اللباس في الأعراس
الحمد لله اللطيف الخبير ، القوي القدير ، السميع البصير ، الغني عن الوزير والظهير ، الذي له : } مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، له الحمد في الأولى ، } وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، الهادي البشير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، فهو القائل سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
في هذه الأيام ، تكثر مناسبات الزواج ، فلا يكاد يمر يوم من الأيام ، أو تمضي ليلة من الليالي ، إلا ويكون هناك عدد من مناسبات الزواج ، وهذا أمر جيد ، بل قضية يأمر بها الدين ، وظاهرة إيجابية للمجتمع المسلم ، وسبب من أهم الأسباب المؤدية إلى عفة شباب المسلمين ، يقول ـ تبارك وتعالى ـ } فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ { فانكحوا : أي تزوجوا ، ويقول U : } وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ { وأنكحوا : أي زوجوا . فالله U يأمر بالزواج .
وفي الحديث الصحيح عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود t قال : كُنَّا مَعَ النَّبِي r شَبَاباً لاَ نَجِدُ شَيْئاً ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ r : )) يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَ أَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ (( .
فالزواج ـ أيها الأخوة ـ في المجتمع ظاهرة حسنة ، ولكن الأمر السيئ ، ما يصاحبها من أفعال مخالفة لتعاليم الكتاب والسنة ، يقع بها ، وتصدر من بعض الناس ، من مغالاة في المهور ، وإسراف وتبذير ، ومفاخرة ومباهاة ـ وبعض عادات جاهلية ، وتقاليد اجتماعية ، فرضتها عقول فاسدة ، وأوجدتها أفكار منحرفة عن الصراط المستقيم ، وبعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا القويم .
أيها الأخوة :
من تلك المخالفات ، التي لا يرضاها الدين ، وتُغضِب رب العالمين ، ويجب علينا جميعا ، العمل على القضاء عليها ، والتحذير منها ، وضع النساء في الأعراس ، وما يكون عليه أغلبهن ، وخاصة ما يتعلق باللباس والزينة ، حيث صارت مناسبات الزواج ، صالات استعراض للأجساد العارية ، والملابس الفاضحة ، والأشكال الدخيلة على مجتمعات المسلمين ، وقد يستنكر بعضنا مثل هذا الحديث ، بل منا من قد يكذبه ، ولا يلام من جاء في نفسه شيء من هذا ، لأن أكثرنا لا يدري ، ما تلبس زوجته وبناته ، لأنهن أمامه ومعه في سيارته ، كالغربان سوادا ، ولكن تعال انظر إليهن في حفل الزواج ، كما جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم : (( كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة )) فهن كاسيات ، فقد تلبس إحداهن لباسا قد كلف مئات الريالات ، ولكنها عارية ، لأنه لا يستر كامل جسمها ، ولا يغطي كل جسدها ، فظهرها مكشوف ، وصدرها مكشوف ، وغير ذلك من المكشوفات الكثيرة المثيرة ، فهي كاسية في نظرها ، لأنها أنفقت مئات الريالات ، على اختياره وخياطته ، ولكنها في الحقيقة عارية ، لأنها أبدت ما لا يحل لها إبداؤه ، حتى وإن كان عند مثلها من النساء !
أيها الأخوة :
إن ما تلبسه غالبية النساء ، لاسيما في مناسبات الأعراس ، لمخالف لتعاليم الكتاب والسنة ، ولذلك صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء ، بهذا الخصوص ، جاء فيها : أن المرأة لا يجوز لها أبدا أن تكشف ، ولا يرى منها إلا ، ما تكشفه غالبا في بيتها ، وحال مهنتها ، وما يشق عليها التحرز منه ، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين ، وأما التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة ، هو أيضا طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها ... إلى آخر ما جاء في فتوى علمائنا حفظهم الله .
