كَثْرَةُ الْمسلمين
والتَّعْدادُ السُّكَّانِي
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ
ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها
الناس:
اتقُوا
اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا أَنَّه يَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نَعْتَزَّ بِدِينِنا،
لِأَنَّ اللهَ أَعَزَّنا بالإسلامِ، فَإِنْ ابْتَغَيْنَا العِزَّةَ بِغَيْرِهِ
أَذَلَّنا اللهُ، ومَا ذاكَ إلا لِأَنَّ نِعْمَةَ الإسلامِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ
أَنْعَمَ اللهُ بِها عَلَيْنا، فَهُوَ دِينٌ كامِلٌ فِي اعْتِقادِاتِهِ
وتَشْرِيعاتِه، وفي أوامِرِه وِمِنْهِيَّاتِه، وفِي آدابِه وأخْلاقِيَّاتِه.
وإذا
أَرَدْتُمْ يا عِبادَ اللهِ مَعْرِفَةَ قَدْرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنا
بِهذا الدِّينِ، فانْظُرُوا ما عَلَيْهِ أُمَمُ الكُفْرِ اليَوْمَ وما عَلَيْهِ
واقِعُ ما يُسَمَّى بِالدُّوَلِ الراقِيَةِ، وما تَعِيشُهُ مِنْ تَفَرُّقٍ في
العَقائِدِ، وفَسادٍ في الأخلاق، وضَياعٍ لِلأَعْراضِ وهَمَجِيَّةٍ في النُّظُمِ
والقَوانِينِ، واخْتِلالٍ فِي الأَمْنِ، واضْطِرابٍ في السياسةِ، ما بَيْنَ
دَكْتاتُورِيَّةٍّ مُسْتَبِدَّةٍ، وما بَيْنَ رَوافِضَ ويَهُودٍ حاقِدِينَ عَلَى
البَشَرِيَّةِ، يَسْعَوْنَ لِهَلاكِها ودَمارِها، ونَصْرَانِيَّةٍ ضالَّةٍ
مُتَحَيِّرَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَوَثَنِيَّةٍ تَعْبُدُ الأشجارَ والأحْجارَ،
وتَتَوَسَّلُ بِالْمَوْتَى والْمَقْبُورِينَ والحَيَواناتِ وَكُلِّ ما تُزَيَّنُ
شَياطِينُ الإنْسِ والجِنِّ لِها عِبادَتَه مِنْ دُونِ الله. وهَكَذا كُلُّ مَنْ
حُرِمَ نُورَ الإسلامِ، ونُورَ التوحيدِ والسُّنَّةِ، فَإِنَّه يَتَخَبَّطُ في
الظَّلامِ: ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ
يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ
أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ
أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )، فاحْمَدُوا
اللهَ عَلَى ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُم مِنْ نِعْمَةِ الإسلامِ، واعْمَلُوا
بِمُقْتَضاه، ولا تَرْضَوْا بِغَيْرِه بَدِيلًا.
عِبادَ
الله: إِنَّ مِنْ مَظاهِرِ عِزَّةِ الإسلامِ والمسلمين، كَثْرَةَ عَدَدِ المسلمين
واتِّحادَهم واجْتِماعَ كَلِمَتِهِم، فَإِنَّ كَثْرَةَ عَدَدِ المسلمين
أَمْرٌ مَطْلُوبٌ ومَحْمُودٌ. ومِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذلك امْتِنانُ اللهِ عَلَى
هذِه الأُمَّةِ وَعَلَى مَنْ سَبَقَها مِنْ الأُمَمِ بِتَكْثِيرِهِم بَعْدَ ما
كانُوا قِلَّةً مُسْتَضْعَفِينَ، وَقَدْ ذَكَر اللهُ تعالى قَوْلَ شُعَيْبٍ
عَلَيْه السلامُ لِقَوْمِه: ( وَاذْكُرُوا إِذْ
كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ )، وقال تعالى: ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ). فَكَثْرةُ
عَدَدِ المسلمين مِنَّةٌ مِن اللهِ تَعالى في الدُّنْيا، وكذلكَ فِي الآخِرَةِ
لِقَوْلِه عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ: ( تَزَوَّجُوا
الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنّي مُكَاثِـرٌ بِكُمْ الأُمَمَ يَومَ الْـقِيَامةِ
).
