عام جديد
إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, واعلموا أن مرور الشهور والأعوام, يطوي من أعماركم وأعمالكم, فأعماركم في نقص, والأعمال في صحائف الأعمال, فاتقوا الله, وقدموا لأنفسكم أعمالاً صالحة قبل انتهاء الأجل , واعتبروا بحال ذاك العاصي الذي وافاه الأجل, وهو في غيِّه
{حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {100}}الحج.
فطلب الرجوع إلى الدنيا ليعمل صالحاً, ولكن! هيهات هيهات .
أيها المسلمون: إنكم تستقبلون عاماً جديداً , وتودعون عاماً تليداً طويت أيامه ولياليه, بما أودعتموه؟ فمن أودعه الصالحات وجدها , ومن أودعه السيئات وجدها.
{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {8}}الزلزلة.
{ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {49}}الكهف.
عباد الله: لو أعدنا النظر في عامنا المنصرف, وتأملنا! فكم لله فيه من الحكم الباهرة؟ أذل أقوام, وأعز أقوام آخرين, وأغنى وأفقر , وأخذ أقواماً فأصبحوا خبراً بعد عين, وصرَّف ملكه كيف شاء, فسبحانه من إلهٍ بهرت حكمته العقول, وذلت لعزته الرقاب, وخضعت له الكائنات طوعاً وكرهاً, يعز من يشاء, ويذل من يشاء , ويرفع ويخفض لا إله غيره, ولا معبود بحق سواه.
قال عز من قائل:{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {12} وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً {13} اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً {14} مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {15}}الإسراء.
أيها المسلمون: إن أسعد الناس, من استعمل عمره في طاعة الله وتقواه, والقيام بأمره وشرعه, وأشقى الناس, من استعمل الليل والنهار, لحصد المعاصي والسيئات, كما هو حال بعض الناس, فتمر عليه الأعوام تلو الأعوام, وهو غارق في الآثام , وقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "أعذر الله إلى امرىءٍ بلغ الستين" رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم ملك بر رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة, لمن أراد أن يذكر, أو أراد شكورا,
والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله, وأصحابه, أما بعد :
أيها الناس: إن مما شرع لكم في بداية عامكم, صيامُ يومين من محرم, وهما: التاسع والعاشر, فقد كان نبيكم -عليه الصلاة والسلام- يصوم عاشوراء, ويأمر بصيامه, كما ثبت ذلك عنه في الصحاح والسنن , وقال عليه الصلاة والسلام :" لئن عشت إلى قابل, لأصومنّ التاسع " رواه مسلم, لأجل مخالفة اليهود.
فصوموا ما صام نبيكم _عليه الصلاة والسلام_ , واعملوا بما شرع لكم, فتقربوا إلى الله بصيام تاسوعاء وعاشوراء, ومن فاته تاسوعاء صام عاشوراء ويوماً بعده, وإن اقتصر على صيام عاشوراء جاز له ذلك , وأفضل الناس من صام اليوم التاسع والعاشر, عملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته, فأودعوا عامكم عملاً صالحاً, واجتهدوا في عمل الصالحات.
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً {107} خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً {108} قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً {109} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110}} الكهف
عباد الله : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً {56}}الأحزاب.
اللهم صلى على محمد, وأزواجه, وذريته كما صليت على إبراهيم, وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام وأهله, وأذل الشرك وأهله, اللهم انصر دينك وأعلِ كلمتك, وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم وأصلح شبابنا وهيئ لهم دعاة الهدى وجنبهم دعاة السوء والضلال .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم انصر دينك وأعل كلمتك، يا أرحم الراحمين، اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وأمننا بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره يا سميع الدعاء اللهم وسلط عليه من يسومه سوء العذاب، اللهم وفق رجال أمننا وكن لهم عوناً ونصيراً اللهم ارحم ميتهم، اللهم واشف مريضهم وقوي عزائمهم وثبت أقدامهم وانصرهم على أعدائك وأعدائهم يا قوي يا متين، يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
|