مَوْعِظَةٌ في اسْتِقْبالِ شَهْرِ رَمَضانَ والحَثُّ
عَلَى الصَّدَقَةِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ
الله: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّ
التَذَكُّرَ والاعْتِبارَ سِمَةٌ مِن سِماتِ الْمُؤمنين الصادِقِينَ،
أَصْحابِ القُلُوبِ الحَيَّةِ، وهو مِن أَسبابِ فَلاحِ العبدِ وسَعادَتِهِ
وانْتِفاعِه، ومِن صِفاتِ أَصحابِ العُقُولِ الراجِحةِ والفِطَرِ السَّلِيمَةِ
والنُّفُوسِ الْمُقْبِلَةِ على اللهِ. قال تعالى: ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُوا
الأَلْبابِ ). فَهُم يَعْتَبِرُون عِنْدَما يَرَون أَو يَسْمَعُون بِعُقُوباتِ الْمُخالِفِين
لِأَمْرِ اللهِ ويَتَّعِظُون بِذلك. ويَعْتَبِرُون عِنْدَما يَرَون الْمَوْتَى،
أَو يَمُرُّون بِالْمَقابِرِ، فَيُحْدِثُ ذلك لَهُم تَوْبَةً وإِنابَةً.
ويَعْتَبِرُون عِنْدَما يَدْخُلُون الْمُسْتَشْفَياتِ ويَرَون إِخوانَهُم الْمَرْضَى
فَيَزْدادُ شُكْرُهُم عَلَى نِعمةِ الصِّحَّةِ. وأَنواعُ الاعتِبارِ يا عِبادَ
اللهِ كثيرة.
ومِن هذه الأَنواعِ: الاعْتِبارُ بِمُرُورِ الأيَّامِ وسُرعَةِ
انْقِضائِها، وأَعْنِي بِذلك: الاِعتِبارَ الذي يَحْمِلُ
العَبْدَ على محاسبةِ النَّفْسِ والاستِعدادِ للمَعادِ، وإلا فسُرْعَةُ مُرُورِ
الأيامِ يُدْرِكُها الناسُ كُلُّهُم، بَرُّهُم وفاجِرُهم، مُؤمنُهُم وكافِرُهُم.
فالاعْتِبارُ
بِسُرعَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ يُذَكِّرُ الْمُؤمنين بِأُمُور:
أَوَلُها:
هَوانُ الدنيا وأَنَها لا تَدُومُ لِأَحَد.
والثاني:
القُرْبُ مِن الآخِرة.
الثالث:
الحِرْصُ على اسْتِغْلالِ العُمُرِ قبلَ الفَوات.
والرابع:
الصبرُ على الْمَصائِبِ والأقدارِ الْمُرَةِ الْمُؤْلِمَة، فإنَّ سُرْعَةَ مُرُورِ
الأيامِ وانْقِضائِها، تُذَكِّرُ العبدَ الْمُصابَ بِأَنَّ مَرارةَ الْمُصيبَةِ
مَرارةٌ مُنْقَطِعَةٌ لا تَدُوم، وتَعْقُبُها بَعد الْمَوتِ حلاوةٌ دائِمةٌ لِمَنْ
صَبَرَ واحْتَسَبَ.
أيها
الْمُؤمنون: اعتَبِرُوا بِمُرُورِ الأيامِ
واجعلُوا ذلك سَبباً لاجْتِهادِكُم، ومُحَفِّزًا لِمحاسبَةِ النفْسِ، والاقبالِ
على الله، وتَذَكُّرِ الْمَوتِ والحساب، خُصُوصًا وأَنَّنا نَشْعُرُ بِتَقارُبِ
الزمان وسُرْعةِ الأيام.
وَجُمْعَتُنا
هذه: آخِرُ جمعةٍ مِن شعبانَ، نَسْتَقبلُ بَعدها شهرَ رمضان، الذي
نسالُ اللهَ أن يُبَلِّغَنا إيَّاه، وأنْ يَجْعَلَنا مِمَّن يَصومُه ويَقومُه
إيمانًا واحتِسابا.
