17 رمضان
الحمد لله العظيم القهار ، القوي الجبار ، } رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، فهو الغني الذي لا ينقص ملكه النفقات ، الجواد الذي أناخت ببابه ركاب ذوي الحاجات ، السميع الذي لا تختلف عليه السؤالات ، } وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، شهادة أدخرها ليوم تشخص فيه الأبصار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الاطهار ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله U ، فهي وصية الله لكم ولمن كان من قبلِكم ، } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وخاصة أنكم في موسم التقوى ، في شهر رمضان ، شهر الصيام الذي فرضه الله U على المؤمنين لعلهم يتقون ، كما قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { فاتقوا الله يا عباد الله ، لاسيما فيما بقي من شهركم ، فقد مضى أكثره ، وبقي أفضله نعم ، أفضل مافي رمضان ـ أيها الأخوة ـ عشره الأواخر ، يكفي أن فيها ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر كما قال تبارك وتعالى : } لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ { من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ـ كما في الحديث الصحيح ـ ولا يحرم خيرها إلا محروم .
فالعشر ـ أيها الأخوة ـ هذه المتبقية ، هي أفضل ما في رمضان ، ومن فضلها وأهميتها ؛ كان النبي e يجتهد فيها ، أكثر مما يجتهد في غيرها ، ففي الصحيحين تقول عائشة رضي الله تعالى عنها : كان رسول الله e إذا دخل العشر ، شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله . فلنحرص ـ أيها الأخوة ـ على ما تبقى من هذا الشهر باستغلاله بالعمل الصالح ، وبما يقرب إلى الله تعالى .
أيها الأخوة المؤمنون :
اليوم هو اليوم السابع عشر من شهر رمضان ، فقد مضت هذه الأيام بسرعة ، ومن عاش منكم ، فسوف تمضي عليه الأيام الباقية بسرعة أيضا ، وفي النفس أشياء ـ أيها الأخوة ـ أود التحذير منها ، وخاصة في هذه الأيام الباقية :
أولها ـ أيها الأخوة ـ كثرة الأكل في رمضان ، فبعض الناس يجعل رمضان موسما للتفنن بالأكل ، ولذلك ينفق على أكله في رمضان أضعاف ما كان ينفق في غير رمضان ، فتجد همه وفكره منصبا على أكله ، يأكل بعد أذان المغرب ، ويأكل بعد صلاة المغرب ، ويأكل بعد صلاة التراويح ، ويأكل في الساعة الثانية عشر ، وفي الساعة الثانية ، إلى أن يؤذن الفجر وهو يأكل ، بعضهم ـ أيها الأخوة ـ يأكل وليس له نفس بالأكل ، إنما يأكل ليعوض يوما فات ويستعد ليوم قادم ، والأكل ليس حراما ، معاذ الله أن نحرم ما أحل الله ، ولكن الله U يقول : } وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { فننهى عن كثرة الأكل ، لأن كثرة الأكل لها آثار سيئة ، ونتائج ضارة ، فهي من مفسدات القلب ، وأسباب قسوته ، ومما يكسل عن العبادة ، بالأضافة إلى الإمراض المعروفة التي تسببها التخمة ، كانسداد الشرايين ، والضغط والسكر ، وغير ذلك ، ولذلك يقول النبي r : (( بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ غَلَبَ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ )) ويقول ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه لم يشبع منذ أربعة أشهر فقال : ليس ذاك لأني لا أقدر عليه ، ولكن أدركت أقواما يجوعون أكثر مما يشبعون . والإمام الشافعي - رحمه الله – يقول : إن الشبع يثقل البدن , ويزيل الفطنة , ويجلب النوم , ويضعف صاحبه عن العبادة ، وما شبعت منذ ستة عشر سنة ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : فضول الطعام داع إلى أنواع كثيرة من الشر , فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي , ويثقلها عن الطاعات فمن وقي شر بطنه , فقد وقي شرا عظيما ، والشيطان أعظم ما يتحكم من الإنسان إذا ملأ بطنه ، ولهذا جاء في بعض الآثار : ضيقوا مجاري الشيطان بالصوم . وقال – r : (( ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن )) . يقول القحطاني في نونيته : أقلل طعامك ما استطعت فإنه
نفع الجسوم وصحة الأبدان
لا تحش بطنك بالطعام تسمنا
فجسوم أهل العلم غير سمان
واملك هواك بضبط بطنك إنما
شر الرجال العاجز البطنان
فلنحذر ـ أيها الأخوة ـ كثرة الأكل ، وهذا الأمر الأول ، أما الأمر الثاني ، فهو سهر الليل ونوم النهار ، قضاء نهار رمضان بالنوم ، أثر سهر الليل على مالا فائدة منه ، أو على أمر لا يرضاه الله U ، فينتهي رمضان ، والحصيلة عند مثل هذا ، التفريط بالوقت الثمين وعدم استغلاله بما يرفع الدرجات عند الله يوم القيامة ، ومجموعة من المسلسلات الهابطة ، والأفلام والمسابقات التي سرقت من بين يديه أثمن ما يملك ، وهو الوقت في زمن فاضل ، ومناسبة قد لا تتكرر .
