أعمال عشر ذي الحجة وحالنا فيها
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والطَّول والإنعام، يُطاع فيشكر، ويُعصى فيغفر، يصيب بعذابه من يشاء، ورحمته وسعت كلَّ شيء، وهو خير الراحمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرّ الميامين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أننا على أبواب أيام مباركة، هي أيام عشر ذي الحجة التي فضلها الله سبحانه وتعالى، وأودع فيها من الخيرات الشيء الكثير لعباده، ولاشك أن حياة المسلم كلها خير إذا اغتنمها في عبادة الله والعمل الصالح، وكلها خير من حين يبلغ سن الرشد إلى يتوفاه الله، إذا وفقه الله لاغتنام أيام حياته في الأعمال الصالحة التي يعمر بها آخرته، فمن حفظ دنياه بطاعة الله حفظ الله له آخرته، ووجد ما قدمه مدخراً عند الله عز وجل ومضاعفاً، ومن ضيّع ديناه ضاعت آخرته، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فكل حياة المسلم خير، و لكن من فضل الله عز وجل أن جعل أوقاتاً فضّلها على غيرها من الأيام، ليزداد فيها المسلم أعمالا صالحة، ويحصل على أجور مضاعفة، فهناك شهر رمضان المبارك، وما فيه من الخيرات، والأعمال الصالحة والمضاعفة للأجور، وفي شهر رمضان ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر.
وعشر ذي الحجة هي التي أقسم الله جل وعلا في محكم التنزيل قال سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: ( وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ )، هذه الليالي العشر هي عشر ذي الحجة على المشهور عند أهل العلم، والله أقسم بها لشرفها وفضلها، ولأجل أن يتنبه العباد لها وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل هذه العشر المباركات: « ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من الأيام العشر» - يعني عشر ذي الحجة - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: « ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشي»، رواه البخاري، فهذه الأيام العشر يكون العمل فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، حتى الجهاد في سبيل الله، الذي هو أفضل الأعمال، العمل في هذه العشر خير من الجهاد في سبيل الله، إلا من استثناه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء.
وهذه العشر المباركة تشتمل على هذه الفضائل العظيمة والأجور الكبيرة فاللهم لك الحمد على نعمك وآلائك و أوزعنا شكرها وارزقنا استغلالها بما ينفعنا.
وأعظم الأعمال في هذه العشر: حج بيت الله الحرام وهو واجب على الفور على كل مسلم حُرٍّ بالغ عاقل مستطيع، فمن لم يحج من المسلمين البالغين القادرين فهو على خطر عظيم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ». فيا أيها الحجاج ترجون من الله مغفرة الذنوب والآثام، وتأملون الفوز بالنعيم المقيم في دار السلام، وتؤمنون بالخلف العاجل من ذي الجلال والإكرام، وتتوجهون في أشهر حرم إلى أمكنة حرام فاضلة، إلى مشاعر معظمة تؤدون عبادةً من أجَلِّ العبادات، لا يريد بها المؤمن فخراً ولا رياءً ولا نزهةً ولا طرباً ولا فرجةً، إنما يريد بها وجه الله والدار الآخرة، فأدوا هذه العبادة، أدُّوها كما أمرتم مخلصين لله رب العالمين، متَّبعين لرسول الله محمد خاتم النبيين من غير غُلُوٍ ولا تقصير، فإن دين الله -تعالى - بين الغالي فيه والجافي عنه، وإياكم من مخالفة الأنظمة في الحج بغير تصريح من ولي الأمر ففيه مخالفة ومعصية لله تعالى ، يقول الشيخ صالح الفوزان: "لا يجوز مخالفة ولي الأمر بالتنظيم الإداري، لأن هذا معصية لولي الأمر، ومعصية ولي الأمر حرام، وتعدٍ في الحج وفي غيره".أ.هـ ومن رحمة الله بنا أنه يثيبنا على النية إذا عزمنا وحبسنا حابس .
ومن أعمال هذه العشر صوم يوم عرفة لغير الحاج، الذي قال -صلى الله عليه وسلم- فيه، في صيامه لغير الحاج: « أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية، والسنة المستقبلة» .
ومن الأعمال التي تؤدى في هذه الأيام العشر التكبير، ويبدأ من أول دخول الشهر، حينما يثبت دخول الشهر يبدأ التكبير في أيام هذه العشر ولياليها، ويكثر المسلم من التكبير فيقول :
الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد
يكرر هذا ويرفع به صوته، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالتكبير في هذه الأيام العشر وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم « فأكثروا فيهمن من التحميد والتهليل والتكبير » وهذا منصوص عليه في هذه العشر فيكون أفضل من غيره .
