الفرقة والإختلاف من أسباب تسلط العدو
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله :
اتقوا الله تعالى، وابذلوا أسباب الفوز برحمته، واعلموا أن رحمة الله قريب من المحسنين. إن من أسباب الفوز برحمة الله الحرص على الاجتماع والاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة والاختلاف. ( الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ).
واعلموا أن العدو يستحيل أن يتسلط على المسلمين إلا إذا دبت الفرقة بينهم.
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله زوى لي الأرض . فرأيت مشارقها ومغاربها . وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها . وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض . وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة . وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم . فيستبيح بيضتهم . وإن ربي قال : يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد . وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة . وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم . فيستبيح بيضتهم . ولو اجتمع عليهم من بأقطارها, حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا ) .
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى استجاب دعاءه في أمته بأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم أي: من الكفار .
ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ـ أي : من على ظهر الأرض ـ مهما بلغ عددهم وعتادهم ومهما بلغت قوتهم ولكن بشرط ألا وهو:-
الاجتماع وعدم الفرقة وانتشار العداوة التي تفضي أحياناً إلى أن يسفك المسلمون بعضهم دم بعض . ومن هذا الحديث يتبين لكل مسلم سبب تسلط الأعداء على المسلمين وهيمنتهم .
وإن مما يؤسف له أنك ترى الكثير من المسلمين في غفلة عن هذا الأمر العظيم الذي به عزتهم وسيادتهم ونهوضهم إلى ما يصبون إليه.
وما قضية لبنان عنا ببعيد والتي تناسى فيها كثير من المسلمين معاصيهم وبعدهم عن شرع الله حتى ابتلوا بفتنة شاب لها رأس الولد الصغير بأيدي اليهود الخبثاء والتي كان دخنها من تحت أقدام الرافضة الذين زعموا كذباً وزوراً بأنهم مجاهدون في سبيل الله.
فعلق كثير من المسلمين أمرهم بقرارات الكفار وجعلوا حل قضيتهم مرهوناً بقراراتهم .
ما الذي أوصل المسلمين إلى هذه الحالة؟
ما الذي سلط العدو الكافر الضعيف على المسلمين الأقوياء؟
الجواب موجود في هذا الحديث العظيم .
عباد الله:
إن الاجتماع الذي يريده الله ويحصل به القوة والعزة لا يكون إلا بأسبابه الشرعية:
أولها :
إخلاص الدين لله؛ والذي لا يكون إلا بمعرفة التوحيد والعمل به ، ونبذ الشرك صغيره وكبيره والبراءة من أعداء الله.
الثاني:
معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها والدعوة إليها.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ والحسب هو الكافي. أي أن الله تعالى كافيك يا محمد وكافي من اتبعك وسار على هديك. وبهذا يتبين أن الكفاية من الله علي قدر المتابعة لهدي النبي صلى الله عليه سلم فكلما كملت المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم كانت الكفاية أكمل وأتم وكلما نقصت المتابعة نقصت الكفاية من الله .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( وجُعِلَ الذلة والصَّغَار على من خالف أمري ) ، فكلما زادت المخالفات للرسول صلى الله عليه وسلم زاد الذل والصغار والعياذ بالله.
الثالث :
بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ونشرها بين الناس لأن أهل السنة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة باتفاق الأئمة قال صلى الله عليه وسلم : ( وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة! قالوا: منْ هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي ) .
وقد اجتهد أئمة الإسلام في بيان عقيدة الفرقة الناجية وسموا أصحابها أهل السنة وأُلفت الكتب والرسائل في ذلك فيجب على المسلمين بذل الجهد في معرفتها والعمل بها ونشرها بين الناس. وقال النبي صلى الله عليه في شأن عزة هذه الفرقة وتمكينها : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ) .
الرابع:
اجتناب البدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) .
والبدع : هي الأعمال والأقوال والاعتقادات التي لم يشرعها الله حتى ولو كان فاعلها يريد بها وجه الله. لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون؛ واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عُدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين؛ أما بعد:-
السبب الخامس من أسباب العزة والقوة:
تحقيق قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ والتخلص من خصال أهل الجاهلية , وذلك بأن يكون الرابط بين المسلمين هو الدين ؛ لا اللغة ولا الجنسية ولا اللون ولا القبيلة. ( أو ثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ).
السادس :
التجرد عن الهوى وعدم التعصب للمذاهب أو النحل أو الأشخاص؛ فإن التعصب والهوى يعميان عن معرفة الحق والانقياد له.
السابع :
الارتباط بالعلماء والصدور عن رأيهم خصوصاً في الفتن.
الثامن :
لزوم جماعة المسلمين وولاة الأمر وعدم نزع يد الطاعة حتى لو رأى المسلم ما يكره، ما لم يؤمر بمعصية الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى من أميره ما يكره فليصبر فإنه من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية ).
اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام واجمع كلمتهم على الحق يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعل لأعدائنا منةً علينا يا قوي يا عزيز ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم احفظ ولي أمرنا, اللهم وفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ أمر المسلمين ، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|