24 رمضان 1431هـ
الحمدُ للهِ خالق الموت والحياة ، أمر باغتنام الأوقات قبل الفوات ، فقال تعالى : } فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ { ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا شريك له في الربوبية ولا في الألوهية ولا في الأسماء ولا في الصفات .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، كانت كل أوقاته طاعات ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى أن يرث الله الأرض والسماوات ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
أوصيكم بوصية ربكم لكم ولمن كان قبلكم ؛ تقوى الله U ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ يا عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد دنى رحيل شهركم ، فقد مضت أيامه ولياليه ، وقربت نهايته ؛ فهانحن اليوم في اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان . ثلاث وعشرون يوما مضت وكأنها ساعة من نهار .
من منا ـ أيها الأخوة ـ من يتذكر ما مر عليه في هذه الأيام ؟ المحسنون الذين أحسنوا في أيام رمضان الماضية ، لا يحسون بتعب طاعتهم وإحسانهم . وكذلك المفرطون الذين ألهتهم شهواتهم وملذاتهم ؛ أيضا لا يحسون الآن في لذة شهواتهم وملذاتهم . انتهت مشقة الطاعات ، وذهبت لذة الشهوات ولم يبق إلا الحسنات والسيئات :
تفنى اللذاذاتُ ممن نالَ صفوتَها
من الحرامِ ويبقى الإثمُ والعارُ
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتِها
لا خير في لذةٍ من بعدها النارُ
ولكن ـ أيها الأخوة ـ حتى وإن مضى من رمضان أكثره ، ولم يتبق منه إلا القليل ، فإن الأيام القليلة القادمة ، هي من أفضل أيام شهر رمضان ، والعمل على استغلالها ، ومضاعفة الجهود في ما يقرب إلى الله U فيها ، من أهم مهمات المسلم ، والقدوة في ذلك هو النبي e .
إذا كان الناس في هذه الأيام الباقية ـ أيها الأخوة ـ تشغلهم الأسواق ، والبحث عن كل جديد ، وقضاء الأوقات الثمينة في البيع والشراء ، فإن المسلم يحرص على الإقتداء بنبيه e ، الذي كان يغير ، في مثل هذه الأيام ـ مما اعتاد عليه ، فإنه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ يجتهد في رمضان منذ دخوله ، ولكنه إذا دخلت العشر الأخيرة منه ، اجتهد أكثر ؛ كما قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ، وفي الحديث المتفق عليه تقول : إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله .
تأملوا ـ يا عباد الله ـ ماذا كان يفعل نبيكم ، قدوتكم ، e ؛ إنه يغتنم هذه الأوقات الفاضلة ، فالله .. الله ، يا عباد الله ، اقتدوا بنبيكم ، واستغلوا ما بقي من شهركم ، واحذروا التفريط ، فإن الأيام ثمينة ، وسوف تمضي وتنقضي كما مضى وانقضى غيرها من الأيام ، ومن يدري ـ أيها الأخ ـ فربما يكون هذا الشهر ، هو آخر شهر تصومه ، بل ربما يدركك الأجل قبل أن تتمه ، فالله ... الله ... في مضاعفة الجهود ، وبذل الطاقات فيما بقي من أيام وليال مباركة ، والحذر من التفريط أو الكسل والفتور .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الذي يفرط في مثل هذه الأيام ، يفوت عليه خير كثير ، فهي من أيام عشر العتق من النار ، وقد تكون فيها ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر كما قال تعالى : } لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ { والتي قال عنها النبي e : (( في شهر رمضان ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم )) .
ويقول النبي r في الحديث الصحيح : (( من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) فهي فرصة ـ أيها الأخوة ـ وما أكثر ذنوبنا ـ يا عباد الله ـ وما أحوجنا لمغفرة ربنا ، فتحروا هذه الليلة العظيمة ، فقد جاء أنها في الليالي القادمة ، يقول النبي r في الحديث الذي رواه البخاري : (( التمسوها في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى )) واحرصوا ـ أيها الأخوة ـ على ليلة سبع وعشرين ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد يقول r : (( ليلة القدر ليلة سبع وعشرين )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إنكم في أيام فاضلة ، ينتظرها الصالحون ، ويعدون لها عدا ، فهي الخاتمة العطرة ، واللؤلوة النادرة في عقد رمضان ، يقول ابن رجب : المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عدا ، لانتظار ليالي العشر الأواخر في كل عام ، فإذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم ، وخدموا محبوبهم . فالله .. الله يا عباد الله ، اغتنموا بقية شهركم فيما يقربكم إلى ربكم.
اسأل الله U لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا وسلامة دائمة إنه سميع مجيب . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
اعلموا رحمني الله وإياكم ، بأنه يشرع لكم في ختام شهركم ، زكاة الفطر، وهي فريضة فرضها رسول الله r على المسلمين ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، ففي الحديث يقول عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : فرض رسول الله r زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين .
وزكاة الفطر ـ أخوتي في الله ـ طهرة للصائم مما وقع فيه من لغو ورفث ونحوه ، ونحن والله بحاجة لمثل هذه الزكاة ، قليلة المقدار عظيمة الفائدة.
نحن أخوتي في الله ، أشد حاجة لهذه الزكاة ، من حاجة المساكين لها ، وإن كان المساكين يحتاجونها لتسد جوعتهم يوم العيد ، فنحن نحتاجها لتكون طهرة لنا مما سمعتم في الحديث السابق .
فالله .. الله .. أخرجوا زكاة فطركم من طعامكم ، عن أنفسكم وعمن في بيوتكم ، وما هي إلا صاع مما تطعمون منه ، كما في الحديث عن أبي سعيد الخدري t قال : كنا نخرج في عهد النبي r يوم الفطر ـ يعني قبل الصلاة ، صلاة العيد ـ صاعا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر .
اسأل الله U أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، وان يرحمنا برحمته فهو أرحم الراحمين .اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .
اللهم اجعلنا في هذا الشهر العظيم من عتقائك من النار . اللهم اجعلنا من الذين وفقو لقيام ليلة القدر، واجعلنا فيها وفي غيرها من الليالي من الفائزين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة وابعد عنهم بطانة السوء يارب العالمين . اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا له يارب العالمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|