وكذلك يشرع في هذه العشر الإكثار من جميع الطاعات، فيشغل هذا الوقت بالطاعات القولية، والفعلية وهذا خير كثير في هذه الأيام العشر التي العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، وإن كان العمل الصالح محبوبا عند الله جلا وعلا في سائر الأوقات، ولكن الله يفضل بعض مخلوقاته على بعض، ففضل هذه العشر على غيرها من أيام الزمان.
وكذلك مما يشرع في هذه العشر ذبح الأضاحي تقرباً إلي الله سبحانه وتعالى، وسنة نبوية سنها أبونا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأحياها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والأضحية قربان عظيم يتقرب بها المسلم إلى الله ويرى بعض العلماء وجوبها على الموسر، وأما جمهور أهل العلم فيرون أنها سنة مؤكدة، فمن أراد أن يضحي عن نفسه، أو عن نفسه وغيره، فلا يأخذن من: الشعر والظفر والبشرة يعني: الجلد، وأما من يُضحى عنه وهم أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا شيئاً من ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إنما نهى من أراد أن يضحي و أهل البيت يُضحى عنهم ولا يضحون.
رزقنا الله جل وعلا جميعا التوفيق والإعانة وفتح لنا أبواب القبول والإجابة، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المؤمنون:-
هذه عشر مباركة، تقدم على المسلمين بخيراتها وبركاتها منّ الله تعالى بها على المسلمين من حجاجٍ، وغير حجاج، وفيها هذه الأعمال الجليلة، فينبغي للمسلم أن يستقبلها بالبشر والفرح والسرور بمقدمها، معلناً صدق توبته لله تعالى من جميع ذنوبه وخطاياه، عازماً على ترك معاصيه سائلاً ربه في إصلاح دينه ودنياه وآخرته، وأن يستغلها فيما شرع الله فيها، حتى تكون كسبا له عند الله سبحانه وتعالى، يجده يوم يقدم على الله سبحانه وتعالى، ولكن مع الأسف أن كثير من الناس تمر عليهم أعمارهم، وتمر عليه الأيام الفاضلة، والأوقات الشريفة، ولا يستفيدون منها، تذهب عليهم سدى، وقد لا يكفي إنهم لا يستفيدون منها، بل يستغلونها في الحرام والمعاصي والسيئات، خصوصا في هذا الزمان الذي فشت فيه الشواغل والملهيات من وسائل الإعلام، والبث الفضائي، والانترنت، والأسواق، والعمل في التجارة، أو العمل في الوظائف، أو غير ذلك، لاسيما وأن أيام العشر - ولله الحمد - في إجازة عن الوظائف والمدارس فلا عذر لكم بالانشغال في الوظائف والأعمال ولا يغلبنكم الشيطان ولا تلهكم أموالكم وأولادكم عن اغتنام هذا الموسم العظيم وهي عشر أيام: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ).
فاتقوا الله عباد الله وتنبهوا لأنفسكم، ونبهوا من هم تحت أيديكم وحافظوا على أوقاتكم، واغتنموا أوقات الفضائل قبل فواتها، فان ذلك هو رأس المال الذي تخرج به من هذه الدنيا, وعظّموا هذه الأيام بطاعة الله سبحانه وتعالى، وإياكم والاشتغال بشيء يضركم وتندمون ولا ينفعكم الندم .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم استعملنا في طاعتك وجنبنا سخطك ومعصيتك، اللهم نسألك الهدى، والتقى والعفاف والغنى. اللهم لك أسلمنا ، وبك آمنا ، وعليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا ، فاغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدّم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك . اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لرضاك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.
اللهم حفظ الحجاج والزوار والمعتمرين، اللهم يسر لهم أداء حجهم على الوجه الذي يرضيك يا حيّ يا قيوم، اللهم واجعل سعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً وحجّهم مبروراً، وردّهم إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وفق القائمين على شؤون الحج بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم سددهم وأعنهم واجزهم خيرا الجزاء على خدمتهم لحجاج بيتك الحرام يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرّج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسر المأسورين واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين. وارحم موتانا وموتى المسلمين يا أرحم الراحمين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
( مستقاة من نص كلام الشيخين ابن عثيمين والفوزان )