضي.
ثم اعلموا يا عباد الله أننا نستقبل العشر الأواخر من الشهر, وإدراكها من أعظم الفرص فلا تحرموا أنفسكم الاجتهاد فيها. وفي هذه العشر: ليلة القدر, التي جعل الله العبادة فيها خيراً من ألف شهر فيما سواها. فينبغي للمؤمن أن يَجتهد في هذه العشر ويَتحرى ليلة القدر خصوصاً في الوتر من هذه الليالي, فإنّ الله تعالى أخفاها كي يجتهد العباد في العبادة ويكثر أجرهم ويزداد تعلّقهم بطاعة ربهم. وكان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ) وفي رواية: ( إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليلة وأيقظ أهله ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عباد الله: المؤمن الصادق الذي تعلق قلبه بالله, كلما تقدمت به الأيام في رمضان زاد اجتهاده, وزاد قلبُه إيماناً وَرِقَّة. وحَمَلَه خوفُه من انقضاء الشهر على المزيد من الخير. وضعيفُ الإيمان يبدأُ شهرَهُ بالاجتهاد ثم يفتُرُ شيئاً فشيئاً حتى يترُكَ كثيراً من عمله, أو يعودَ كما كان قبل رمضان. فإيّاك يا عبد الله أن تكون كذلك, واحرص على الثبات وملازمة الطاعة, فإن من علامة قبول الحسنة, الحسنة بعدها, وأن يكون العبد على حال أحسن من حاله السابقة.
ثم اعلموا يا عباد الله: أن أفضل الصلاة بعد الفريضة, صلاة الليل, كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وأفضل ما يتقرب به العبد في العشر الأواخر بعد الفرائض, صلاة الليل, ووقتها بعد العشاء. فَكُلُّ صلاة بعد العشاء تعتبر من القيام, وأفضل وقتها: الثلث الأخير من الليل, لأنه وقت النزول الإلهي, الذي يستجاب فيه الدعاء. فاحرصوا رحمكم الله على صلاة القيام في هذه الليالي, واجعلوا ذلك سببا لاستمراركم على صلاة الليل بعد رمضان. واجتهدوا في الدعاء لأنفسكم ولإخوانكم المسلمين. وأن ينصر الله الإسلام وأهله, وأن يرفع البلاء عن المسلمين, وأن يحقن دماءهم.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام, ووفقنا فيما بقي من الليالي والأيام، وتجاوز عن التقصير والآثام يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار يا أرحم الراحمين، اللهم اقبل من المسلمين صيامهم وقيامهم واغفر لأحياهم وأمواتهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعذهم من شر الفتنة والفرقة والاختلاف يا حي يا قيوم، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقِّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |