صلاة الجماعة ومغفرة الذنوب
إِنَّ الحَمدَ للهِ،
نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ
أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه،
وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ
لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، أيها الناس: اتقُوا اللهَ تعالى،
وابْذُلُوا أسْبابَ الفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ، واعْلَمُوا أَنَّ الْمَحْرُومَ
الحَقِيقِيَّ، هُوَ الْمَحْرومُ مِنْ الإيمانِ، والفَوْزِ بِرَحْمَةِ
أَرْحَمِ الراحِمينَ. والْمَحْرُومُ مِنْ بَذْلِ أَسْبابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ
وتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ. أَلَا وَإِنَّ مِنْ
أَعْظَمِ أَسْبابِ تَطْهِيرِ العَبْدِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ومَحْوِ خَطاياه:
الْمُحافَظَةَ عَلَى صِلاةِ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَها وَتَأَمَّلَ
أَحْكامَها وَتَفاصِيلَ أَفْعالِ العَبْدِ فِيها، عَرَفَ السِّرَّ الذي بِهِ
يَمْحُو اللهَ بِه خَطَاياه: أَوَّلُها: مَغْفِرَةُ
الذُّنُوبِ مِنْ خِلالِ اسْتِعْدادِهِ لِهذِهِ الصَّلاةِ بِالوُضُوءِ، قال رسولُ اللهِ
صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ
جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفارِهِ ). الثاني: مَغْفِرَةُ
الذُّنُوبِ مِن خِلالِ مَشْيِهِ إلى الصلاةِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( فَإِنَّ أَحَدَكُم إذا
تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لا يُرِيدُ إلا الصلاةَ، لَمْ يَخْطُ
خُطْوَةً إلا رَفَعَهُ اللهُ بِها دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى
يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وإذا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، كان في صَلاةٍ ما كانَت تَحْبِسُه،
وَتُصَلِّي - يَعْنِي - عَلَيْه المَلائِكَةُ، ما دامَ في مَجْلِسِه الذي يُصَلِّي فيه:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَه، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيه ). الثالثُ: مَغْفِرَةُ
الذُّنُوبِ بِسَبَبِ انتِظارِه الصلاةَ وَهُو في الْمَسْجِد، كَما سَمِعْتُم في
الحديثِ، فَإِنَّ طِيلَةَ مُدَّةِ جُلُوسِهِ
وانْتِظارِهِ، والمَلائِكَةُ تَدْعُو لَه: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَه اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ). وهذا مِنْ أَكْبَرِ
ما يُعِينُ العَبْدَ عَلَى الصَّبْرِ وَطُولِ الانْتِظارِ، لِأَنَّ مِن
الناسِ مَنْ لا يُطِيقُ الاِنْتِظارَ فِي الْمَسْجِدِ، فَهُوَ فِي مَلَلٍ
إِلَى أَنْ يَخْرُجَ. فَإِذا تَذَكَّرَ هذا الفَضْلَ العظيمَ، هانَ عَلَيْهِ
الاِنْتِظارُ. ثُمَّ اعْلَم أيُّها الْمسلمُ، أَنَّ هذا الدعاءَ مِن الْملائِكةِ
مُسْتَمِرٌّ حَتى بَعْدَ فَراغِكَ مِن الصلاةِ، ما دُمْتَ في مَجْلِسِكَ الذي
صَلَّيْتَ فيه، ما لَم تَنْقُضْ وُضُوءَكَ أَوْ تُؤْذِ أَحَدًا. الرابع: مَغْفِرَةُ
الذُّنُوبِ بِسَبَبِ التَّأْمِينِ خَلْفَ الإمامِ في الصلاةِ الجهريةِ، لِقَوْلِ رسولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الإمامُ: " غَيْرِ المغضوبِ عَلَيْهِم ولا الضالين
"، فَقُولُوا: آمين، فإنه مَنْ وافَقَ تأمينُهُ تأمينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ
لَه ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِه ). وَلَيْسَ الْمُرادُ أَنْ يَقُولَ آمِينَ بَعْدَ فَراغِ الإمامِ
مِنْ التَّأْمِينِ، فَإِنَّ هذا خَطَأٌ ظاهِرٌ. ولَيْسُ الْمُرادُ أيْضًا أَنْ يَقُولَ آمِينَ إذا
شَرَعَ الإِمامِ في التَّأْمِينِ، لِأَنَّ هذا مُخالِفٌ لِظاهِر الحَدِيثِ.
