بَعْضُ أشْراطِ الساعَةِ وَبَيانُ خَطَرِ
المُخَدِّراتِ
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من
شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين
ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أمَّا
بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ
مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ
مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ
ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ. أيُّها الناسُ: اتَّقُوا اللهَ تَعالَى،
وابذُلُوا أَسْبابَ الثَّباتِ عَلَى دِينِكُمْ، فَإِنَّه أَغْلَى ما تَمْلِكُونَ،
وَتَعوَّذُوا بِاللهِ مِنْ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ. قالَ رسولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ
أَشراطِ الساعَةِ، أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ
الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزنا ). فَفِي هذا الحديثِ العَظيمِ، بَيانٌ
لِعِظَمِ شَأْنِ العِلْمِ، وخُطُورَةِ الجَهْلِ، وَأَنَّ العِلْمَ بِشَرعِ اللهِ
سَبَبٌ لِصَلَاحِ الناسِ وَبُعدِهِم عَنْ كُلِّ ما يُفْسِدُ دِينَهُمْ وأَخْلاقِهم،
وَأَنَّ الجَهْلَ بِشَرْعِ اللهِ سَبَبٌ لِفَسادِ الدِّينِ والأَخْلاقِ، لِأَنَّه
بِالْعِلْمِ تَزْدادُ الخَشْيَةُ وَيَكْمُلُ الإيمانُ، ويَتَحَصَّنُ الناسُ مِن
دُعاةِ الباطِلِ فَلَا يَقْبَلُونَ دَعوَتَهُم، ولا يتَأثَّرُونَ بِشُبُهاتِهم،
وَيَسْتَطِيعُونَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ العالِمِ وَمُدَّعِي العِلْمِ، وَبَيْنَ
الناصِحِ وَمُدَّعِي النصيحةِ، وَبَيْنَ العَقِيدةِ الصحيحةِ والعَقَائدِ
الباطِلَةِ. وَبِالجَهلِ يَسْهُلُ التَّأْثِيرُ عَلَى الناسِ، وَالسَّيطرَةُ عَلَى
عُقُولِهِم، وإِيصالُ الشُّبُهاتِ إلَى قُلُوبِهِم. وَلِذلِكَ نَجِدُ أَنَّ أَوَّلَ
طُرُقِ دُعاةِ الباطِلِ، هُوَ عَزْلُ العامَّةِ عَنْ عُلَمائِهِمْ، وتَشْوِيهُ
مَكَانَةِ العُلَمَاءِ فِي قُلُوبِهِم، كَيْ يَسْهُلَ الاسْتِفْرادُ بِهِم، كَمَا
يَفْعَلُ الذِّئْبُ بِالقاصِيَةِ مِن الغَنَمِ. فَإِذا فَقَدَ الناسُ العِلْمَ،
وَفَقَدُوا الثِّقَةَ بِعُلَمائِهِمْ، زَالَتْ أَهَمُّ العَقَباتِ، لِعدم وُجُودِ
الحِصْنِ الْمانِعِ مِنْ وُرُودِ الشُّبُهاتِ إلى النُّفُوسِ، مِمَّا يُجَرِّئُ
عَلَى الدَّعْوَةِ إلى الشركِ والإلحادِ، وَنَشْرِ البِدَعِ، وإفْسادِ عَقِيدَةِ
الوَلَاءِ والبَراءِ، وَتَشْوِيهِ صُورَةِ الإسلامِ فِي نُفُوسِ أَهْلِهِ. وَمِنْ ذلك: ظُهُورُ الزنا وشُرْبِ الخُمُورِ،
فَإِنَّ تَفَشِّيَ ذلك وَظُهُورَه وإعلانَه والْمُجاهَرَةَ بِهِ، حَتَّى يَكُونَ
أَمْرًا طَبِيعِيًّا فِي مُجْتَمَعاتِ المسلمين نَعُوذُ بِاللهِ، لا يَحْصُلُ إلا
بِسَبَبِ رَفْعِ العِلْمِ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ، وَثُبُوتِ الجَهْل، فالزنا لَا
يَنْتَشِرُ إلَّا إذا جَهِلَ الناسُ الحُدُودَ والحَوَاجِزَ التي وَضَعَها
الشارِعُ الحَكِيمُ مِنْ أَجْلِ سَدِّ ذَرِيعَةِ الزنا، وَتَعَدَّوها، والتي مَتَى
مَا الْتَزَمَها الْمُسلِمُونَ، نَشَأَ لَهُمْ جِيلٌ طاهِرٌ بَعِيدٌ عَنْ كُلِّ
مَا يُدَنِّسُ الأَعْراضَ، وَيُفْسِدُ القُلُوبَ والأخلاقَ،. وَهذِه الحُدُودُ والحَوَاجِزُ
يَا عِبادَ اللهِ تَتَلَخَّصُ فِيمَا يَلِي: أولا:
إقامَةُ الحَدِّ عَلَى الزانِي، وَهُوَ مِائَةُ جَلْدَةٍ لِلْبِكْرِ مَعَ
التَّغْرِيبِ عامًا، وَرَجْمُ المُحْصَنِ بِالحِجارَةِ حَتَّى المَوْتِ. وَقَدْ
أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِالصَّرامةِ في ذلك، وَعَدَمِ التَّهاوُنِ أَوْ الرَّأْفَةِ
والرَّحْمَةِ عِنْدَ تَطْبِيقِ هذا الحَدِّ. ثانِيًا:
أَمْرُ الرِّجالِ والنِّساءِ بِغَضِّ البَصَرِ. ثالِثاً:
أَمْرُ النِّساءِ بِالقَرارِ في البُيُوتِ إلَّا لِحاجَةٍ لابُدَّ مِنْها. رابِعًا:
أَمْرُ النِّساءِ بِالحِجابِ وَهُوَ سَتْرُ وُجُوهِهِنَّ وأجْسامِهِنَّ، مَعَ
النَّهْيِ عَنْ إِبداءِ الزِّينَةِ، بِمَا في ذلك: الطِّيبُ، وَكُلُّ ما يَلفِتُ
أَنْظارَ الأجانِبِ، لِأَنَّ في ذلك مَدْعاةً لِصَرْفِ الأنْظارِ الْمُرِيبَةِ
إِلَيْهِنَّ، وَوَسيلةً إلَى وُقُوعِ الفاحِشَةِ، قال تعالى: ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى
