الخطبة الأولى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى.
ذكرنا في الخطبة الماضية أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل ويكثر بسببها البلاء. وأحاديث الفتن كثيرة جدا فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن وأمر بالتعوذ منها وأخبر أن هذه الأمة سيصيبها بلاء وفتن عظيمة, وليس هنالك عاصم منها بعد الله إلا الإيمان بالله واليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين وهم من كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العلم والعمل وإن قَلُّوا. وقد ذكرنا في الخطبة الماضية شيئا من الفتن. ومنها أيضا:
أولاً:- خروج الكذابين الذي يَدَّعُون النبوة, وهم قريب من ثلاثين كذاباً.
وقد خرج بعضهم في الزمن النبوي وفي عهد الصحابة، ولا يزالون يظهرون، وليس المراد كلُّ من النبوة فإنهم كثير لا يحصون، وإنما المراد من قامت له شوكة وكثر أتباعه واشتهر بين الناس, ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى يُبْعَث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله ) وفي سنن أبي داوود عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ).
وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين: مسيلمة الكذاب, فادّعى النبوة في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وقضى عليه الصحابة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في معركة اليمامة المشهورة.
وظهر أيضا الأسود العنسي في اليمن فقتله الصحابة.
وظهرت سجاح التميمية وادعت النبوة وتزوجها مسيلمة ثم لما قُتِل رجعت إلى الإسلام. وظهر أيضا طليحة بن خويلد الأسدي ثم تاب ورجع إلى الإسلام.
ثم ظهر المختار بن عبيد الثقفي وكثر أتباعه. ومنهم الحارث الكذاب في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل.
وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند وادعى النبوة وصار له أتباع وأنصار. ولا يزال خروج هؤلاء الكذابين واحدا بعد الآخر حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال.
ثانياً:- قتال الترك:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوهم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر ) وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة. وقد وقع الآمر كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم, فقد قاتل المسلمون الترك أكثر من مرة.
يقول النووي في التتار الذين اجتاحوا العالم الإسلامي: ( وقد وُجِدوا في زماننا: أي الترك الذين تحدث عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا.... بجميع صفاتهم التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: صغار الأعين ، حمر الوجوه ، ذُلف الأنوف، عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا، وقاتلهم المسلمون مرات ). ومن قرأ كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم اتضح له تأثره بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان يشرح الحديث والمعركة مستعرة بين المسلمين وهؤلاء الذي تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتال المسلمين لهم، وقد رأى وصفهم بأم عيني رأسه. وكان ممن شارك في قتالهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
** ومن الأشراط التي ظهرت ومازالت في الظهور:
ضياع الأمانة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: كيف إضاعتها ؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) رواه البخاري. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الرجل ينام النومة فتبقى الأمانة من قلبه....... إلى أن قال: فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة, فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ... الحديث ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله: ومن العلامات التي ظهرت ومازالت في ازدياد:
ظهور الشرك في هذه الأمة:
كما قال عليه الصلاة والسلام: ( ..... وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ) وقد وقع الشرك في هذه الأمة ولحقت قبائل منها بالمشركين وعبدوا الأوثان وبنو المشاهد على القبور وعبدوها من دون الله وقصدوها للتبرك والتقبيل والتعظيم, وقدَّموا لها النذور وأقاموا لها الأعياد. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة ).
وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فإن قبيلة دوس في جنوب الجزيرة قد افتتنوا بذي الخلصة عندما عاد الجهل إلى تلك البلاد فعبدوها من دون الله حتى قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالدعوة إلى التوحيد وجدد ما اندرس من الدين فقام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وبعث جماعة من الدعاة إلي ذي الخلصة فأزالوه وهدموا بناءه، ولما انتهى حكم آل سعود على الحجاز في تلك الفترة عاد الجهال إلى عبادتها. ثم لما استولى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله على الحجاز أمَرَ عامِلَه عليها فأرسل جماعة من جيشه فهدموها وأزالوا آثرها.
** ومن أشراط الساعة التي ظهرت ومازالت في الظهور:
ارتفاع أسافل الناس على خيارهم, واستئثارهم بالأمور دونهم, فيكون أمر الناس بيد سفائهم وأراذلهم ومن لا خير فيهم .
وهذا من انعكاس الحقائق وتغير الأحوال كما هو مشاهد في هذا الزمان.
روى الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله وسلم قال: ( سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة ).
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها .
|