الحث على اغتنام الأيام الأخيرة من رمضان بالتوبة
والتذكير بصدقة الفطر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيُّه وخليلُه، وأمينه على وحيه ومبلِّغُ الناس شرعَه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أَيها المؤمنين عبادَ الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ومراقبتِه في السر والعلانية, فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خيرُ زادٍ يُبَلِّغُ إلى رضوان الله، وهي وصيةُ الله جلّ وعلا للأولين والآخرين من خلقه، وهي وصية النّبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأمّته, وهي وصيةُ السّلف الصالح رحمهم الله فيما بينهم، والتقوى عبادَ الله شأنُها عظيمٌ، وعواقبُها حميدةٌ في الدنيا والآخرة.
عبادَ الله إننا نعيشُ هذه الأيام، الأيامُ الأخيرةُ من شهر رمضان المبارك، شهرِ الخير والعطاء والفضلِ والبركة والجودِ والإحسان، عبادَ الله إننا نعيش هذه الأيامَ الأخيرةَ من هذا الشهر العظيم الكريم، عبادَ الله وإننا جميعا نعلم أن هذاَ الشهرَ فرصةٌ لا تُعوَّضُ، وقد لا تتكرَّرُ لكثيرٍ من الناس، فرصَةٌ لا تعوَّضُ للتوبة إلى الله جلّ وعلا, والإنابةِ إليه والإقبالِ إلى طاعته، والنَّدَمِ على التفريطِ في جَنبِ الله تبارك وتعالى، فرصَةٌ لا تُعوَّضُ للإنابة إلى الله جلّ وعلا والتوبةِ إليه من كل ذنبٍ وخطيئة.
عبادَ الله إذا لم يندم الناس ولم يتوبوا إلى الله جلّ وعلا في هذا الموسمِ الكريم والشهرِ الفضيل، الشهر الذي تُعتَقُ فيه الرقابُ من النار، ويتوب الله تبارك وتعالى فيه على من يتوبُ من عباده، في هذا الشهرِ العظيم إذا لم يَتُب العبدُ إلى الله جلّ وعلا فمتىَ يتوبُ.
ثبت في سنن النسائي ومستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رغمَ أنفُ امرئ ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنفُ امرئٍ دخلَ عليه رمضانُ ثم انسلخَ فلم يُغفر له، ورغم أنف امرئٍ أدرَكَ عندَه أبواه الكبرَ فلم يُدخِلاه الجنَة", وروى ابن حبان في صحيحه من حديث مالكِ بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صَعِد المنبر فقال:"آمين", فلما رقى عَتَبَةُ منه قال:" آمين", فلما رقى العتبة الثانية قال:" آمين", فلما رقى العتبة الثالثة قال:" آمين", ثم قال صلى الله عليه وسلم:" أتاني جبريلُ فقال يا محمدُ من أدرك رمضان فلم يُغفَرْ له فأبعده الله فقل آمين، قلتُ آمين، ثم قال يا محمد من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يُدخِلاه الجنة فأبعدَهُ الله فقل آمين، فقلت آمين، ثم قال: يا محمدُ من ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فأبعدَهُ الله قل آمين، فقلت آمين ".
عبادَ الله هذان الحديثان العظيمان يَدُلاَّنِ على أن هذا الشهرَ الكريمَ وهذا الموسمَ المباركَ، موسمُ شهر رمضان هو فرصةٌ عظيمة للتوبة إلى الله جلّ وعلا, فرصةٌ عظيمةٌ للقلوب لتتحرَّك تائبةً إلى الله جلّ وعلا، منيبةً إليه مقبلةً على طاعته نادمةً على تفريطِهاَ في سَالِفِ أيَّامها وما مضَى من أزمانها.
عبادَ الله لو تأمَّل كلُّ واحدٍ منَّا في حياته وما مضى من أيامه، يجد أنه مُقَصِّرٌ في جوانبَ كثيرةٍ، ومخطئٌ في أمورٍ عديدة، ومفرِّطٌ في واجبات عظيمة، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كلُّ بني آدم خطّاءٌ، وخير الخطّائين التوابون".
عباد الله كلُّنا ذلك الرجلُ الذي يخطئُ ويقصِّر ويفرِّط، فأمامنا بابُ التوبة مفتوحٌ، وأمامنا فرصةٌ عظيمةٌ لا تعوض لِنُقبِلْ على الله جلّ وعلا ونتوبُ إليه، وإذا كنا عبادَ الله تصدَّقنَا بماضي أيامنا وسالف أزماننا على الدنيا، فلْنتصدَّقْ بباقي أيامِنَا على الآخرة، لِنعمَلَ عمل الآخرة ولنُقبِلَ على الله جلّ وعلا ولنَتُبْ إليه توبةً نصوحا، ولْنَنتهِز هذه الفرصةَ، فرصة شهر رمضان المبارك لنتوب إلى الله جلّ وعلا توبةً صادقةً من كل ذنب وخطيئة، ولْنعلَم يا رعاكم الله ولنعلم أيها الإخوة أن التوبة لا يقبلُها الله جلّ وعلا من عبده إلا إذا كانت نصوحا، ولا تكون التوبةُ نصوحًا إلا إذا توفرت فيها شروطٌ ثلاثة, ألا وهي الندمُ على فعل الذنوب، والإقلاعُ عنها تماما، والعزمُ على عدم العودة إليها، وإذا كانت الذنوب والخطايا تتعلق بحقوق الآدميين، فلا بد في ذلك من شرط رابع وهو أن يتحلَّلهم أو يعيد الحقَّ إلى أهله .
عباد الله لنتب إلى الله جلّ وعلا قبل فوات الأوان, ولنتدارك أيامنا وطاعاتنا لله جلّ وعلا قبل أن تَفوتَ على الإنسان الفرصةُ التي يُحقِّقُ فيها ذلك، عبادَ الله إننا أدركنا هذاَ الشهرَ الكريم، وها نحن نعيش أيامَهُ الأخيرةَ، وربما إِنّ بعضَنا لا يدركُ رمضانَ الآخَر, فلننتهِزْ ما بقي من أيامِ هذا الشهرِ الكريم في التوبةِ إلى الله، والإنابةِ إليه جلّ وعلا والرجوعِ إليه، وإذا كنَّا فرطّنَا أو قصَّرنا فيما مضى من أيامِ هذا الشهر، فلنغتنِمْ ما بقي منه، ولننتهز هذه الفرصة.
وإني أسألُ الله جلّ وعلا أن يُيَسِّرَ لي ولكم الخيرَ، وأن يُعينَنَا وإياكم على طاعته، وأن يهديَنا سواء السّبيل، وأن يوفقنا جميعا لنتوب إلى الله تبارك وتعالى توبة نصوحا من كل ذنب وخطيئة, اللهمّ يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يَا منْ وَسِعْتَ كل شيء رحمةً وعلما نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظيمة وبأنّك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، نسألك أن تغفِر لنا ذنبنا كلَّه، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دِقَّهُ وجِلَّهُ أوله وآخره سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم يا حيُّ يا قيوم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، وتقبل صيام الصائمين والقائمين والمعتكفين يا حيّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إِنَّك أنت الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ثم اعلموا رحمكم الله أنَّ من الأحكام المُهمة التي ينبغي أن نتذكَّرَها ونحن في تمام هذا الشهر، ما يتعلق بزكاة الفطر التي جعلها الله تبارك وتعالى طُهرَةً للصائم من الرفَثَ والخطأ والفُسوق، وجعلها طُعمَةً للمساكين، فطيبوا رحمكم الله بها نفسًا، فإنها فريضةٌ فرضَها الله جلّ وعلا على العباد على الذكر والأنثى على الصغير والكبير، وهي طُعمَةٌ للمساكين وطُهرةٌ للصائم، وهي تَخرُجُ عبادَ الله من طعام البلد، وليتخيَّرْ منه أجودَهُ وأحبَّه إلى المساكين، وهي إنما تُصرَفُ للمساكين خاصَّةً وليس لجميع من تُصرَفُ لهم الزكاة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"طُهرة للصائم وطعمةٌ للمساكين ", ولا يجوز إخراجُ النقودِ، وإنما يُخرَجُ الطعام، فيخرَجُ لهم من طعام البلد، إما البرُّ أو الدقيقُ أو التمرُ أو الزبيبُ أو الأرزُ أو نحو ذلك من طعام البلد، صاعاً على كل مسلمٍ، يُطعم عنه وعمن يعول، يُطعمُ عن الصغير والكبير وعن الذكر والأنثى.
