عام 33 وموعظة للمسلمين
الحمد لله
العظيم القهار ، القوي الجبار ، } خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ،
وعظيم سلطانه ، على فضله المدرار ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له } يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،
المصطفى المختار ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار ، وسلم تسليما
كثيرا ما تعاقب الليل والنهار .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى
الله U ، وصية الله لكم ولمن كان قلبكم ، فهو القائل سبحانه : } وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ـ أحبتي في الله ـ واعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ
بأننا في هذه الأيام ، نعيش بداية عام هجري جديد ، فهذا اليوم ـ أيها الأخوة ـ هو
اليوم السابع من العام الثالث والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة النبي e ، ولا شك أنه من نعم الله U على عباده ، معرفة أعوامهم ، وشهورهم وأيامهم ، تأملوا ـ أيها
الأخوة ـ لو جهل المسلمون ذلك ! كيف تكون حالهم ؟
فمعرفة الأعوام وتجددها ، على الأمة
الإسلامية ، له فوائد عظيمة ، بل تبنى عليه عبادات كريمة ، وفيه موعظة وعبرة لكل
مسلم .
المسلم ـ أيها الأخوة ـ ليس كغيره من الناس ،
وخاصة كلما انطوى عام وحل آخر ، لأنه من خلال ذلك ، يحاسب نفسه ، ويتدارك تقصيره ،
ويجتهد فيما تبقى من أعوامه ، ولعل ذلك من أبرز الحكم في تجدد الأعوام ، وانقضاء
الشهور والأيام .
أيها الأخوة المؤمنون :
فمناسبة انتهاء الأعوام وتجددها ، مناسبة
هامة عند كثير من المسلمين ، لأن لها علاقة بعباداتهم ، وبمعاملاتهم ، ولكن يجب أن
لا يتعدى الاهتمام حدود ما شرع الله U
، كما يفعل بعض المسلمين ، في هذه الأيام ، من إقامة للاحتفالات ، وتبادل للتهاني
والتبريكات ، فلا يجوز للمسلم أن يحتفل بدخول العام ، ولا يجوز له أن يهنئ غيره
بدخوله ، يقول سماحة الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ : التهنئة بالعام الجديد لا نعلم
لها أصلاً عن السلف الصالح ، ولا أعلم شيئاً من السنة أو من الكتاب العزيز يدل على
شرعيتها ، ويقول الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ : ليس من السنة أن نهنئ بعضنا
بدخوله ، ويقول فضيلة الشيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ عندما سأله أحدهم فقال : ما حكم
التهنئة بحلول العام الهجري ، ومن العبارات قولهم : عام سعيد أو قولهم : وكل عام
وأنتم بخير ، هل هذا مشروع ؟ قال ـ حفظه الله ـ : هذا بدعة ، هذا بدعة ويشبه تهاني
النصارى بالعام الميلادي ، وهذا شيء لم يفعله السلف .
فلا يجوز ـ أيها الأخوة ـ الاحتفال بدخول
الأعوام الهجرية ، ولا التهنئة بمناسبتها ، وياليت من يحتفلون بهذه المناسبة ،
ويرسلون رسائل التهنئة ، يجعلون تجدد الأعوام ، عبرة لهم ، فيحاسبون أنفسهم ،
ويتداركون تقصيرهم ، فمرور الأعوام على الإنسان قد يكون نعمة ، وقد يكون نقمة ـ
هذه حقيقة ـ فطول العمر أحيانا يكون شرا
ووبالا على صاحبه ، فمثلا العصاة ، كثرة أعوامهم ، إذا لم يبادروا بتوبة ـ تكون شرا
ووبالا عليهم ، فكلما طال عمر أحدهم ، استكثر من حجج الله عليه ، ولهذا يقول النبي
e
: (( خير الناس من طال عمره وحسن
عمله ، وشر الناس من طال عمره وساء عمله )) .
إن العاقل ـ أيها الأخوة ـ لا ينغر ولا ينخدع
بإمهال الله له ، ولا بما أعطاه الله ، يقول U
: } أَيَحْسَبُونَ
أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ {
.
أخي المسلم : يا من أمضيت عددا من السنين ،
اعلم بأن هذا العمر الذي أمضيت سوف تسأل عنه ، وتحاسب عليه ، ففي الحديث عن عبد
الله بن مسعود t قال : قال رسول الله e
: (( لا تزول قدما ابن آدم يوم
القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه
، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم )) . فمحاسبة
النفس عند تجدد الأعوام ، من الأمور المهمة التي يجب للمسلم أن لا يغفل عنها .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن من أهم ما يحاسب عنه المسلم نفسه ، وخاصة
عند تجدد الأعوام ، الزكاة التي ثالث ركن من أركان الإسلام ، لأن مضي الحول ، شرط
من شروطها وأمر موجب لتأديتها ، فإذا سمعت أخي المسلم ؛ عن مضي الحول في الزكاة ،
فاعلم بأن المقصود في ذلك ، مضي عام هجري كامل .
