التقوى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم ومن تمسك بالسنة إلى يوم الدين وسلم تسليماً
كثيراً . أما بعد :
ف ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )،( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا
اللَّهَ )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ )، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَواْ يَوْمًا
لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا
) .
فيا أيها المؤمنون :
( اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
) ، ( وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ
) ، ( وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ )،
( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْه تُحْشَرُونَ )،
( وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ )، ( وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ سَرِيع الْحِسَابِ )، ( وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، ( وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )، ( وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) . أوامر
، وبيان للفضائل ، وحث وترغيب متكرر ، يحرك القلوب , ويستثير النفوس والمشاعر نحو
التقوى وتمثلها .
أيها
المؤمنون :
التقوى
خير زاد : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )، التقوى خير لباس : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ )، وأهل التقوى
أكرم الناس : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )، والعاقبة للتقوى
والمتقين: ( فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
) ، ( وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) ،
فالله جل جلاله يحب المتقين لذا هو مع المتقين بحفظه وإحاطته وعصمته لهم ( وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ).
ولشرف التقوى والمتقين لا يتقبل الله إلا من المتقين ( إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )، فلا يناله من أعمالنا
إلا التقوى ( وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ
)، لأنه جل جلاله ( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى
وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ). ( فَاتَّقُوا
اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )، ( وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
.
عباد
الله : لما كانت التقوى بهذه المكانة والفضل، أوصى بها ربنا جلّ جلاله من قبلنا من
الأمم كما أوصانا بها : ( وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ )، فكانت التقوى وصية
الله للأولين والآخرين .
وشرع الله للعباد من
الشرائع ما يُحقق لهم التقوى ويُدربهم عليها كالصيام والصلاة والزكاة والحج
والعمرة وغيرها من الأعمال الصالحة ، فضلاً منه ورحمة ، لينال العباد بتحقق التقوى
لهم شرف الآخرة وعزِّها ( وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ
لِلْمُتَّقِينَ ) ، وليدخلوا الجنة التي ( أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ ) ، ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) ،
ولتحصل لهم بالتقوى النجاة من نار الجحيم ( وَيُنَجِّي
اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ ) ، ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى
) .
وبالتقوى ينال العباد
أيضا خيرات في الدنيا قبل الآخرة ف ( مَن يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب )
( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ
يُسْرًا ) .
فيا أهل الإيمان : يا
من ترجون أن يكتبكم الله في عباده المتقين ، كل إنسان يجب أن يقف مع نفسه وينظر في
حاله ويحاسبها هل حققت له أعماله الصالحة التقوى ، إذ من أعظم ثمراتها للمسلم
الثبات والدوام على العمل الصالح وإن قلّ في كل الأحوال .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات
والذكر الحكيم، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إيّاه نعبد وإيّاه
نستعين، وهو الذي نرجوه أن يهديَنا صراطه المستقيم، صراط الذي أنعمَ عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح
وحسن أولئك رفيقاً، ونرجوه أن يجنبنا طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، وأصلي
وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد:
التقوى
عباد الله: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم
الرحيل.
التقوى
عباد الله: هي أن تحذر من الوقوع فيما يضرك في الآخرة كما تحذر من الشوك إن مشيت
حافياً في أرض ذات الشوك .
التقوى: هي أن تعمل
بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله على نور من الله
تخشى عقاب الله.
التقوى: هي أن تعمل على أن
تجعل بينك وبين عذاب الله وعقابه وغضبه وقاية بفعل المأمور وترك المحذور.
التقوى: هي ترك ما تهوى لما
تخشى بهذا عرفها
الإمام أحمد رحمه الله
أيها
المسلمون :
وفي
القرآن ذكر خصال المتقين فتدبروها في آياته ، فالمتقون هم أكثر
المنتفعين بمواعظ القرآن العظيم وهداياته ( ذَلِكَ الْكِتَابُ
لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) .
ففي
القرآن من الخصال قول الكبير المتعال : ( إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ
فَإِذَا
هُم مُّبْصِرُونَ ) .
المتقون أيها الناس : (
كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ
هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ).
المتقون : ( يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .
المتقون : ( إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةَ أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ) ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
)
فلنتمثل
التقوى، ولنأخذ بصفات المتقين لعلنا نكون من عباد الله المرحومين : ( وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
اللهم ارزقنا تقواك في السر والعلن وخشيتك في الغيب والشهادة. واجعلنا من عبادك
المتقين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح
لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا
زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ،
ووفق اللهم إمامنا بتوفيقك ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وهيئ له البطانة
الصالحة الناصحة التي تعينه على الخير وتدله عليه يا رب العالمين. اللهم قاتل الكفرة والمشركين والظلمة المعتدين الذين
يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك . اللهم عليك باليهود الصهاينة الأرجاس الأنجاس
المحتلين وعليك بالنصارى الصليبيين الغاصبين وعليك الروافض الأخباث الماكرين اللهم
إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به
ظاهراً وباطناً اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك . اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك
إله الحق اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم مؤيداً
ونصيراً ومعيناً وظهيراً. اللهم اكشف الكربة والفرقة والفتنة والبلاء والقتل عن بلاد المسلمين أجمعين
يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز
يا جبار ، اللهم من أرادنا وديننا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في
نحره وتدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وللمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات . اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه
أجمعين وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
|