حكم المخدرات والمسكرات وخطرها
الخطبة الأولى : 26 / 2 / 1433هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون : كان ذلك شاب من الشباب يسرق من مال والديه ، وسلب مرات حلي والدته وأخرج أسورتها من يدها عنوة وهي تبكي وتحاول أن تمنعه فلم تقدر ، وشاب آخر قتل أمه ودهسها بسيارته ، وثالث أطلق النار على زوجته وأبنائه وبناته فأعاق وجرح وأزهق الأنفس ، ورابع اغتصب أخته ، وخامس باع شرف بنته ، وسادس أجاع أطفاله وشرد أسرته ، فهل يمكن أن يكون هؤلاء من البشر ؟ هل يمكن أن يكون لهؤلاء قلوب ؟ هل لهؤلاء عقول ؟ هل عندهم إيمان ؟ .
الحقيقة أنهم بشر مثلنا لكن انحرفت فطرهم السوية ، ولهم قلوب لكنها غافلة قاسية ، ولهم عقول لكنها زائغة غلبتها الشهوة ، فتعاطوا ما يزيلها ويدمرها .
إنه الإدمان يا عباد الله ، إدمان المخدرات والمسكرات ، جعلهم كالبهائم أو أضل سبيلا (( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )) .
اسألوا إن شئتم عن مآسي المخدرات، تلك الأسر والبيوت الحزينة، وأولئك الآباء ذوي القلوب المكلومة، واسألوا الزوجات المجروحة، والأبناء والبنات ذوي الأكباد المتقرحة، اسألوهم عن مآسي التعاطي والإدمان التي عاشوها واصطلوا بلهيبها بسبب أب مدمن أو ابن أو أخ أو زوج متعاط، اسألوا مستشفيات الأمل والمصحات النفسية وعنابر السجون ودور الملاحظة لتعرفوا آثار إدمان وتعاطي المخدرات الوخيمة.
( كان رجل ممن كان قبلكم يتعبد ويعتزل الناس ، فعلقته امرأة [ أي أحبته ] ، فأرسلت إليه جاريتها تقول له : إنا ندعوك لشهادة ، فجاءها الرجل بنية صالحة ، فدخل بيتها ، فطفقت الجارية كلما دخل بابا أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة جميلة جالسة ؛ وعندها غلام ، وبجانبها إناء فيها خمر ، فقالت له المرأة : أنا لم أدعك لشهادة ، ولكن دعوتك لتقع علي ، أو تقتل هذا الغلام ، أو تشرب كأسا من هذا الخمر ، فإن أبيت ؛ صحت بك وفضحتك ، ففكر الرجل فلما رأى أنه لا بد له من أحدها ؛ قال : اسقيني كأسا من الخمر [ قدر أنه أهونها ] ، فسقته كأسا من الخمر ، فلما شربها قال : زيديني ، فلم يزل على ذلك حتى وقع على المرأة ، وقتل النفس )) حدثنا بهذه القصة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه وقال بعدها : فاجتنبوا الخمر أم الخبائث ؛ فإنه – والله – لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في صدر رجل أبدا ، ليوشكن أحدهما أن يخرج الآخر . رواها النسائي في سننه بسند صحيح .
وصدق رضوان الله تعالى عليه، إذ يصدق كلامه حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث حدثنا بقصة مختصرة شبيهة بهذه القصة فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الرجل الخمر ، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه )) رواه الطبراني والحاكم وصححه وأيضا صححه الألباني .
أيها الناس : صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول : (( الخمر أم الخبائث ، ومن شربها لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوما ، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية )) حديث صحيح أخرجه النسائي وغيره .
إنها واللهِ أم الخبائث والشرور ، فهي تجر إلى أنواع المنكرات الموبقات ، وتوقع في صنوف الآثام والمنكرات ، تجر إلى القتل وإلى الزنا والسرقة والقطيعة ، وتفرق الأحبة والجماعة ، وتجلب الخزي والعار ، تصد عن الإيمان (( فلا يشرب الخمر حين يشربها الشارب وهو مؤمن )) وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وعن القرآن ، ضررها كبير ، وشرها خطير مستطير .
