لا إكراه في الدين
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى. واعلموا أن دين الإسلام دين كامل شامل لكل ما يحتاج إليه البشر في أمور دينهم ودنياهم وآخرتِهم. ومِن رحمةِ الله أَنه فَطَرَ العبادَ عليه بحيث كُلُّ مولودٍ يولد على الفطرة, أي على التوحيد, ثم إنه مع ذلك كُلِّه جَعَلَ هذا الدينَ في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته.
فَأيُّ حُجَّةٍ يَحْتَج بها الكافر في عدم دخوله في الإسلام؟!!!
وأيُّ حُجةٍ يحتج بها من رَغِبَ عن الإسلام بعد دخوله فيه؟!!!
مادامَ مفطوراً على الإسلام من حين ولادته, ودلائلُ الإسلامِ وبراهينُه واضحة, تَجْعلُ كُلَّ ذي عقل سليم يدخل فيه من تلقاء نفسه دون إكراه.
فأي حجة يحتج بها الكافر بعد ذلك؟!!!
ولذلك قال تعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾. أي: مادام الأمر كذلك, فالناس ليسوا بحاجة إلى إكراه, وليسوا أحراراً فيما يعتقدون, بل يجب عليهم الدخول فيه بدون تردد. والسبب في ذلك أنه ﴿ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾. هذا هو المراد من الآية الكريمة, وهذا ما فهمه المسلمون جَميعُهُم, عُلَماؤُهُم, وَمُتَعَلِّموهم, والأُمِّيُّون منهم. بخلاف ما يعتقده أَهْلُ الزيغ مِمَّن لا يُفَرِّقون بين الإيمان والكفر, والحقِّ والضَّلال, ولم يهتدوا إلى نور الإسلام والحِكمةِ التي من أجلها خَلَق الله الثقلَيْن. حَيثُ يَظُنُّونَ بالله ظَنَّ السَّوْء, مِنْ أََنَّه خَلَق الخلقَ عَبَثاً, وَتَرَكَهُم سُدى, يَعْتَقِدون ماشاؤوا, وَيَنْتَحِلون مِنَ النِّحَلِ ماشاؤوا, فلا عقيدة تجمعهم, ولا شريعة تحكمهم. ولا يُحاسبون, ولا يُجازَوْن بِأعمالهم. وهذا هو ظَنُّ السَّوْءِ الذي ظَنَّه أهْلُ الجاهلية بِرَبِّهِم. بِخلافِ ما يَعْتَقِدُه المؤمنون بِربّهِمُ العزيزِ الحكيمِ العليمِ الخبيرِ. الذي خلق الثَّقَلَين لأمرٍ واحد فقط لا يشترك معه غيرُه من الأسباب, ألا وهو عبادة الله وحده لا شريك له واتِّباعُ رسولِهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾. وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾. وقال تعالى: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.
أيها المسلمون: إن اللهَ الحكيمَ العليمَ, الذي قال: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾, هو الذي قال: ﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾. وهو الذي قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾. وهو الذي قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾. وهو الذي قال: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾, قال ذلك عندما استهزأ بعض المنافقين برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضِ القُرَّاءِ من الصحابة, فجاؤوا يعتذرون ويحتجون بأن ذلك كان منهم على وجه المُزاحِ وحَديثِ المجالس, فلم يَعْذُرهُم الله, ومن هذه الآية أخذ هل العلم بأن الإستهزاء بالله أو رسوله أو شيء من دين الله كُفْرٌ مُخْرجٌ من المِلَّة حتى لو كان على وجه المُزاح. ومن الأدلة أيضاً قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ بَدّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ). وأجمع أهلُ العلم على ذلك, وقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة والمرتدين وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على متابعته على ذلك.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
أيها المسلمون: إن الفهم الخاطِئَ للأدلة, هو الذي يوُقِعُ في الضَّلالِ والإعتِقاداتِ الباطلة. ويُفضِي إلى الوقوعِ فيما وقعَ فيه بنو إسرائيل من الإيمانِ ببعضِ الكِتاب والكفر بِبَعض. وهو عُيْنُ طريقةِ المنافقين الذين يأخذون من الدين ما يُوافِقُ أهواءَهم, ويَتْرُكون ما يُخالِفُ أهواءَهم, كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾. وما تسمعونه وتقرأونه اليوم من النداء بنبذ أحكام الشريعة باسم حرية الفكر من خلال إنكار بعض الأدلة, وتحريف بعضها على ما يوافق أهواءهم داخل في ذلك. وينافي الأدلة الآمرة بتطبيق الحدود, والآمرة بتحكيم الشريعة, والآمرة بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالشخص قد يتنقص جناب الرب سبحانه باسم حرية الرأي والفكر. وقد يسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم بنفس الحجة. وقد يتنقص أحكام الإسلام وتعاليمه باسم الحرية. وقد يزني ويقول أنا حر, ويسرق ويختلس ويأكل الربا ويقول أنا حر, بل نتج عن هذا المعتقدِ العفن قسوةُ القلوب والتمرُّدُ على الوالدين باسم الحرية الشخصية والإستقلالية, وتمرد الزوجة على زوجها باسم الحرية والمساواة وعدم فرض الرأي. كل ذلك حرباً على الإسلام وأهله, ونقلاً للناسِ من دين الإسلام الذي أعز الله به أهلَه, إلى دين الغرب والحياةِ التي تأنف منها بهيمة الأنعام فضلا عن البشر, فيخرج جيل لا يدين بدين الإسلام, ولا يعرف طريق الإيمان. ولا يعرف لِلْعفةِ وزنا ولا للبِرِّ وصلةِ الرحمِ طريقا. جيلٌ يعيش على الأنانية والضياع باسم الحرية. التي هي السفول والإنحطاط, فإن الحرية الحَقَّة هي الإيمان والعمل الصالح, ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، ، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعذهم من شر الفتنة والاختلاف واجمع كلمتهم على الحق يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتحذرهم من الشر، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html |