رمضان والجود
7 / رمضان / 1443
الحمد
لله الغني الحميد، الواسع المجيد، الغفور الودود، ذي الكرم والجود، واهب العطايا
لجميع العبيد، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ويريد، وأشكره شكرا
أرجو به من فضله المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبدُهُ ورسولُهُ صاحب المقام المحمود والحوض المورود، صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان من أهل الصيام القيام الركع السجود، وسلم
تسليما كثيرا إلى يومه الموعود. أما بعد
فـ
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) اطلبوا القرب من ربكم بتحقيق التقوى في شهركم بالصبر والمصابرة
والمجاهدة على الأعمال الصالحة في ليلكم ونهاركم، لعلكم تفوزون بالغفران ودخول
الجنان والعتق من النار.
أيها
المسلمون: ربنا جل جلاله أكرم الأكرمين،
وأجود الأجودين، سمى نفسه بأسماء الكرم كالكريم والأكرم والجواد والرزاق والوهاب
والمنان والباسط والمحسن والشكور وذي الجلال والإكرام، وكلها تتضمن صفات جلال
وكمال. لذا هو سبحانه يحب الكرماء، وأهل الإحسان والجود والعطاء.
عن
سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة، يحب معالي الأخلاق
ويكره سفاسفها) [أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي
وصححه الألباني].
وكرمُ
ربنِّا تبارك وتعالى وجودُه يتضاعفُ في شهر رمضان على
أهل الإيمان.
فمن
جوده سبحانه: أن جعل الجزاء على الصيام إليه سبحانه
وهو الغني الكريم، لا يقف عند حد مضاعفة.
وبَيْنَ
آيات الصيام في القرآن رغّب الكريم عباده بدعائه بإخباره عن قربه منهم وإجابته دعاءهم
فقال: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)).
ووهب
لكل صائم دعوة مستجابة لا ترد.
ومن
جوده سبحانه في رمضان فتحُهُ سبحانه أبواب الجنةِ دار كرامته، ومناداةُ منادِيه: يا باغي
الخير أقبل.
وهذه
صفة الكرماء: يفتحُون أبوابَهم
للراغبين والراهبين، لذا فتح ربنا أبواب السماء، وأبواب الرحمة، وأبواب التوبة
والإنابة، وأبواب الجنة، وأبواب الاستدراك والتعويض.
ومن
جوده سبحانه كثرةُ عتقائه من النار،
فلله عتقاء من النار كل ليلة، وعند كل فطر.
ومن
جوده تعالى تعويضُه عباده من أمة
محمد عن قصر أعمارهم، بليلةٍ فَضْلُ العبادة فيها أكبر من فضل العبادة في ألف شهر.
وكل
فضيلة في رمضان، هي من كرم الكريم المنان ذي الجلال والإكرام.
أيها
الناس : وإمامُنا وقدوتُنا، نبيُنا محمدُ بنُ عبد الله صلى الله عليه
وسلم كان أكرم الناس (فما سُئل شيئاً فقال لا)، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان جوده يتضاعف في رمضان.
في
الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان
النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل
فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من
الريح المرسلة) زاد أحمد (لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه).
عباد
الله: والجود والكرم والإحسان من صفات
المؤمنين الصادقين المتقين، فهم ينفقون مما رزقهم الله في السراء والضراء، سراً
وعلانية، ويطعمون الطعام لوجه الله، لا يريدون جزاء ولا شكوراً من غير الله، ((وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)).
ويتضاعف
جودهم وإحسانهم في رمضان اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام، ورجاءً لنيل جود
الرحمن.
وللجود
في رمضان ميزات: ففيه اغتنام شرف الزمان
ومضاعفة الحسنات، وفيه إعانة للصائمين والقائمين والطائعين على طاعاتهم، لذا كان
للمعين لهم مثل أجرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (من
فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً). [أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني عن النبي صلى الله عليه
وسلم]
والجود
يَجْبُرُ ما يقع في الصيام من خلل، فقد جاء أن زكاةَ الفطر طهرةٌ للصائم من اللغو
والرفث.
فاللهم
جد علينا يا جواد، ووفقنا للجود وقنا شح أنفسنا وشرورها وسيئات أعمالنا واغفر لنا
ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد
لله المحمود بكل لسان، المشكور على كل إحسان، خلق الخلق ليعبدوه، وبين لهم طرق
الوصول إليه ويسره لهم ليصلوه، فهو ذو الفضل العظيم، والخير الواسع العميم، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان وسلم تسليما. أما بعد:
فيا
أيها الناس: الصدقة برهان على صدق الإيمان، والسر
منها تطفئ غضب الرب، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، (وتطفئ عن أهلها حرّ القبور)
حديث الحسن، وهي دليل على الرحمة والشعور بالمحتاجين. وإنما يرحم الله من عباده
الرحماء، وهي سبب للاستظلال في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، (فكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس)، وفي السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها)
وهي سبب للخُلْفِ والبركة من الله فـ (ما
نقصت صدقة من مال) رواه مسلم، والفلاح
مرتبط بالجود ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
فجودوا
وتصدقوا أيها الناس وأنفقوا يُنْفِقِ الله عليكم، وارحموا تُرحموا، وأحسنوا إن
الله يحب المحسنين، وتذكّروا أن لكم إخوة بين أظهرِكم، يعيشون تحت وطأة الفقر
والمسكنة، ويقاسون هموم الحاجة، وفي البيوت من حولكم أرامل وأيتام ومُعسرين وأُسر
أربابها مساجين.
ومن
أبواب البر المتاحة مساندة اللجان
الوطنية والمنصات الرسمية، والجمعيات والمؤسسات والمبرات الخيرية القائمة على
إغاثة الملهوف، وأداء الديون عن العاجزين، وسد حاجة أسرهم وقت محنتهم وشدتهم بغياب
عائلهم، ورعاية الأيتام، ومجال تحفيظ القرآن، والدعوة إلى الله عبر جمعيات توعية
الجاليات، وتفطير الصائمين، وإطعام الطعام.
عباد
الله: واعلموا أن أدنى درجات الجود، أداءُ الزكاة الواجبة بطيب نفس،
فأداؤها فريضة من فرائض الله، وركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في القرآن.
وعلى
مؤدي الزكاة أن يتحرى إيصالها إلى مستحقيها بيقين، بنفسه أو بمن تجوز وكالته في
إيصالها، ولا تبرأ ذمته منها إلا بتحري إيصالها لمستحقيها المنصوص عليهم في
القرآن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ
وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))
اللهم
احفظ علينا ديننا وتقبل منا، واجعلنا مقيمين للصلاة مؤدين للزكاة على الوجه الذي
يرضيك عنا يا أرحم الراحمين.
اللهم
اقبل منا ومن المسلمين الصيام والقيام وتجاوز عن التقصير والآثام وأعتقنا من نارك
وأدخلنا جنتك يا أرحم الراحمين.
اللهم
آمنا في أوطاننا ودورنا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعلهم سلما لأوليائك
حرباً على أعدائك ، اللهم ادفع عن بلادنا الفتن، اللهم من أراد بلادنا وبلاد
المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره ، اللهم عليك بالروافض أعداء أهل البيت
وخصوم السنة ، اللهم لا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية . اللهم أنجِ
المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين ، اللهم
ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم ، اللهم أحقن
دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم ، اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم
واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا
الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم ، ربنا
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار .
عباد
الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما
تصنعون .
وللمزيد
من الخطب الرمضانية تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=132 |