وسهر ليالي رمضان ، ونوم أيامة ـ أيها الأخوة ـ ظاهرة بلي بها كثير من الناس ، ففات عليهم من الخير الكثير ، فضلا من وقوعهم بما يسخط الله U ، من نوم عن الصلاة ، وخاصة صلاة الظهر ، وترك لصلاة الجماعة وغير ذلك ، فينبغي لنا أن نحرص على استغلال ما تبقى من هذا الشهر ، فالنبي r كما سمعتم في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين : كان رسول الله e إذا دخل العشر ، شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله.
أسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأمور التي ينبغي الحذر منها ، وتكون عالة على استثمار ما تبقى من رمضان ، كثرة الذهاب إلى الأسواق ، فبعض الناس خلال الأيام القليلة الباقية ، يقضي جل وقته في السوق ، بحجة ملابس العيد ، وخاصة النساء ، فاليوم تشتري وغدا تعيد وتبدل ، وهكذا حتى ينتهي رمضان ، والسوق ـ أيها الأخوة ـ معركة الشيطان كما قال الصحابي الجليل سلمان الفارسي ، ففي صحيح مسلم يقول t : لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته .
و قد أخبر النبي r محذرا مما يجري ويحصل في الأسواق بأنها أبغض البقاع إلى الله ، كما في الحديث الصحيح ، عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : (( أحب البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها )) .
فلنحذر في هذه الأيام كثرة ارتياد الأسواق ولنحذر نساءنا من كثرة الذهاب إلى معارك الشيطان .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأمور ـ أخيرا ـ التي ينبغي الحذر منها ، إنفاق الأموال على الكذبة من المتسولين ، ففي رمضان لاسيما الأيام المقبلة ، يكثر المتسولون ، وخاصة في المساجد بعد الصلاوات ، فيقف أحدهم وقد حفظ شيئا من كتاب الله U وسنة نبيه r ويختم ذلك بدموع كاذبة ، ليستعطف المسلمين ويأخذ أموالهم بغير حق ، ويأكلها بالباطل ، فاحرص أخي المسلم ، على وضع نفقتك بيد من يستحقها .
وليتق الله أولائك ـ الذين يسألون الناس تكثرا ـ فإنما يسألون جمرا ويأخذون نارا كما قال النبي r في الحديث الذي رواه مسلم : (( من سأل الناس تكثرا ، فإنما يسأل جمرا ، فليستقل أو ليستكثر )) .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واحرصوا على استغلال ما تبقى من شهركم .
اسأل الله أن يتقبل مني ومنكم الصيام والقيام ، ولا يردنا خائبين إنه سميع مجيب. اللهم إنا نسألك في هذا الشهر العظيم أن تعتق رقابنا من النار ، ورقاب آبائنا وأمهاتنا ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر ، واجعلنا فيها من الفائزين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة وابعد عنهم بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا له يارب العالمين . اللهم إن للصائم دعوة مستجابة ، فاللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا ، وتهدي قلوبنا ، وتشفي مرضانا، وترحم موتانا ، وتسدد ديوننا ، وتعافي من ابتليته منا برحمتك يا أرحم الراحمين.
] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [ .
عباد الله :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|