وإِدراكُ شهرِ رمضان نِعمةٌ عظيمةٌ، فاعْرِفُوا
قَدْرَ هذه النعمة، واستقبِلُوا شَهْرَكُم بِما يَليقُ به، وإيَّاكُم والغفلَةَ
والتفريطَ، فإن إدراكَ رمضانَ مِن الفُرَصِ التي لا تُعَوَّضُ. فاسْتَقْبِلُوه
بالفَرَحِ، فإن الْمؤمنَ يفرحُ بِفَضلِ الله، وعَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وإخلاصِ
العَمَلِ لله، فإن اللهَ تعالى لا يَقْبَلُ من العملِ إلا ما كان له خالِصًا
وابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُه. فاسْتَقْبِلُوه بالتَّوبَةِ النَّصُوحِ والعزيمةِ على
إِصلاحِ الحال، والتَّخَلُّصِ مِن حُقُوقِ العبادِ، وكذلك بالتَّفَقُّهِ في
أَحْكامِ الصيامِ والقِيام، فإن العَمَلَ إذا لَم يَكُن على السُّنَّةِ فإنه
مَرْدُودٌ على صاحِبِه.
ثُمَّ اعْلُمُوا يا
عِبادَ اللهِ: أَنَّ العِنايَةَ بالأعمالِ الصالحةِ، والإكثارَ مِنها، مِن
سِماتِ الْمؤمِنين في رمضانَ وَغَيْرِهِ مِن مَواسِمِ الخَيْر.
وَمِنْ
الأَعْمالِ الصالِحَةِ: الصَّدَقّةُ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ دَلِيلٌ على إيمانِ
العَبْدِ، قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( وَالصَّدَقَةُ
بُرْهانٌ )، أيْ عَلامَةٌ على صِدْقِ الإيمان. وهِيَ
سَبَبٌ لِلشِّفَاءِ والسلامَةِ مِن الأَمْراضِ. وعِنْدَما يُحْشَرُ
الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُم الشمسُ وَيُلْجِمُهُم العَرَقُ، يَكُونُ الْمُسْلِمُ في ظِلِّ صَدَقَتِه. والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ. وهِيَ سَبَبٌ لِزِيادَةِ الرِّزْقِ ونُزُولِ
البَرَكاتِ. والصَّدَقَةُ مِن أَعْظَمِ
أبْوابِ البِرِّ والإيمانِ وذَوْقِ حَلاوَتِه. والصَّدَقَةُ
الجارِيَةُ يَبْقَى ثَوابُها حَتَّى بَعْدَ الْمَوْتِ. وهِيَ سَبَبٌ
لِإِطْفاءِ الخَطايَا وتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ.
وهِي
حِجابٌ عَن النارِ. والصَّدَقَةُ مِنْ
أَفْضَلِ صَنائِعِ الْمَعْروفِ التي تَقِي مَصارِعَ السُّوءِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا
إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عِبادَ
اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالَى،
وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَا
مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ على العبادِ إلا وَمَلَكانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُما:
اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ
مُمْسِكًا تَلَفًا ). والْمُرادُ بِالْمُمْسِكِ:
مَنْ أَمْسَكَ عن النَّفَقَةِ الواجِبَةِ. وقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم
فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( ابْنَ
آدَمَ: أَنْفِق، أُنْفِقْ عَلَيْكَ ). فَلَا تَنْسَوْا هذا الفَضْلَ يا
عِبادَ اللهِ: ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّه يَنْبَغِي
لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَحَرَّى الْمَحاوِيجَ والْمُتَعَفِّفِينَ،
والأَرامِلَ وأَسَرَ السُّجَناءِ، وَمَنْ تَراكَمَتْ عَلَيْهِمْ الدُّيُونُ. وَمَنْ
لا يَعْرِفُ كَيْفَ يَصِلُ إلَيْهِم، فَهُناكَ مَنَصَّاتٌ رَسْمِيَّةٌ مَوْثُوقَةٌ
وَللهِ الحَمْدِ كَمَنَصَّةِ إِحْسانَ وَفُرِجَتْ، يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ أَنْ
يَتَعامَلَ مَعَها ويُتابِعَها بِنَفْسِه، حَتَى تَصِلَ إلى مُسْتَحِقِّها. وكذلك
خِدْمَةِ تَيَسَّرَت، ودَوْرِها في التَّيْسِيرِ عَلى الْمُعْسِرينَ وَقَضاءِ
الدينِ عن الْمدِينينَ بِكلِّ يُسْرٍ وسُهُولَةٍ.
اللهم
بَلِّغْنا رَمضان، اللهم بَلِّغْنا رَمضان، اللهم بَلِّغْنا رَمضان، اللهم اجعلنا
ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، اللهم وفقنا
فيه للعمل الصالح ولا تجعلنا من الخاسرين، اللهم اجعلنا من المقبولين الفائزين،
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والعصيان واجعلنا من
الراشدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين
وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين
من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك
ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت
أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم مَنْ أراد
بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع
الدعاء، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة في استقبال شهر رمضان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=164
|