الإنصاف من نفسك
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا, من استكملها فقد استكمل الإيمان, ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان, مما يدل على أن الإيمان ليس مجرد دعوى تقال باللسان. وشُعَبُ الإيمان كثيرة, ومن هذه الشعب ما رواه البخاري معلقا, عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: ( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك, وبذل السلام للعالم, والإنفاق من الإقتار ).
فهذه أمور ثلاثة, أولها: الإنصاف من نفسك, فإن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لله حقا واجبا عليه إلا أداه، ولم يترك شيئا مما نهاه عنه إلا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان. وكذلك إذا أنصف العبد من نفسه, لابد وأن يُعامل إخوانه بمثل ما يحب أن يعاملوه, وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه. وإذا أنصف العبد من نفسه لابد وأن يقبل الحق مهما كان قائله ومصدره, وإذا أنصف العبد من نفسه لابد وأن يتراجع عن خطئه إذا تبين له الحق. وإذا أنصف العبد من نفسه لابد وأن يتواضع وأن يترك الكبر والتعالي, دون النظر إلى المنصب أو الحسب أو النسب أو الجنسية أو اللون, لأن هذه الأمور ليس لها اعتبار, ولا فضل لأحد فيها على أحد إلا بشيء واحد فقط: ألا وهو التقوى, ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾. وكذلك إذا أنصف العبد من نفسه فإنه لا يتعدى الحدود الشرعية فيما إذا أراد أن يدعو إلى الله أو ينصح عاصيا. فإذا أردت أن تنصح مسلماً قد وقع في معصية, قبل أن تعاتبه أو توبّخه أو تُسدي له نصيحة: تأمل لو كنت مكانه. كي يكون نصحك له مبنياً على الرحمةِ والشفقةِ والحرصِ على الهدايةِ. ثم إنك قد تكون قد ابْتُليت بنفسِ المعصية قبل ذلك, كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ ﴾. والإنصاف من النفس أيضاً يلزم منه عدم هضم حق الآخرين, ألا ترون أن الله تعالى, توعد المطففين بويل, وهو العذاب الشديد في النار. قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾. فهذه الآيات, في سياق جزاء المُطفِّفين الذين إذا اكتالُوا على الناس يستوفون، وهذا لا بأس به، أنهم يستوفون؛ لأنَّ هذا هو حقُّهم، لكن: ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ أي: يُنْقِصون، فهم يطالبون بحقوقهم ويهضِمون حقوق الناس، وهذا غاية الجَور، حينما يأخذون حقَّهم كاملاً, ويُنْقِصون حق غيرهم، فهؤلاء هم المُطفِّفون. وذِكْرَ الكيل والوزن على سبيل المثال- وإلا فكل مَنْ كان ينقص حقَّ غيره ويُطالب بحقِّه كاملاً فهو من المُطفِّفين، حتى في مسائل العلم: لو أن شخصاً أراد أن يُقارن بين قولين، وصار ينصر قولَه ويأتي بالترجيحات الكثيرة، ولكنه يهضم قول غيره ولا يَعرِض أدلته كما يَعرِض قولَ نفسه فهو من المُطفِّفين، كذلك الإنسان الموظَّف الذي يبخس الوظيفة حقَّها فيتأخر في الحضور أو يتعجَّل في الخروج أو لا يُعطي العمل حقَّه في حال تلبُّسِه بالعمل, أو يؤخر المعاملة التي في يده أو لا ينجزها, وقد يضع أمامها العراقيل بينما لو كانت له أو لأحد أبنائه أو أقاربه لأنجزها وأزال كل العراقيل التي أمامها ولو بالتلاعب في المعاملة. وهو لو يَنقُصُه درهم واحد من راتبه لطالب به. وكذلك عندما يبيع سلعة سيارة أو غيرها فإنه يبذل ما في وسعه لتزيينها للمشتري حتى ولو كان فيها عيب يؤثر في ثمنها, بينما لو كان هو المشتري وظهر له عيب في السلعة, لحكم على ذلك البائع بالمخادع والغاش الذي لا يبالي بأكل الحرام. فالضابط أنَّ المُطفِّف من يُريد حقَّه كاملاً ويهضِم حقَّ غيره.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: ومن أمور الإيمان التي وردت في كلام هذا الصحابي الجليل: ( بذل السلام ), وتعميمه على من عرفت ومن لم تعرف, فإنه يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ). وينبغي لمن يبذل السلام, أن يجعلَ لمعناه نصيباً في حياته, فيُمسك عن الشرِّ وأذيّةِ المسلمين, فإنها صدقةٌ يتصدق بها على نفسه كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن أمور الإيمان الواردة في هذا الأثر: ( الإنفاق من الإقتار ), والإقتار هو الإحتياج وعدم كثرة المال في يده, وذلك بأن ينفقه على وجهه, وأن لا يكون في حرام, أو إسراف ومباهاه. وهو عام: في الزكاة والصدقة, وعلى الزوجة والأولاد, والأقارب, وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف. فإن ذلك يتضمن غاية الكرم لأنه إذا أنفق من الاحتياج, كان مع التوسع أكثرَ إنفاقا، لأن ذلك يستلزم الوثوق بالله والزهد في الدنيا وقصر الأمل.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماءهم وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان يستضعف بها المسلمين، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في سوريا وفي فلسيطن وفي بورما وفي كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
|