وَلِأَنَّ الإِمامَ قَدْ يُؤَمِّنُ سِرًّا، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ في التَّأْمِينِ،
وَقَدْ لا يُؤَمِّنُ أصْلًا. وَلِذلكَ جاءَ في الحَدِيثِ: ( فَإِنَّه مَنْ وافَقَ
تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ )، وَلَمْ يَقُلْ: تَأْمِينَ
الإِمامِ. والْمُرادُ: أَنْ يَقُولَ المأمُومُ: آمِين، بَعْدَ فَراغِ
الإمامِ مِنْ قَوْلِ: ( وَلَا الضَّالِّين )، لِأَنَّ هذا هُوَ الوارِدُ في الحَدِيثِ. فَلا
يَسْبِقُه، ولا يَتَأَخَّرُ. بَلْ بِمُجَرَّدِ ما يَنْقَطِعُ صَوْتُ الإمامِ،
لِأَنَّ الفاءَ تُفِيدُ الترتيبَ مَعَ التَّعْقِيبِ. وأَمَّا الْمُرادُ بِقَوْلِهِ: ( إذا أَمَّنَ الإِمامُ
فَأَمِّنُوا )، أَيْ إذا أرادَ أَنْ يُؤَمِّنَ. وَهذا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَإِذَا قَرَأْتَ
القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِن الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ )، أيْ: إذا أَرَدْتَ
أَنْ تَقْرَأَ القُرْآنَ، وَلِيْسَ الْمُرادُ: إذا فَرَغْتَ مِنْ قِراءَةِ
القُرْآنِ. وَكَذلكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذا أَخَذْتَ
مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكِ لِلصَّلاةِ )، أيْ: إذا أرَدْتَ أَنْ تَنامَ، وَلَيْسَ الْمُرادُ: أَنْ تَتَوَضَّأَ
وأَنْتَ عَلى فِراشِكَ. الخامسُ: مَغْفِرَةُ
الذُّنُوبِ بِسَبَبِ مُتابَعَةِ الإمامِ في الذِّكْرِ الذي يُقالُ بَعْدَ
الرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قالَ الإمامُ:
سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، فَقُولُوا: الَّلهُم رَبَّنا لَكَ
الحَمْدُ، فَإِنَّه مَن وافَقَ قَوْلُه قَوْلَ الملائِكةِ، غُفِرَ لَه
ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه ). باركَ اللهُ لِي
وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ
الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي
وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم. الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ عَلى
إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله
إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى
اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ عباد الله: لِيِتَأَمَّلَ الْمُسلمُ
الذي يُصَلِّي وَحْدَه في بَيْتِه، كَمْ فاتَه مِن الفَضْلِ العَظِيمِ في
تَرْكِه صلاةَ الجَماعةِ، وما يَحْصُلُ لِلمُصَلِّينَ مِن مَغْفِرةِ
الذُّنُوبِ بِسَبَبِها. وَلْيَتَأَمَّلْ أَيْضًا تَكْرارَ هذه العِبادَةِ خَمْسَ
مَرَّاتٍ في اليَوْمِ والَّليْلَةِ. في كُلِّ صلاةٍ
تَتَكَرَّرُ مَعَهُ هذه الفَضَائِلُ، فَإِنَّه يَتَرَدَّدُ على الْمَسْجِدِ
خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَيُصَلِّي سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَة، فَكَمْ رَكْعَةٍ
في الأُسْبُوعِ؟ وَكَمْ رَكْعَةٍ في الشَّهْرِ؟ وَكَمْ رَكْعَةٍ في السَّنَةِ؟ وفي
كُلِّ رَكعةٍ يُتابِعُ فيها الإمامَ بَعْدَ الفاتِحةِ، وبَعدَ الرَّفْعِ مِن
الرُّكُوعِ تَلُوحُ لُه فُرْصَةٌ قَدْ يُوافِقُ قَوْلُه فِيها قَوْلَ الْمَلائِكَةِ، فَيُغْفَرُ
لَه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه، وهُوَ على هذِه الحالِ طِيلَةَ
عُمُرِهِ، فَإِنَّه قَدْ يَلْقَى اللهَ طاهِرًا مِن الذُّنُوبِ. وبِهذا يَتَبَيَّنُ
لِلمسلمِ مَعْنَى قَوْلِ الْمؤذِّنِ: " حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ".
