الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدا فإن الله قد أرسل إليكم رسولا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
عباد الله: تكلمنا فيما سبق عن أشراط الساعة الصغرى والوسطى
واليوم سوف نتكلم عن الأشراط الكبرى
وأولها: فتنة الدجال وهي أعظم الفتن التي تمر على البشر عبر تاريخها كما في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مابين آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من أمر الدجال ) ولذلك حذَّرَ من فتنته جميع الأنبياء .
وقد ثبتت صفاته في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( فهو رجل شاب أحمر, قصير, أفحج, جعد الرأس, أجلى الجبهة, عريض النحر, أعور العين اليمنى, مكتوب بين عينيه كافر, يقرأها كل مؤمن كاتب وغير كاتب, يخرج فتنة للناس, إذْ يدعي الربوبية.
** ويعطيه الله من الإمكانات ما يروج بها باطلة فمنها:
أنه يجوب الأرض سريعا، كالغيث استدبرته الريح. ومعه جنة ونار, فناره جنه وجنته نار.
ومن ذلك أن الشياطين تعينه على باطله حيث يأتي إلى الأعرابي فيقول له أرأيت لو أحييت لك أمك وأباك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم فيتمثل له شيطان في صور أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك، فيؤمن به.
ومن الإمكانات أيضا:
أنه يأمر السماء فتمطر, والأرض فتنبت, ويدعوا البهائم فتتبعه, ويأمر الأرض الخربة أن تخرج كنوزها المدفونة، ابتلاء من الله للعباد .
ومن ذلك أنه يخرج له شاب من المدينة من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه, فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون: لا، فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه, ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، ثم يقول له أتؤمن بي؟ فيقول الشاب: أنت المسيح الكذاب ما ازددت فيك إلا بصيرة, فيأخذ بيديه ورجليه فيقذفه إلى النار, فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين. ويخرج الدجال من الشرق من بلاد فارسية يقال لها خراسان, ويظهر أمره للمسلمين عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام كما ثبت ذلك في صحيح مسلم, و أكثر أتباعه اليهود والنساء. يمكث في الأرض أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع وبقية أيامه كسائر الأيام. محرمٌ عليه دخول مكة والمدينة .
** والسلامة من فتنته يا عباد الله تكون بما يلي:
أولا: الإيمان والتقوى قال تعالى: ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ) .
ثانيا: قراءة فواتح سورة الكهف عند رؤيته كما أرشد إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: الاستعاذة بالله من فتنته كما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال ).
ونهاية الدجال تكون على يد عيسى عليه السلام ومبدأ ذلك ـ قبل نزول عيسى ـ خروج جيش من المدينة كما ثبت ذلك في صحيح مسلم. وهذا الجيش يخرج من أجل غزو الروم الصليبيين ويكون نزول الروم بمكان حدده الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ـ بدابق أو بالأعماق ـ وهما بالشام قرب حلب, فيتقاتلون: فيهزم ثلث من مع المسلمين, أي: يفرون, وهؤلاء لا يتوب الله عليهم, ويُقتل الثلث هم أفضل الشهداء, ويفتح الثلث لا يفتنون أبدا، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذا سمعوا صياح الشيطان: - إن الدجال خلفكم في ذراريكم - فيرسل الخليفة عشرة من الفرسان, قال عليه الصلاة والسلام: ( والله إني لأعلم أسماءهم وأسماء أبائهم وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ ). فيجدون ذلك باطلا.
ثم بعد ذلك يتوجهون إلى بيت المقدس فيحاصرهم الدجال, عند ذلك ينزل عيسى عليه السلام, فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً, فيدركه عيسى عند باب لُدّ, فيقتله, فيهزم الله اليهود.
ونزول عيسى يكون وقت صلاة الصبح, ويؤم المسلمين بما فيهم عيسى عليه السلام رجل صالح, يقول له عيسى: تقدم فصل فإنها لك أقيمت, فيصل بهم إمامهم.
