الفُرْقَةُ والاختِلافُ مِن أسباب تسَلُّطِ العدو
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى، وابذلوا أسباب الفوز برحمته، واعلموا أن رحمة الله قريب من المحسنين. إن من أسباب الفوز برحمة الله: الحرصَ على الاجتماع والاعتصامِ بحبل الله ونبذَ الفرقة والاختلاف. ( الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ). واعلموا أن العدو يستحيل أن يتسلط على المسلمين إلا إذا دبت الفرقة بينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا ، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لأُمَّتِي أَن لا يُهْلِكَها بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَن لا يَسُلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتُهْم. وَإِِنّ رّبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتَكَ أَنْ لا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ ، وَأَنْ لا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفسِهِم فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتُهْم حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيُسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا). فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى استجاب دعاءه في أمته بأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم أي: من الكفار. ولو اجتمع عليهم من بأقطارهاـ أي: من على ظهر الأرض, مهما بلغ عددهم وعتادهم, ومهما بلغت قوتهم, ولكن بشرط: ألا وهو الاجتماع وعدم الفرقة وانتشار العداوة التي تفضي أحياناً إلى أن يسفك المسلمون بعضهم دم بعض. ومن هذا الحديث يتبين لكل مسلم سبب تسلط الأعداء على المسلمين وهيمنتهم. وإن مما يؤسف له أنك ترى الكثير من المسلمين في غفلة عن هذا الأمر العظيم الذي به عزتهم وسيادتهم ونهوضهم إلى ما يصبون إليه. ما الذي أوصل المسلمين إلى هذه الحالة؟ ما الذي سلط العدو الكافر الضعيف على المسلمين الأقوياء؟ الجواب موجود في هذا الحديث العظيم.
عباد الله: إن الاجتماع الذي يريده الله وتحصلُ به القوة والعزة, لا يكون إلا بأسبابه الشرعية, والتي أولُها: إخلاص الدين لله؛ والذي لا يكون إلا بمعرفةِ التوحيد والعملِ به، ونبذِ الشرك صغيره وكبيره, والبراءةِ من أعداء الله.
الثاني: معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم والعملُ بها والدعوةُ إليها. يقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) والحسب هو الكافي. أي أن الله تعالى كافيك يا محمد وكافي من اتبعك وسار على هديك. وبهذا يتبيّن أن الكفاية من الله تكون علي قدر المتابعة لِهدي النبي صلى الله عليه سلم, فكلما كمُلت المتابعةُ للرسول صلى الله عليه وسلم كانت الكفايةُ أكملَ وأتم, وكلما نقصت المتابعةُ نقصت الكفايةُ من الله.
وقال صلى الله عليه وسلم : (وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي) فكلما ظَهَرَت البدعُ, وزادت المخالفات للرسول صلى الله عليه وسلم زاد الذلُّ والصغارُ والعياذ بالله.
ومن أهمِّ ما يتعلق بهدي الرسولِ صلى الله عليه وسلم: العناية بما كان عليه خيرُ القرون المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ). وقال صلى الله عليه وسلم: (وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلُّهُا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً ، قَالُوا : مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)، وقد اجتهد أئمةُ الإسلام في بيان عقيدة الفرقة الناجية, وسَمَّوْا أصحابَها أهلَ السنة, وأُلِّفت الكتبُ والرسائلُ في ذلك, فيجب على المسلمين بذلُ الجهد في معرفتها والعملِ بها ونشرِها بين الناس.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: السبب الثالث من أسباب الاجتماع: تحقيق معنى قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) والتخلُّص من خصالِ أهل الجاهلية, وذلك بأن يكون الرابط بين المسلمين هو الدين, لا اللغة ولا الجنسية ولا اللون ولا القبيلة. (أوثَقُ عُرَى الإِيمانِ الحُبُّ فِي اللهَ وَالبُغضُ فِي اللهِ).
الرابع: التجرد عن الهوى وعدم التعصب للمذاهب أو النحل أو الأشخاص؛ فإن التعصب والهوى يُعْمِيانِ عن معرفة الحق والانقياد له.
الخامس: الارتباط بالعلماء والصدورُ عن رأيهم خصوصاً في الفتن.
السادس: لزومُ جماعةِ المسلمين وولاةِ الأمرِ, وعدمُ نزعِ يد الطاعة حتى لو رأى المسلم ما يكره، ما لم يؤمر بمعصية الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَه فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ فَمِيتَه جَاهِلِيَّةً).
ومِن أعظمِ ما يَدْخُلُ في هذا الباب: الجهادُ وقتالُ العدو: فإنه منوطٌ بِوُلاةِ الأمرِ وأهلِ الحلِّ والعقد, وأما بقيَّةُ الناس, حتى ولو كانوا من المنتسبين إلى العلم والدعوة فإنهم تبعٌ لِوُلاةِ الأمرِ, لا يجوزُ لهم الافتياتُ عليهم, والجهادُ بغيرِ إذنِهِم. وهذا أمرٌ مُتَقرِّرٌ عند أهل العلم, لا تَتِمُّ مصلحةُ الجهادِ إلا به, ولا يَلِيقُ بِمَن طَلَبَ العلمَ أنْ يَجْهَلَه, حتى لا يَقع الناسُ في الفوضى, والفرقةِ وتَشتيتِ الكلمة, وحتى لا تنتشرَ الراياتُ التي يستغلُّها الأعداء.
اللهم أرنا الحقَّ حَقاً وارْزقنا اتباعه, وأرنا الباطِلَ باطلاً وارزقنا اجتنابه, وأعِذْنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |