الخطبة الأولى:-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى،
واعلموا أن من علامات الساعة التي ظهرت ومازالت في زيادة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه. والتباهي بالمساجد: يشمل بناءها رياء وسمعة, ويشمل زخرفتها وتزويقها, قال ابن عباس رضي الله عنهما: لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى .
وقد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن زخرفة المساجد لأن ذلك يشغل الناس عن صلاتهم فقال عندما أمر بتجديد المساجد النبوي: ( أكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ).
** ومن أشراط الساعة أيضا:
عدم المبالاة بأكل الحرام ؛ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام ).
** ومن علامات الساعة أيضًا:
تقارب الزمان ؛ كما ثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون الساعة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة ـ أي كالأسبوع ـ وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة )
وليس المراد بهذا الحديث قلة بركة الزمان أو أن السبب توفر وسائل الاتصالات أو انشغال الناس بالدنيا.
بل المراد قصر الزمان وسرعته سرعة حقيقية،
فإن جميع الناس في هذا الزمان يشعرون بسرعة مرور الأيام المشغول فيهم وغير المشغول, والمهموم فيهم وغير المهموم، والذي يشغل أوقاته فيما ينفع والذي يشغلها فيما يلهي, والمتعبد وغير المتعبد وانظروا إلى سرعة الوقت في شهر رمضان مع العلم أن أحوال الناس تتغير في رمضان بسبب الانشغال بالصيام والقيام ومع ذلك لا يشعرون بالفرق بينه وبين الشهر الذي قبله والذي بعده في السرعة.
بل والله حتى السجناء في حبسهم يشعرون بذلك مصداقا لحديث الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلوات الله وسلامه عليه.
** ومن علامات الساعة أيضاً:
ظهور المعازف والخمور واستحلالها،
أما المعازف فهي آلات الطرب بجميع أنواعها, فقد كثرت في هذا الزمان وانتشرت انتشارا عظيما وكثر المغنون والمغنيات حتى أصبح الغناء والموسيقى من الأمور التي لا يُسْتغنى عنها خصوصا عند الشباب والشابات, وساعد على ذلك انتشار القنوات الفضائية في بيوت المسلمين ووجود قنوات تدفع الأموال الطائلة لبعض المتعالمين من أجل توجيه الناس وإفتائهم بما يرضي أهواءهم ومن ذلك إفتاؤهم بجواز الموسيقى والغناء.
بل آل الأمر إلى أشدِّ من ذلك، إلى عرض مسائل العقيدة للحوار أمام الناس حتى شككوا البعض من المسلمين بدينهم ورسالة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. واستغنى كثير من الناس بهؤلاء المفتين والموجهين عن العلماء الناصحين الصادقين الذين عُرِفُوا بالورع والخوف من أن يقولوا على الله بغير علم.
وأما الخمور فقد ظهر في هذه الأمة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها حتى أطلق على الخمر أسماء كثيرة كالمشروبات الروحية ونحو ذلك. وفُتِن كثير من المسلمين بشربها.
وأعظم من ذلك: بيعها جهارا وشربها علانية في كثير البلدان الإسلامية, وانشار المخدرات انتشارا عظيما لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم وفساد كبير.
** ومن الأدلة على ظهور المعازف والخمور واستحلالها:
ما رواه البخاري معلقا بصيغة الحزم عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم ـ يعني جبل ـ يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم ـ يعني الفقير ـ لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا فيبتهم الله ويضع العلم ـ يعني الجبل ـ ويمسخ آخرين قردة وخنازير ). وروى ابن ماجه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ, قيل: ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات ) والقينات: هن المغنيات والراقصات. وعند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ).
نسال الله لنا وللمسلمين حسن العاقبة. والأمر لله من قبل ومن بعد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله:
ومن العلامات الوسطى أيضا التي ظهرت ومازالت في زيادة وبعضها لم يظهر:
تطاول الناس البنيان وانتشار الزنا وكثرة القتل وكثرة الأسواق وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها في التجارة.
وظهور الفحش والقطيعة, وكثرة الزلازل, وأن يكون السلام للمعرفة, وكثرة النساء, وقلة الرجال, وأن يحسر الفرات عن جبل من ذهب, وأن تعود جزيرة العرب مروجا وأنهارا, وأن يتمنى الرجل الموت من كثرة البلاء, وكثرة شهادة الزور,
وظهور النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات, وتداعي أمم الكفر على هذه الأمة كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, والمهدي الذي يملاء الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجوراً, ثم بعد ذلك الأشراط الكبرى التي تعقبها الساعة .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم زيننا بزينة الإيمان واجعلها هداة مهتدين، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
|