نهاية عام هجري وبداية آخر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا . يا أيها اللذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما) .
أما بعد ..
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلاله في النار .
أما بعد:عباد الله اتقوا ربكم وارجوه,وأنيبوا إليه وخافوه.
أيها المسلمون:عجلة الحياة سائرة , خطوة تتلوها أخرى , ترك لما مضى ولا عود,ودنو من ساعة النقلة , وما فات منها مفقود , كل يوم يمضي وكل ساعة تنصرم صحائف تطوى أُو دعة ما دوّن فيها من عمل إن خيرا فخيراً وان شرا فشراً شاهد من الشهود شاهد مُعين وشاهد مُهين (ومن يهن الله فما له من مكرم) . في حرص الناس على سرعة مرورا لأيام عجبا. واستبطائهم لها ....عورا, واختلاف مقاصدهم ومشربهم سنة من سنن المولى، وصدق الله (إن سعيكم لشتى).
ينتظر الزارع موسم الحصاد على شوق وأمل ويود أن لو .أصبح وقد حصده في أقرب وقت ممكن , ويستبطئ الموظف حلول آخرا لشهر من أجل مرتب يتقاضاه على عمل أداه,والولد في لهف وشوق ويقول متى يكبر ابني وأراه رجلا سويا.ومن وُعد في شيء من حطام الدنيا يعطاه بعد فترة من الزمن يحسب لذلك اليوم حسابه , ويترقب وصوله و مجيئه .
كل هذا وغيره كثير يوحي بشدة ترقب الناس للنتائج ومعرفة استقرار المصير.
ولأن كان ما قدر حاصل لا محالة إلا أن الإنسان عجول : (خلق الإنسان من عجل) (ويدعُ الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا )
أيها الإخوة :
في نهاية عام هجري وحلول آخر تهز مشاعر الإنسان أحداث التاريخ المترامية على ساحل الحيلة إذا حفتها الأمواج للشاطئ غثها وسميهنا وتبينت لكل بمصير ولكل رائٍ أحوالها فيا ترى أخي المسلم:
من الذي فيها يتفكر ويأخذ الدروس والعبر؟ انه كل ذي عقل راجح وبصيرة نافذة , انه كل من وفق للهدى, وجنب الجهل والهوى,انه المؤمن بالبعث والنشور,انه المؤمن بالحساب والجزاء,انه من عرف من أُين أتى وكيف أُتى وما هو المستقر والمأوى. (فريق في الجنة وفريق في السعير).
كيف لا وقد ذم الله من أنعم عليه بنعمة القلب والسمع والبصر ولم يستعملها فيما خلقت له حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) {179}
فلنتفكر في الأيام والشهور والأعوام الماضية وما جرى فيها ,والباقية وما سيكون منها , إن كل يوم يمر وعام ينصرم يقربنا من الآخرة ويبعدنا عن الدنيا يقربنا إلى ما نحن ملاقوه ومدون في صحائف أعمالنا فهل يفرح بذلك إلا من استعد للقدوم على ربه بامتثال أمره واجتناب نهيه.
أيها الإخوة:
(يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار) .الم تروا إلى هذه الشمس تطلع وتغرب كل يوم ,والى القمر يهل صغيرا ثم يكبر حتى يكتمل بدرا ثم يضمر حتى يعود صغيرا ، وهذه الأعوام كلما انقضى عام خلفه آخر . ففي هذا كله إيذان بأن هذه الدنيا ليست بدار مقر وإنما هي دار ممر ، فيما ذا ودعنا العام الماضي ونستقبل العام الجديد .
أيها الأخوة :
فليقف كل منا مع نفسه محاسبا ما ذا أسلفت في عامها الماضي فان كان خيرا ازداد ، وان يكن غير ذلك أقلع و أناب .فان الحسنات يذهبن السيئات وقال صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها.
ليحاسب كل منا نفسه في نهاية هذا العام فإننا في آخر أيامه يحاسبها عن الفرائض كيف حاله معها, وعن حقوق المخلوقين والتخلص منها ,وعن أمواله التي جمعها من أين جاءت وكيف ينفقها ؟
أيها الإخوة :
حاسبوا أنفسكم اليوم فأنتم أقدر على العلاج منكم غدا,و لا تدرون ما يأتي به الغد. حاسبوها في ختام عامكم وفي جميع أيامكم ، فإنها .... التي تحفظ لكم أعمالكم وعما قريب تفتح لكم فترون ما أودعتم فيها.
قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته: إنكم تغدون وتروحون الى أجل قد غيب عنكم علمه فان استطعتم أن لا يمضي هذا الأجل إلا وانتم في عمل صالح فافعلوا)
وقال عمر رضي الله عنه :أيها الناس حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر على الله (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)
أيها المسلمون :
لنتذكر بانقضاء العام انقضاء العمر ، وبسرعة مرور الأيام قرب الموت , وتقلبات الأحوال زوال الدنيا وحلول الآخرة,فكم ولد في هذا العام من مولود , وكم مات فيه من حي , وكم استغنى فيه من فقير,وافتقر فيه من غني ,وكم عز فيه من ذليل وذل فيه من عزيز, وكم شرد فيه من آمن, وكم أمن فيه من خائف , وكم وكم (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26} تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ){27}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..........إلى آخره
الخطبة الثانية :
الحمد لله المتفرد بالبقاء على الدوام، مقلب الليل والنهار والأيام . أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فأتقو الله عباد الله
أيها الأخوة المسلمين :
ليراجع كل منا مع نفسه حساباته في نهاية هذا العام فلعله لم يبق من العمر إلا ساعات أو أيام ولتستدرك أخي المسلم عمرا قد أضعنا أوله، فان العمر بغير عمل صالح لا قيمة له. قال صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ,وغناك قبل فقرك,وفراغك قبل شغلك ,وحياتك قبل موتك , هكذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم باغتنام هذه الخمس قبل حلول أضدادها,ففي الشباب قوة وعزيمة فإذا هرم الإنسان وشاب ضعفت قوته وفترت عزيمته,وفي الصحة نشاط وانبساط فإذا مرض الإنسان نحط نشاطه وضاقت نفسه وثقلت عليه الأعمال , وفي الغنى راحة وفراغ فإذا أشتغل الإنسان بطلب العيش لنفسه لم يجد فراغاً للتزود من الأعمال الصالحة وفي الحياة ميدان فسيح لصالح الأعمال فإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ,صدقة جارية.أو علم ينتفع به ,أو ولد صالح يدعو له,.فاتقوا لله عباد الله واستعدوا لما انتم ملاقوه لا محالة.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {12} وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَه ُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا {13} اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا {14} مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {15})
اللهم أصلح أحوالنا وردنا إليك رداً جميلاً .....إلى آخره. |