ثُمَّ إنَّ
زِيادَةَ أعدادِ المسلمين، مِنْ أسبابِ ظُهُورِهِمْ وتَمْكِينِهِم،
وَلِذلكَ لَمَّا سَأَلَ هِرقْلُ أَبا سُفْيانَ رضيَ اللهُ عنه عَن النبيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وسلمَ وأصحابِه، قال: ( أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَقالَ
أَبُو سُفْيانَ: بَلْ يَزِيدُونَ، فَقالَ لَه هِرَقْلُ: كَذلكَ أَمْرُ الإيمانِ
حَتَّى يَتِمَّ ) أَيْ: أَنَّ مِنْ تَمامِ أَمْرِ الإيمانِ وظُهُورِهِ: زيادةَ
عَدَدِ المسلمينِ، وهذا هُوَ الذي جَعَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسلمَ
يَسْأَلُ أصحابَه فَيَقُولُ وَهُوَ جالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِم: ( أَحْصُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإسلامِ ) فَفِي
قَوْلِه: ( أَحْصُوا ) دَلِيلٌ عَلَى
اهْتِمامِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلمَ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِ مَنْ دَخَلَ فِي
الإسلامِ وَبَكَثْرَةِ عَدَدِ أُمَّتِهِ، وهذا مِمَّا يَجْعَلُنا كَمُجْتَمَعٍ
مُسْلِمٍ نَتَعاونُ مَعَ الهَيْئَةَ العامَّةِ لِلإِحْصاءِ، فِيما يَتَعَلَّقُ
بِالتَّعْدَادِ السُّكَّانِي، فَإِنَّ هذا داخِلٌ تَحْتَ الاِهْتِمامِ بِأُمُورِ
المسلمين. خُصُوصًا وأَنَّه يُعْتَبَرُ أَساسًا مُهِمًّا في الدِّراسَةِ
والتخطِيطِ والتَنْمِيَةِ، لِأَنَّه أَحَدُ قَواعِدِ البَياناتِ الأساسِيَّةِ التي
تُبْنَى عَلَيْها شُؤونُ الحَياةِ، الأَمْنِيَّةِ والتَّعْلِيمِيَّةِ
والاجْتِماعِيَّةِ والاقْتِصادِيَّةِ والصِّحِّيَّةِ. وهذا مِمَّا يُؤَكِّدُ
ويَحُثُّ عَلى الصِّدْقِ في إدْلاءِ الْمَعْلُوماتِ والبَياناتِ الدَّقِيقَةِ،
لِإِنْجاحِ مَشْرُوعِ التَّعْدادِ.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ
العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ
مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ
اللهِ: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّ كَثْرَةَ عَدَدِ المسلمينَ وَحْدَه
لا يَكْفِي، لِأَنَّ الأسبابَ الشَّرْعِيَّةَ
يُكَمِّلُ بَعْضُها بَعْضًا، فَكَثْرَةُ العَدَدِ بِدُونِ إيمانٍ صَحِيحٍ لا
يَكْفِي، إذْ لا بُدَّ مَعَ الكَثْرَةِ: مِن العِلْمِ، والعَمَلِ،
والدعوةِ، والأَمْرِ بالمعروفِ والنَّهْيِ عن الْمُنْكَرِ، والسَّيْرِ عَلَى ما
سارَ عَلَيْهِ محمدٌ صلى اللهُ عَلَيْه وسلمَ وأصحابُه. مَعَ الاجِتِهادِ
في تَحْصِيلِ العُلُومِ الدُّنْيَوِيَّةِ، والقَوَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، التي
تُغْنِيهِمْ عَنْ غَيْرِهِم، ولا تَجَعَلُ لِعَدِوِّهِمْ مِنَّةً عَلَيْهِم. وهذا
واجبٌ عَلَى الْمسلمين جَمِيعًا، مَعَ الحِرْصِ عَلَى فَهْمِ دِينِهِمْ
وتَطْبِيقِهِ كَما أَمَرَ اللهُ، وإلا فَلَنْ يَنْفَعُوا وَلَنْ يَنْتَفِعُوا،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( " يُوشِكُ
أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الأُمَمُ كَمَا تَداعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها
"، فقالَ قائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: " بَلْ أَنْتُمْ يَوَمَئِذٍ كَثِيرٌ، ولَكِنَّكُمْ غُثاءٌ
كَغُثاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدوِّكُمْ المَهابَةَ
مِنْكُمْ, وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ في قُلُوبِكُمْ الوَهْنَ "، فقال
قائلٌ يا رسولَ اللهِ: وما الوَهْنُ؟ قال: " حبُّ
الدنيا وَكَراهِيَةُ الْمَوْتِ " )، نَعَمْ يا عِبادَ اللهِ، حُبُّ
الدُّنْيا يُشْغلُ الناسَ عَن الأمْرِ الذي خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهِ، وكَراهِيَةُ المَوْتِ
تُشْغِلُ الناسَ عَن الدعوةِ ونُصْرَةِ دِينِ الله.
اللهم انْصُرْ بِنا دِينَكَ وأَعْلِ بِنا
كَلِمَتَكْ، وأَغِظْ بِنا أَعْداءَك.
اللهم
خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا
بالصالحين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع
كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم
واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل
لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك، واجعلهم أنصارا لدينك، وارزقهم البطانة
الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا
الجلال والإكرام، اللهم اغفر لِموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك
بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم
وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى
الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم
الراحمين اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|