فالمرأة ـ أيها الأخوة ـ في زواج أو في غيره ، حتى في بيتها بين أبنائها ، وحتى عند أخوتها ، بل حتى عند أمها وأبيها ، لا يجوز أن تخرج شيئا من جسدها ، غير ما ذكر ، رأسها ويديها وعنقها وقدميها ، أما غير ذلك فليس لأحد حق في رؤيته ، غير زوجها ، هذا هو مضمون فتوى اللجنة ، واستدلوا بقوله تعالى : } وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ { فالزينة ـ أيها الأخوة ـ التي يجوز إبداؤها للمذكورين في الآية ، تكون في العنق والكف وخلخال في القدم ، لا تكون في كشف الظهر ولا الصدر ولا البطن ، ولذلك ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ سبب نزول هذه الآية : أن أسماء بنت مُرْشدَة ، كانت في محل لها في بني حارثة ، فجعل النساء يدخلن عليها غير مُتَأزّرات ، فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل ، وتبدو صدورهن وذوائبهن ، فقالت أسماء : ما أقبح هذا . فأنزل الله U هذه الآية . فلنتق الله ـ عباد الله ـ وليتقين الله النساء بلباسهن ، وليتذكرن قول النبي r في حديث الكاسيات العاريات حيث قال في آخره : (( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )) .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن ظاهرة اللباس ، المخالف لتعاليم الدين ، وتلبسه النساء في المناسبات التي تجمع النساء ، وخاصة مناسبة الزواجات ، لها نتائج خطيرة ، وأضرار كبيرة ، وشرور كثيرة ، منها : تعلق النساء ببعضهن ، وافتتانهن ببنات جنسهن ، وما ظاهرة الإعجاب التي نسمع بها ، ويشتكي منها كثير من العاقلات من النساء ، إلا نتيجة من نتائج التعري في المناسبات ، وإبداء المفاتن في الاجتماعات ، حيث صارت المرأة تعشق امرأة مثلها ، وتحبها كما يحب الرجل زوجته ، وهذا الأمر ـ أيها الأخوة ـ من كبائر الذنوب ، ومن المعاصي التي تُغضب الله U .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ من نتائج التعري في المناسبات ، إصابت بعض النساء بالعين ، والعين كما جاء عن النبي r في الحديث الصحيح : (( العين حقٌّ ولو كان شيءٌ سابق القدر سبقته العين )) وفي حديث آخر ، في سنن أبي داوود ، يقول r : (( العين تدخل الجمل القدر، والرجل القبر )) أي تصيب الجمل فيؤكل ، وتصيب الرجل فيموت ويدفن .
أيها الأخوة :
ومن نتائج هذه الألبسة السيئة ، التي بُلي بها كثير من النساء ، وصارت وسيلة للمنافسة والتفاخر والتباهي ، المعانات المادية لكثير من الناس ، وخاصة الفقراء ، حيث صارت مناسبات الزواج لبعضهم ، سببا في الأمراض النفسية ، والأزمات المالية ، والمشاكل الاجتماعية .
أيها الأخوة :
وثم أمر آخر ، يجب التنبيه له ، وصار حصة ثابتة ، وخطوة مهمة ، في برنامج ومسيرة كثير من النساء ، ألا وهو المرور على المشاغل ، فيستحيل أن تذهب المرأة إلا بعد أن تمر على مشغل من المشاغل ، الموجودة وبكثرة ، وهذه المشاغل ـ أيها الأخوة ـ أقل ما فيها من الأخطار والأضرار ، قضية التصوير ، والذي يجب أن يمنع في هذه المشاغل ، فوسائل استغلال الناس وفضحهم ، من قبل ضعاف الإيمان ، كثيرة ومتعددة ومتنوعة . والحر تكفيه الإشارة .
أيها الأخوة المؤمنون :
فنحن بحاجة أن نجعل أعراسنا ، ومناسبات اجتماعاتنا ، وسائل لرفع درجاتنا ، وقربنا من خالقنا ، فلتخرج نساؤنا إن كان لا بد من الخروج ، متسترات ، وكما قال تبارك وتعالى : } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { فالإعجاب أذى ، والعين أذى ، وتعلق السائق بها لرائحة عطرها ، أذى ، وطمع الذي في قلبه مرض بها ، من خياط أو بائع أو حتى حارس عند الباب أذى ، وغير ذلك من أنواع الأذى ، التي الوقاية منه ، خير من علاجه ، وأنجع وسيلة ، هي ما ذكره الخبير بخلقه ، اللطيف بعباده : } يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ { يقول ابن سعدي في تفسيره : الجلابيب هن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه ، أي : يغطين بها، وجوههن وصدورهن .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يصلح أحوالنا أجمعين ، وأن يجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، إنه سميع مجيب . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليه من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار ، وما قرب إليها من قول أو عمل يارب العالمين . اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم من أرادنا أو أراد نساءنا بسوء ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا رب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|