وبعد ذلك يوحي الله إلى عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ـ يعني يأجوج ومأجوج ـ فَحَرِّز عبادي إلى الطور, أي أصعد بهم إلى الجبل كي يكونوا في حرز منهم، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون وهم من بني آدم لا يختلفون عنهم في الخِلْقة.
وما ورد في بعض الأخبار عن صفاتهم الغريبة فإنه لا يثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام ـ إلا أنهم مفسدون في الأرض كما وصفهم الله.
ووقت خروجهم يكون بعد قتل عيسى للدجال, وهذا هو وعد الله المذكور في آخر سورة الكهف, فقد أخبر الله تعالى أن السد الذي بناه ذو القرنين مانعهم من الخروج, كما قال تعالى: ( فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا )، وأخبر أن ذلك مستمر إلى آخر الزمان, عندما يأتي وعد الله ويأذن لهم بالخروج, فعند ذلك يُدَكُّ السد كما قال تعالى:( فإذا جاء وعد ربي جعله دكآء وكان وعد ربي حقاً )، فيخرجون أفواجاً أفواجا, ويسلطهم الله على العباد والبلاد, يمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها, ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه ماء، ويعيثون في الأرض الفساد, ويقتلون الناس, ثم يقولون هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم, هلموا لنقتل أهل السماء, ويرمون بنشابهم إلى السماء, فيعيدها الله تقطر دما فتنة لهم, فبينما هم على ذلك إذ بعث الله دوداً في أعناقهم فيصبحون موتى لا يُسْمَع لهم حس, فيقول المسلمون: ألا رجل يشري نفسه فينظر ما فعل العدو. فيتجرد رجل منهم محتسباً لنفسه, فينزل فيجدهم موتى, بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين ألا أبشروا فإن الله قد كفاكم عدوكم, فيخرجون, ثم يرسل الله طيرا تحمل يأجوج ومأجوج حيث شاء الله, ثم يرسل الله مطرا يغسل الأرض, ويكون عيسى ابن مريم في الأمة حكماً عدلاً, وإماماً مقسطا, يدق الصليب, ويذبح الخنزير, ويضع الجزية, وترفع الشحناء والتباغض, وتنزع حُمةُ كل ذات حُمَة ـ أي أن الله ينزع سم الأفاعي والعقارب حتى إن الوليد ليدخل يده في فم الحية فلا تضره ـ وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله, وتضع الحرب أوزارها, وتنبت الأرض نباتها, حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم, ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم, وينتشر الأمان والخير. ومدة بقاء عيسى في الأرض أربعون عاما ثم يموت ويصلي عليه المسلمون. إذ موت عيسى يكون في آخر الزمان. لأن الله تعالى رفعه إليه وحماه من القتل والصلب الذي دُبِّرَ له, كما قال تعالى: ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) إلى أن قال .... : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته .. ) أي في آخر الزمان وأما الوفاة المذكورة في الآية: ( إني متوفيك ... ) فإنها وفاة صغرى, فقد كان عليه الصلاة والسلام يقول إذا أوى إلى فراشه: ( باسمك اللهم أموت وأحيا ) أي أنام وأستيقظ وكان إذا استيقظ من نومه قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا. وهذا مصداق قوله تعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) أي حين نومها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: وبعد موت عيسى عليه السلام : يضعف الإسلام مرة أخرى, ويترعرع الشر, ويرفع هذا الدين, ويذهب العلم, ثم يخرج الدخان ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) ويرسل الله ريحاً تقبض أرواح المؤمنين لأن الساعة لا تقوم وفي الأرض مؤمن.
ثم تعود البشرية إلى الجاهلية وعبادة الأوثان, ويسلط الله ذا السويقتيْن ـ رجل من الحبشة ـ يهدم الكعبة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس وعن أنس بن مالك ثم تخرج الدابة كما قال تعالى: ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) .
ثم تطلع الشمس من المغرب, فإذا رآها الناس آمنوا جمعيا, وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تمكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.
وآخر ذلك كله: ما ثبت في صحيح مسلم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) و أرض المحشر هي أرض الشام.
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
|