ويَتَبَيَّنُ لَه مَعْنَى قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ
أَنَّ نَهْرًا بِبابِ أَحَدِكُم يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ
يَبْقَى مِنْ دَرَنِه شَيْءٌ؟ قالُوا: لا يَبَقَى مِنْ دَرَنِه شَيْءٌ، قال
فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ, يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطايا ). اللَّهمَّ إنّا نَسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ،
ونَعوذُ بكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، اللَّهمَّ أعنَّا عَلى
ذِكْرِكَ وَشُكْـرِكَ وَحُسنِ عِبَادِتِك، اللهُمَّ
آتِ نفوسَنا تقواها وزَكِّها أنت خيرُ مَنْ زكَّاها أنت وليُّها ومولاها، اللهُمَّ
خَلِّصْنا من حقوقِ خَلْقِكَ، وباركْ لنا في الحلالِ من رِزْقِك، وتوفَّنا مسلِمين
وألحقْنا بالصالحين، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ
المسلمين حُكَّاماً ومحكومين، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمينَ على كتابِك وسُنَّةِ
نبيِّك محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اللهُمَّ اجعلْ كلمتَهم واحدةً
ورايتَهم واحدةً واجعلْهم يداً واحدةً وقوَّةً واحدةً على مَن سواهم، ولا تجعلْ
لأعدائهم مِنَّةً عليهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهم عليكَ بالكفرةِ والْمُلحِدين
الذين يصدُّون عن دينِك ويقاتِلون عبادَك المؤمنين ، اللهُمَّ عليك بهم فإنهم لا
يُعجِزُونك، اللهُمَّ زَلْزِل الأرضَ من تحت أقدامِهم، اللهم سلِّطْ عليهم منْ
يسومُهم سوءَ العذابِ يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا من كيدِ الكائدين
وعدوانِ المعتدين، اللهُمَّ أخرجْها من الفِتَنِ والشرورِ والآفاتِ، واجْعَلْها أقوى
مما كانت، وأمكنَ مما كانت، وأغنى مما كان ، وأَصْلَحَ مما كانت، اللهُمَّ أصلحْ
حُكَّامَها وأهلَها واجمعْ كلمتَهم وأَلِّفْ بين قلوبِهم واجْعَلْهم يداً واحدةً
على مَنْ عَداهُم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ
والمؤمنينَ والمؤمناتَ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنَّك سميعٌ قريبُ مُجِيْبُ
الدَّعَوَاتِ، اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونحنُ
الفقراءُ أنزِلْ علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَ لَنا قُوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ، اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا
غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا طَبَقَاً سَحَّاً مُجَلِّلاً ، عَامَّاً
نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجَلاً غَيْرَ آجِلٍ، تُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ،
وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادُ، وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ يَا أَرَحمُ الرَّاحِمِين، اللهمَّ
لا تَرُدَنا خَائِبِين، اللهمَّ صلِّ وسلّمْ عَلَى نَبِيّنا مُحمد.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا : http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|