والسنةُ عبادَ الله أن تُخرِجَ زكاة الفطر قبل صلاة العيد، وإذا أخرجَها قبلَ يوم العيد بيوم أو يومين فلا بأس بذلك، ومن أخرجها بعد الصلاة، فإنها صدقة من الصدقات، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد .
عباد الله ومن الأحكام التي يجبُ أن نتذَكَّرَها السّنةُ العظيمةُ التي دل عليها قوله تبارك وتعالى: ﴿ولِتُكْمِلوا العِدَّةَ﴾ البقرة: ١٨٥, أي: عدة أيام الصيام: ﴿ولِتُكَبِّرُوا الله على ما هَدَاكم ولعلَّكم تَشكرون﴾ البقرة: ١٨٥, وهذا فيه إشارةٌ أنَّ من وفقه الله تبارك وتعالى وأعانَه على إدراكِ شهر الصيام إلى تمامِه، أن يشكُر الله جلّ وعلا على هذه النعمة العظيمة والمِنَّةِ الجسيمة ويُكبِّرَ الله جلّ وعلا ويعظِّمَهُ: ﴿ولِتُكْمِلوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا الله على ما هَدَاكم﴾ البقرة: ١٨٥, ولهذا عبادَ الله فإن السّنةَ إذا خرجَ الإنسان من بيته إلى مُصلَّى العيد أن يرفعَ صوتَهُ بالتكبير، والسنةُ أن يقول: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد".
والسنة ـ عباد الله ـ أن يُكبِّر كلُّ مسلم بمفرده، وأما التكبير الجماعيُّ فليسَ بسنةٍ وليس بمشروعٍ، لأنه مضى عمل السلفِ على خلافِ ذلك، ولأن ذلك لم يُؤثَرْ عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
عبادَ الله ويُسَنُّ لمن خرج إلى صلاة العيد أن يغتسل ويتطيَّبَ، ويلبس أجملَ ثيابِه دون سرفٍ أو مَخْيَلَةٍ، يخرُجُ متواضِعًا متمسكنا مُقبِلا على الله جلّ وعلا، مُكبِّرًا له معظِّماً له سبحانه، شاكرًا له على نعمائه وفضله وجوده وعطائه.
عبادَ الله تقبَّلَ الله منكُمُ الصيام والقيامَ وأعانَكُم على طاعته ووفقكم لكل خير، وهدانا وإياكم إلى سواء السبيل، وصلُّوا وسلِّمُوا رحمكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إنَّ الله ومَلائكتَه يُصلُّون على النبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّمُوا تسليمًا﴾ الأحزاب: ٥٦ وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا", اللهم صلِّ علىَّ محمد وعلى آل محمّد كما صليتُ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الرّاشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديقِ وعمرَ الفاروق وعثمانَ ذي النورين وأبي السبطين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر إخوانا المسلمين في كل مكان يا حيُّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافَك واتقاك واتبعَ رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّقْ وليَّ أمرنا لما تُحب وتَرضى، وأعنه على البِرِّ والتقوى، وسدِّده في أقواله وأفعاله، وألبِسه ثوب الصحَةِ والعافية يا ذا الجلال الإكرام، ووفق يا ذا الجلال الإكرام جميع وُلاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وإتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم, واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر, اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دِقَّه وجِلَّه أوله وآخره سِرَّه وعلنه, اللهم إنا نسألك الهدى والسداد، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قَرَّب إليها من قول أو عمل، اللهم أَجِرْنا من النار، اللهم أَجِرْنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم اعتق رقابنا من النار يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدُك ورسولُك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذك منه عبدُك ورسولُك محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تجعلَ كل قضاءٍ قضيتَه لنا خيرا، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|