فقر القلب
( مع التنبيه على الإستخدام السيئ لرسائل الجوال )
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وابذلوا أسباب صلاحِ قلوبِكم, فإنها مَلِكَةُ الأعضاء, إذا صَلَحَت صَلَحَتِ الأعضاء, وإذا فَسَدت فسدتِ الأعضاء. واعلموا أن الفقرَ الحقيقي هو فقرُ القلب وبُعْدُه عن الله. عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرُ ؟ قُلْت نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : إنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ ). والمراد بذلك: بيانُ الفقر الحقيقي, والغِنى الحقيقي. وأن الذي يجب الطَّمَعُ في الإستكثارِ منه, هو دوامُ الافتقار إلى الله في كل حال، ومشاهدةُ فاقتِه التامةِ إلى الله تعالى من كل وجه. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾. وأولُ أمرٍ يدخل في الآية, هو افتقارُهم إلى هِدايتِه, وتوفيقِه, ومغفِرَتِه, وتثبيتِهِم على طاعتِه, وكَثْرَةِ ذِكرِه, ونَصرِهِ وتأييدِه.
وفقرُ القلبِ له علامات: منها عدمُ اللجوءِ إلى اللهِ عند الشدائد, والتي منها تَذَكُّرُ الذنوبِ ومحاسبةُ النفس. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾.
ومن علامات فقر القلب: التمسُّكُ بالأدلة المشتبهة وجَعْلُها مَحَلا لِلجَدَل. وتركُ الأدلةِ الواضحةِ المُحْكَمَة, كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ﴾.
ومن علامات فقر القلب: عدمُ تعظيمِ شعائرِ الله الظاهرة, كالصلاة والأذان وذبح الهدي والأضاحي وإحياء السنن وغير ذلك. كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾.
ومن علامات فقر القلب: عدمُ القناعة, ويقابل ذلك غِنى النفس, روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ), وقال عليه الصلاة والسلام: ( كُن وَرِعاً تَكُن أعبَدَ الناس, وكن قَنِعاً تكن أَشْكَرَ الناس ).
ومن علامات فقر القلب: قِلَّةُ ذكر الله, وأَخْطَرُها: عَدَمُ الطُّمأنينة لذكر الله وقراءةِ القرآن. فإن المؤمنين لا يجدون السعادةَ والراحةَ وانشراحَ الصدرِ وطُمأْنينَةَ القلب, إلا بذكر الله وتلاوةِ القرآن وسماعِ المَوْعِظةِ. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾.
فيا من تخاف من فقرِ جَيْبِك, وقِلَّةِ رَصيدِ الدنيا, وتَهُرُب من ذلك, وهذا من حَقِّك, بل أنت مُطالَبٌ به إذا كان بالطًّرًقِ المباحة. ولكن يجب عليك أن تَعْلَمَ بأنَّ هناكَ فقراً لا يُفلِحُ صاحبُه, هو فقْرُ الدِّين, وفقرُ محبةِ الله وذِكرِه, والخوفِ منه, والتوكُّلِ عليه, والإنابةِ إليه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: إن مِنَ الناس من يأتي يوم القيامة وقد وَجَدَ له مِن الحسناتِ ما لم يَخْطُرْ بِباله, بسبب نصيحةٍ بَذَلَها فَعَمِلَ بها غَيرُه, أو صدقةٍ جاريةٍ بَقِيَ له أثرُها بَعْدَ مَوْتِه. ومِنَ الناسِ من يأتي يوم القيامة فيجد أمامه سيئاتٍ لم يعملها, لكنه دعا إليها ونَشَرَها فَعَمِلَ بها غيرُه, فكان عليه من الوِزْرِ مثلُ أوزارِهِم. فاسْتَفِق يا مَنْ تَبُثُّ المَقاطِعَ المحرَّمَة عبر الجوال أو الإنترنت فيتلقفها غيرُك, فإن وِزْرَهم عليك ولو بلغوا ملايين. ويزدادُ الأمرُ خطورة عندما تكون الرسائلُ والمقاطعُ متعلقةً بأمورِ الشرع لِأن شَرَّ الأُمور محدثاتُها, كما هو الحاصل في الرسائل التي تُذَيَّلُ بِقولِ المُرْسِل: ( أُنْشُرْ تُؤْجَر ) وما شابه ذلك من العبارات التي تَحُثُّ مُتَلَقِّي الرسالة على نشرها إلى أكبر عدد ممكن, أو كذلك تُخَوِّفُه من عدم الإرسال, فإن بعضَ نَماذِجِ الرسائل تتضمن منفعةً تحصل للمرسل بسبب إرسالها, من شفاء مريض أو حصول رزق أو قضاء دين أو فتح بابٍ من أبوابِ السعادة, كما هو الشأنُ في الرسائل التي تتضمن بعضَ الأدعية, أو بعضَ خصائصِ أسماءِ اللهِ وصفاتِه. وبَعْضُها يتضمن حصولَ مضرة لمن لم يُرسِلها إلى غيره, كأنْ يَحْصُلَ له مرض أو مصيبة أو غير ذلك من المضار إذا لم يرسلها. هكذا يُغَرِّرون بِعُقُولِ الجهال وضِعافِ النفوس, كي تنتشر الرسائل وتنتشر معها الخرافة ويحصل مِن ورائها المكاسب الكثيرة المحرمة لشركات الإتصالات ومن يتعاون معهم في ذلك. وهذا المسكين المُتَلَقي للرسالة مُعِينٌ لهم على نشر الباطل وتَحَمُّلِ الأوزار. وأشَدُّ مِن هذا وأَخْطَر: عندما تَتَضَمَّنُ الرسالةُ حديثاً لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما أكثَرَ هذا النوعِ من الرسائل والعياذ بالله. فإن كثيرا من الأحاديث التي تُنْقَل عبر هذه الرسائل باطلة, لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وكُلُّ من ينشرها فإثْمُه كبير لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار ). وإياكَ أن تقول: أنا معذور ولا أدري, وأنت تعلم أن النقل عن سائِرِ الناسِ يحتاج إلى تثبت, فكيف بالنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
اللهم استعملنا في طاعتك واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا حي يا قيوم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر،اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، ، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابِك وسنةِ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعذهم من شر الفتنة والاختلاف واجمع كلمتهم على الحق يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، ، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتحذرهم من الشر، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html |