حرّم الله جل وعلا الخمر بعد تدرج في تحريمها فأنزل في القرآن : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)) قال ابن باز : هذه الكلمة في الآية (( فَاجْتَنِبُوهُ )) تدل على شدة التحريم ، أي : ابتعدوا عنه غاية الابتعاد . وثبت عن عمر رضي الله عنه أنه لما سمع قوله تعالى : (( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)) قال : انتهينا، انتهينا .
اللهم اجعلنا لك شكارين ، لك ذكارين ، لك رهابين ، لك مطواعين ، إليك مخبتين أواهين منيبين ، يا رب العالمين .
أيها الناس : ما الخمر ؟ أتظنون أن الخمر المقصودة في النصوص هو الشراب المعروف بذلك فقط ، والذي يسميه الناس بالوسكي أو الكحول أو العرق ؟ لا ، ليس الأمر كما يظنه البعض ، وإنما أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة نعرف بها الخمر ، وهي : (( أن كل مسكر فهو خمر )) .
ففي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم : (( كل مسكر خمر، و كل مسكر حرام، و من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو لم يتب لم يشربها في الآخرة ))
فعلى هذا : المخدرات خمر، الكبتاقون خمر، والحشيش خمر، والهروين خمر، والأفيون خمر، وكل مسكر خمر، سواء كان مشروبا أو مطعوما أو مدخنا أو مشموما أو حبوبا أو إبرا ، وسواء كانت خالصة وحدها أو مخلوطة مع بيرة أو كلونيا ونحوها .
في صحيح مسلم أن رجلا قدم من جيشان "وجيشان من اليمن"، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أو مسكر هو ؟ )) قال : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كل مسكر حرام ، إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال )) قالوا : يا رسول الله ! وما طينة الخبال ؟ قال: (( عرق أهل النار . أو عصارة أهل النار )) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إيّاه نعبد وإيّاه نستعين، وهو الذي نرجوه أن يهديَنا صراطه المستقيم، صراط الذي أنعمَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح وحسن أولئك رفيقاً، ونرجوه أن يجنبنا طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد:
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَواْ يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا )) .
أيها المسلمون : الخمر بكل أنواعها ملعونة ، ملعون مطرود من رحمة الله متعاطيها ، ملعون كل من أعان على تعاطيها ، ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لعن الله الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها )) حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجه والترمذي فلم يترك عليه الصلاة والسلام أحدا من الأعوان على شرب الخمر وتعاطي المخدرات وترويجها إلا وذكر لعنه وطرده من رحمة الله .
عباد الله : إنَّ الأمم جميعها ، مسلمها وكافرها ، صالحها وفاسدها ، قد اجتمعت كلمتهم ، واتفقت تشريعاتهم وقوانينهم على تحريم المخدرات وتجريم المروجين لها والمتاجرين بها، وشن الحرب عليها وعلى مصادرها، والسعي لعلاج آثارها المدمِّرة، هذا مع ما لدَى كثيرٍ مِن تلك الأمم مِن الفواحش والفجور والملاهي المحرمة؛ وما ذاك إلا لاتفاق جميع العقلاء والعلماء والخبراء، واتفاق الشرع والعقل والمنطق على قبح المخدرات والمسكرات ولعنتها، وسوء آثارها وعموم مخاطرها، واتفقت الشرائع الربانية على حفظ الضرورات الخمس، ومنها العقل، ومن حفظ العقل : تحريم الخمر .
فهل بعد هذا يليق بمؤمن بالله واليوم الأخر أن يتعاطاها أو يروجها . فاتقوا الله عباد الله واجتنبوا ما حرم الله عليكم فإن فيه الإثم الكبير والضرر الخطير في الدنيا والآخرة .
(( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ))
فاللهم اعصمنا وأولادنا من تعاطي الخمر واعصمنا من الوقوع في الشهوات المحرمة. اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، ووفق اللهم إمامنا بتوفيقك ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه على الخير وتدله عليه يا رب العالمين. اللهم قاتل الكفرة والمشركين والظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك . اللهم عليك باليهود الصهاينة الأرجاس الأنجاس المحتلين وعليك بالنصارى الصليبيين الغاصبين وعليك الروافض الأخباث الماكرين اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك . اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً ومعيناً وظهيراً. اللهم اكشف الكربة والفرقة والفتنة والبلاء والقتل عن بلاد المسلمين أجمعين يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز يا جبار ، اللهم من أرادنا وديننا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات . اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
|