). وإذا كان خُرُوجُ الْمَرْأَةِ إلى الْمَسْجِدِ لِلْعِبادَةِ مَشْرُوطًا
بِتَرْكِ الزِّينَةِ والطِّيبِ فَكَيْفَ بِخُرُوجِها إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ؟ قال
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَمْنَعُوا
إِماءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ تَفِلات )، أَيْ:
غَيْرَ مُتَزَيِّناتٍ. وقال أيْضًا: ( أَيُّما
امْرَأَةٍ أصابَتْ بُخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا العِشَاءَ ). خامِسًا:
تَحْرِيمُ الخَلْوَةِ بِالْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ. سادِسًا:
تَحْرِيمُ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ مَحْرَمٍ. سابِعاً:
مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِن الخُضُوعِ بِالقَوْلِ مَعَ الرَّجُلِ الأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ
تَمْيِيعُ الكَلَامِ وَتَرْقِيقُه، أَوْ مُمَازَحَتُه وَرَفعُ التَّكلُفَةِ مَعَه
فِي الحديثِ كَمَا فِي قَوْلِه تَعالَى: ( فَلَا
تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ). باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً
. أَمّا بَعدُ عبادَ
الله: وَمِنْ آثارِ ذَهابِ العِلْمِ وَكَثْرَةِ الجَهْلِ: شُرْبُ الخُمُورِ،
وظُهُورُ ذلك وإعلانُه، حَتَّى يَكُونَ أَمْرًا طَبِيعِيًّا مُباحاً، أَوْ
أَشْبَهَ مَا يَكُونُ بِالْمُباحِ فِي مُجْتَمَعاتِ المسلمين نعوذُ بِالله.
والخَمْرُ أُمُّ الخبائِثِ، وَشُرْبُها مِن كَبائِرِ الذُّنُوبِ. مَن شَرِبَها في
الدنيا لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ. وإذا كَثُر شُربُها فَسَدَ الْمُجْتَمَعُ
وضاعَتْ أخْلَاقُه، وانْتَشَرَ الفَسادُ والفَوَاحِشُ والقَتلُ بِسَببِه. ويُشارِكُ الخمرَ في هذا الحُكْمِ: الحَشيشُ
والمُخَدِّراتُ باخْتِلافِ أَنْواعِها وَمُسَمَّياتِها، وَهِيَ أَشَدُّ ضَرَرًا
وفَتْكًا وإِفسادًا وإِتْلافًا لِلْعَقْلِ والدِّينِ والبَدَنِ والْمُجْتَمَعِ والْمالِ
مِنْ الخَمْرِ. يَجِبُ عَلَينا جَمِيعًا، أنْ نَقِفَ أَمامَ هذا الخَطَرِ، فَإِنَّ
مَواجَهةَ خَطَرِ الْمُخَدِّراتِ لَيْسَت خاصَّةً بِرِجالِ الأَمْنِ والْمُكافَحَةِ
فَقَطْ، بَلْ هِيَ مَسْئُولِيَّةُ الجَمِيعِ،
والتَّعاوُنُ في ذلكَ مُطْلُوبٌ في ذلك ومُتَحَتِّمٌ: عَلى وَسائِلِ الإِعْلامِ: فإنَّ دَورَها في
ذلك مِنْ أَهْمِّ الأَدْوارِ. وعَلى الأُسْرَةِ: لأنَّها نَواةُ
المُجْتَمَعِ وأساسُه. وَتَقَعُ الْمَسْؤُولِيَّةُ أيضًا: عَلى الْمُعَلِّمِينَ
والْمُعَلِّماتِ، والعُلَماءِ والدَّعاةِ والخُطَباءِ. فإنَّ الجَمِيعَ مَسْؤُولٌ. ويَجِبُ عَلى
شَبابِنا أَنْ يَعْلَمُوا عِظَمَ مَسْؤُولِيَتِهِم، وذلك بِالتَسَلُّحِ
بِالتَّقْوَى، والْمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ، ومُجالَسَةِ الصالِحين، فإنَّ الرَّجُلَ
عَلى دِينِ خَلِيلِهِ، والحَذَرِ والتَّحْذيرِ، والتَّعاوُنِ مَعَ رِجالِ الأَمْنِ
والْمَسْؤُولينَ في مَواجَهَةِ هذا الخَطَرِ الكَبِيرِ الْمُدَمِّرِ. اللهم احْفَظْ لَنا دِينَنا وأَمْنَنا وأخْلاقَنا، واحْفَظْ
شَبابَنا، وخُذْ بِأَيدِيهِم إلى الهُدَى والصلاحِ، وانْصُرْ بِهِم دِينَك،
وأَعْلِ بِهِم كَلِمَتَك، وأَغِظْ بِهِم أَعْداءَك يا رب العالمين، اللهم آتِ
نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليّها ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن
الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا
تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا
دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة
لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين،
اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك
المؤمنين في كل مكان، اللهم وفقّ ولاة أمرنا لما يرضيك، واجعلهم أنصارا لدينك، واجعلهم
هداة مهتدين يا رب العالمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية
ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع
مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما
ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم
الراحمين ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا : http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|