وهانحن أيها المسلمون ، قد ودعنا عاماً كاملا
وبدأنا عاما جديدا ، فجدير بنا ، أن نقف
مع أنفسنا وقفة صدق ، وقفة محاسبة ، في كل الأمور ، لا سيما في أمر الزكاة .
أخي المسلم ! إننا لا نعلم بمقدار ما عندك من
المال ، ولا ندري هل دفعت الزكاة أم بخلت بها ، هذا أمر لا يعلم به إلا الله ، هو
سبحانه المطلع ، يعلم السر وأخفى . وهو الذي يعلم ما في نفسك ، ويعلم ما تخفي وما
تعلن ، فاتق الله أيها المسلم وتفقد حالك
مع هذا الركن العظيم من أركان الإسلام يقول تبارك وتعالى : } وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا
فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ {
ويقول U
: } وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ
بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ { ، ويقول الرسول e في الحديث : (( من آتاه
الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع )) ـ أي ثعبان ـ (( له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه )) أي
بشدقيه (( فيقول : أنا مالك أنا
كنزك )) . ثم تلا الرسول e
الآية السابقة .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وحاسبوا أنفسكم ،
واحذروا كل عمل لا يرضي ربكم ، واعتبروا بمضي أعوامكم وانقضاء شهوركم وأيامكم .
أسأل الله لي ولكم علما نافعا
وعملا خالصا إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه
هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر
له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
وسلم تسليما كثيرا .
أيها
الأخوة المؤمنون :
ونحن
نتحدث عن بداية العام الهجري الجديد ، يجدر بنا أن نشير إلى ذلك اليوم العظيم ،
الذي نُجي فيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأُغرق فيه فرعون ، وهو
اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
قدم رسول الله e المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال : (( ما هذا اليوم الذي تصومونه ))
قالوا : هذا يوم نجّى الله تعالى فيه موسى وقومه ، وأهلك فيه فرعون وقومه ، فصامه
موسى عليه السلام شكرا لله تعالى ، فنحن نصومه . فقال e : (( فنحن أحق وأولى بموسى منكم ))
فصامه وأمر بصيامه .
أيها الأخوة المؤمنون :
فيوم عاشوراء ، الذي هو اليوم العاشر من هذا
الشهر ، هو يوم عظيم ، ففي الحديث الذي رواه مسلم ، وهو رواية للحديث السابق ،
حديث ابن عباس ، قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه
.
هذا اليوم ـ أيها الأخوة ـ يشرع صيامه ، فكما
سمعتم صامه النبي e وأمر بصيامه ، فصوموا ذلك اليوم إتباعا لسنة نبيكم واحتسابا للأجر من
ربكم ففي الحديث يقول e
: (( صيام يوم عاشوراء إني أحتسب
على الله أن يكفر السنة التي قبله )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولصيام
يوم عاشوراء مراتب ثلاث ، ذكرها ابن القيمِ رحمه الله في زادِ المَعاد وهي أن يصوم
ُ المسلم التاسعِ والعاشرِ والحادي عشر؛ وهذا أكملها.
أو يصومُ التاسعِ والعاشرِ، وذلك مخالفةً
لأهل الكتابِ في صيامِهِ ، فقد روى ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال :
حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ e يَوْمَ
عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ
تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِe : (( فَإِذَا كَانَ
الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع)) ،
قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ e . وأما المرتبة الثالثة فهي أن يصوم المسلم اليوم العاشر فقط.
اسأل الله U أن
يجعلني وإياكم من أهل سنة رسوله الكريم ، وأن يحيينا على الإسلام ، ويميتنا على
الإيمان ، وأن يجعل عملنا في رضاه ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك أن تنصر عبادك
المؤمنين ، وأن تذل الشرك والمشركين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ، والنصارى
الحاقدين ، ومن كره الإسلام والمسلمين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم
شتت شملهم وأوهن عزمهم ، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك ، وفجاءة نقمتك ، وأليم عذابك
، إنك على كل شيء قدير .
اللهم أحفظ بلادنا وولاة أمرنا
وعلماءنا ودعاتنا ، اللهم وحد كلمتنا وقوي شوكتنا يا رب العالمين ، اللهم من
أرادنا في هذه البلاد بسوء اللهم اشغله بنفسه ، ومن حاك لنا كيدا ، فاللهم اجعل
كيده في نحره ، ومن دبر لنا شرا فاجعل تدبيره سببا في تدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في
عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من
القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا
هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، غيثا تغيث به البلاد
والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم
أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
{ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر
الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|